7 مليارات دولار خسائر متوقعة لمعلني العالم الرقمي في 2016
بدأ شيلين دار مسيرته على الجانب المظلم من صناعة الإعلان على شبكة الإنترنت. في عام 2013، عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، بدأ العمل لدى رجل أعمال مبادر مقره نيويورك ويملك عشرات المواقع الوهمية. تمثلت وظيفته في تضخيم عدد الزيارات إلى المواقع. وبالتالي، زيادة مبيعات الإعلانات، عن طريق شراء حركة مرور وهمية على الشبكة.
وفي حين أن دار كان يعلم أن برامج الكمبيوتر هي التي تزور المواقع الالكترونية وليس أناساً حقيقيين، فإن المعلنين فشلوا في كشف عملية الخداع. ويقول إن العملية حققت الملايين من الدولارات من بيع الاعلانات التي لم يرها أحد، ولكنه استقال في عام 2014، كما يقول، بعد أن فشل في اقناع صاحب العمل بتبني نموذج عمل مختلف. ويعمل الآن مستشاراً يساعد المسوقين على حماية ميزانيات اعلاناتهم على الانترنت.
ويقول: أفضل أن أقضي وقتي في اصلاح المشاكل بدلا من صنعها. كل ما كنت أقوم به هو سحب المال من النظام البيئي للاعلانات عبر الانترنت. وأدركت أنني لم أكن وحدي في هذا الأمر، بل كنت جزءا من مجموعة تستحوذ على الصناعة برمتها.
عرف المعلنون منذ زمن بعيد أن الغش موجود في وسائل الاعلام الرقمية، ولكن بدأوا أخيراً فقط في استيعاب حجم المشكلة.
وكان الاتحاد العالمي للمعلنين، الذي يضم ضمن أعضائه ماكدونالدز وفيزا ويونيليفر، حذّر الشهر الماضي من أن الغش في الاعلانات عبر الانترنت هو «مرض مستوطن». وتشير تقديرات هيئة التجارة الى أن ما بين %10 و%30 من المساحات الاعلانية على شبكة الانترنت لم يرها المستهلكون قط بسبب الاحتيال، وتتوقع أن يخسر المسوقون ما يصل الى 50 مليار دولار سنويا بحلول عام 2025 ما لم تتخذ اجراءات جذرية لحل هذه المشكلة. وبهذا الحجم، فان الاحتيال ربما يحتل مرتبة تجعل منه واحدا من أكبر مصادر التمويل للشبكات الاجرامية، حتى أنه يقترب من حجم سوق بعض الأدوية غير المشروعة.
يقول ميكو كوتيلا الذي شارك في كتابة تقرير الاتحاد العالمي للمعلنين «عمليات الاحتيال والغش في الاعلانات تنمو الى حجم سيكون من الصعب جدا ادارته أو الحد منه. شركات الاعلانات بحاجة الى وقف ضخ المال بشكل أعمي في مجال الاعلانات الرقمية».
تضاعف الانفاق العالمي على الاعلانات عبر الإنترنت تقريبا في السنوات الأربع الماضية، ليصل الى 159 مليار دولار عام 2015، وفقا لمجموعة الأبحاث إيماركيتر. هذه الأموال تدعم اقتصاد الانترنت وتدعم أسهم شركات الاعلام والتكنولوجيا بتريليونات الدولارات.
وحققت غوغل، أكبر لاعب في صناعة الاعلان عبر الإنترنت، ايرادات بقيمة 67 مليار دولار العام الماضي. فبالاضافة إلى وضع الاعلانات على مواقعها الالكترونية مثل يوتيوب، توفر المجموعة أيضاً خدمات تكنولوجية مثل DoubleClick Ad Exchange التي تربط المعلنين بطرف ثالث من ملايين المواقع والتطبيقات. وتأخذ المجموعة حصة تصل الى %45 في بعض الحالات، من كل عملية بيع اعلان تقوم المجموعة بتسهيلها.
يقول العديد من الوسطاء المتشابكين في صناعة الاعلانات على الانترنت إنهم يعملون بجد لمنع المواقع الاحتيالية من استخدام أنظمتها. ولكن كوتيلا يقول إن الوسطاء في سلسلة توريد وسائل الاعلام الرقمية غالبا ما يغضون الطرف عن حركة المرور الوهمية وغيرها من عمليات الاحتيال، لأن ذلك يصب في مصلحتهم ماليا. ويضيف «إما أنهم لا يعلمون بوجود عمليات الغش والاحتيال. وإما أنهم متواطئون معها».
سلوك مشبوه
لا يزال دار متشككا حيال المدى الذي يمكن أن تصل اليه الصناعة في جهودها لمكافحة الغش والاحتيال، نظرا الى أن العديد من العناصر الأساسية فيها لديها دافع مالي للحفاظ على الوضع الراهن. وكما يقول: شركات الاعلانات التكنولوجية تحقق مليارات الدولارات سنويا من حركة المرور المزوّرة. لقد بني الغش في البنية الأساسية لعروض الدعاية.
السلوك المشبوه ليس بالأمر الجديد في مجال الاعلام. في الماضي، كان معروفاً أن ناشري الصحف عديمي الضمير يقومون بالتخلص من النسخ غير المباعة لتضخيم أرقام التوزيع التي تستند اليها أسعار الاعلانات لديهم.
وقد تم الكشف عن اقدام محطات الاذاعة والتلفزيون على افساد الألواح المستخدمة في تقدير أرقام جمهورها.
وكان من المفترض أن تقدم الاعلانات على شبكة الانترنت قدرا أكبر من الشفافية. ففي كل مرة يقوم زائر الموقع بتحميل اعلان، فانه يترك أثرا متميزا من البيانات. لكن هذه البيانات ليست دائماً كما تبدو عليه.
مجموعة متنوعة من الغش الاعلاني الأكثر خبثاً وشيوعاً تتضمن برامج الكمبيوتر، أو «برامج الرد الآلي»، التي تحاكي نشاط الشخص الحقيقي الذي يتصفح الانترنت أو يستخدم أحد التطبيقات. يبني القراصنة جيشا من برامج الرد الآلي والمعروفة باسم «botnet» وهي شبكة مترابطة من أجهزة الكمبيوتر المصابة ببرمجيات خبيثة من دون علم المستخدم ويسيطر عليها مجرمو الانترنت، وتستخدم عادة لارسال بريد الكتروني مؤذ أو فيروس وغيرها من أعمال الجرائم والقرصنة الالكترونية، وعادة ما يكون الكمبيوتر المنزلي الأكثر عرضة لهذا النوع من الهجوم.
البرامج الضارة تعمل بهدوء في خلفية جهاز الكمبيوتر المصاب من دون أن يعرف المالك بوجودها. ومن ثم، ومن خلال جهاز تحكم لدى القراصنة، توجه الشبكة الاحتيالية (botnet)، التي يمكن أن تكون مستأجرة من خلال منتديات الانترنت في السوق السوداء، لزيارة بعض المواقع. ويتم برمجة برامج الرد الآلي الأكثر تطورا للنقر من موقع الى آخر، لمشاهدة أشرطة الفيديو بكامل مدتها، وحتى اضافة عناصر الى سلة التسوق على الانترنت.
خطر متزايد
هذا العام، نشرت رابطة المعلنين الوطنية، وهي هيئة تجارة أميركية تضم من بين أعضائها شركات أبل وكرافت هاينز وبروكتر أند غامبل، أكبر دراسة حتى الآن عن عمليات احتيال برامج الرد الآلي. وتعاونت رابطة المعلنين الوطنية مع وايت أوبس، وهي شركة لأمن الفضاء الالكتروني، لتحليل البيانات التي تم جمعها من 10 مليارات اعلان عبر الانترنت تم شراؤها خلال فترة شهرين من 49 من أعضاء الرابطة.
ووجدت الدراسة أن بعض المعلنين هم أكثر عرضة للخطر من غيرهم. اذ إن الشركة الأكثر تضررا قدمت %37 من حملتها الاعلانية عبر الإنترنت الى برامج الرد الآلي التي تحاكي الأشخاص الحقيقيين، بينما الشركات الأكثر أمانا قدمت ما نسبته %3 الى برامج الرد الآلي. الشركات الأكثر عرضة للخطر هم المعلنون الذين يقومون بشراء الاعلانات من خلال منصات التكنولوجيا التي تجمع أعداداً كبيرة من المواقع.
الاعلانات الأكثر تكلفة، مثل حملات الفيديو التي تسعر بأكثر من 15 دولارا لكل ألف اعلان كانت هي الأخطر، ما يشير الى أن المحتالين يستجيبون لطلب السوق.
وتشير تقديرات التقرير الى أن المعلنين سيخسرون 7 مليارات دولار عالمياً لمصلحة برامج الرد الآلي في عام 2016.
بالنسبة لمثل هذه الجريمة المربحة، لم يتم مقاضاة الكثير من المحتالين. لكن هذا العام، وفي استثناء نادر، حكمت الولايات المتحدة على فلاديمير تساستسن، وهو مواطن أستوني، بالسجن لمدة تزيد على سبع سنوات. وذكرت لائحة الاتهام الأميركية أن مجموعته أصابت أكثر من 4 ملايين جهاز كمبيوتر في 100 دولة بالبرمجيات الخبيثة، وحققت 14 مليون دولار من تحويل مسار أجهزة الكمبيوتر الى مواقع معينة.
الصناعة تحت المجهر
بالنسبة لشركة يونيليفر، يشكل الاحتيال الاعلاني خطراً كبيراً. اذ تنفق مجموعة السلع الاستهلاكية المدرجة على مؤشر فايننشال تايمز 100 حوالي 8 مليارات يورو سنوياً على تسويق العلامات التجارية الخاصة بها، بدءاً من منظف الغسيل برسيل الى آيس كريم بن آند جيري. ويمثل التسويق الرقمي حاليا نحو %25 من اجمالي ميزانية وسائل الاعلام مقارنة مع %5 في عام 2010.
يقول لويس دي كومو، نائب الرئيس لوسائل الاعلام العالمية في شركة يونيليفر، انه في حين أن «تطور» الغش الاعلاني هو الآن «أكثر تعقيدا»، الا أنه يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها الشركات.
ويضيف «عليك أن تقوم بواجبك والذهاب الى أعلى مستوى من التفاصيل لفهم ما يجري»، مضيفا أن شركة يونيليفر تسعى لشراء الاعلانات عبر الانترنت مباشرة من مجموعة وسائل الاعلام، وليس من خلال وسطاء، وتعمل مع شركة «موت» للتحقق لمراقبة كم عدد اعلاناتها التي يتم مشاهدتها ومن قبل من.
ومع تكثيف المعلنين الرقابة على الحملات الرقمية، اضطرت صناعة الانترنت للرد.
في عام 2014، استحوذت شركة غوغل على Spider.io، وهي شركة ناشئة مقرها لندن متخصصة في الكشف عن برامج الرد الآلي. حيث تعمل تقنيتها على تحليل مليارات مواضع الاعلانات المعروضة للبيع من خلال غوغل كل يوم، سعيا منها الى كشف وتصفية حركة المرور الوهمية قبل أن ترسل الفواتير للمعلنين. الا ان هذا تحد معقد، حيث تتيح غوغل لعملائها تقديم عطاءات للشرائح الاعلانية في الوقت الحقيقي عبر الملايين من المواقع المختلفة، وكثير منها موصول بأنظمتها من خلال وسطاء.
وتستخدم بعض المواقع الحيل لاخفاء هويتها الحقيقية. في واحدة من الحالات التي حدثت مؤخرا، وجدت غوغل أن موقعا لتقاسم الأفلام المقرصنة كان يمثل زورا نفسه على أنه موقع لصحيفة لم يكشف عن اسمها. وتقول غوغل أنها منعت العملاء من شراء الاعلانات.
وتضيف «نحن نأخذ الاحتيال واساءة استخدام أنظمة الاعلانات لدينا على محمل الجد ولدينا مجموعة واسعة من السياسات التي تنظم أنواع المواقع التي يمكنها تشغيلها الإعلانات. نحن نستثمر بشكل كبير في التكنولوجيا التي تبقي العناصر السيئة بعيدة عن أنظمتنا».
اكتشاف برامج الرد الآلي يصبح أصعب بكثير عندما تكون متداخلة مع ملايين من الزوار الحقيقيين لموقع على شبكة الانترنت. ويستخدم الناشرون على الانترنت الذين يرغبون في اثبات نوعية القراء، بما في ذلك فايننشال تايمز، وعلى نحو متزايد أدوات للتحقق من طرف ثالث لمراقبة حركة المرور الى مواقعهم.
وللتعامل مع المشكلة، وقع عدد من المعلنين الكبار وشركات وسائط الاعلام والوسطاء على مجموعة من المعايير المشتركة لجودة حركة المرور. وقد بدأت هذه الصناعة أيضا باصدار «شهادة ضد الاحتيال» مختومة للمشترين والبائعين والوسطاء في سلسلة التوريد الاعلان الرقمي الذي لبوا «متطلبات مكافحة الغش الصارمة». وقد وقعت أكثر من 30 شركة بما في ذلك دبليو بي بي ونيوز كورب وياهو.
التحول في الإنفاق
لكن ليس الجميع على قناعة بأن المشاكل سيتم حلها بسرعة. في الأسبوع الماضي، قال داريل سيم، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في مجموعة الاعلانات الأميركية (أومنيكوم)، للمستثمرين في اجتماع حول أرباح إن بعض المسوقين «يدوسون على الفرامل» في العالم الرقمي ويدعون الى العودة الى تبني التلفزيون بسبب مخاوف من أن اعلاناتهم لا يراها أحد.
ويقول براين ويزر محلل الاعلانات في بيفوتال ريسيرش إنه في حين أن بعض المسوقين غيروا خططهم الاعلانية بسبب الغش، الا أن «هناك تركيزا أكبر على ايجاد حلول للمشاكل المطروحة من التركيز على التحول في الانفاق». ويشير الى أن ثلاثة من أسرع الشركات نموا في قطاع تكنولوجيا الاعلانات، وهي «موت» و«دبل فيريفاي» و«انتيغرال آد ساينس» تعمل على مراقبة النظام من خلال التحقق من الاعلانات.
القبس
