التحرك الاجتماعي ضد الشهادات الوهمية
مكة – في أرض العالم الجديد؛ بدأ عام 1963م مهاجر لبناني الأصل اسمه رالف نادر؛ بشن حملات قاسية على الشركات الكبرى (القطاع الخاص) التي كانت تسيطر على الحياة الاقتصادية في المجتمع الأمريكي وهدفت حملاته الدفاع عن حقوق المستهلك. كما شن حملات سياسية أخرى على (القطاع العام)؛ وقد نجح فعلا في خلق (قطاع ثالث) ينطلق من المجتمع ليراقب أداء القطاعين وليكون لهذا القطاع الذي يمثل الأمة في المطالبة بحقوقها؛ ذلك في ظل دخول المنتخبين والمعينين من القادة السياسيين في معمعة الأعمال اليومية ونسيانهم الوعود وعدم اهتمامهم بالحياة اليومية للمواطنين، وهو أمر طبيعي يمر به السياسي بعد وصوله للكرسي بحجة أن تفكيره يصبح أكثر استراتيجية!! (أعتقد أن المسؤول السعودي تصيبه نفس الحالة). ورغم ذلك نجح رالف نادر في حراكه الاجتماعي من خلال الأحكام القضائية التي فاز بها لصالح المجتمع؛ حيث ينسب إلى هذا الحراك حصول الأمة الأمريكية على العديد من المكتسبات التي استفاد منها السكان، سواء في مجال صناعة السيارات أو غيرها، إضافة إلى المجال البيئي من خلال (حزب الخضر)؛ وكان هذا الحراك الاجتماعي نموذجاً يحتذى به عالمياً بالدول الأخرى المتقدمة.
وفي 2012 م بدأ حراك اجتماعي من نوع آخر في بلادنا التي تتوسط الكرة الأرضية؛ وهو وسم التنوير بالخطورة الأخلاقية والأكاديمية للشهادات الوهمية #هلكوني على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)؛ حيث تسبب هذا الوسم الذي يشارك فيه (عقلاء) المجتمع بكافة أطيافه في تدمير (عصابة) المنظومة الاقتصادية لدكاكين الشهادات الوهمية والتي بلغت إيراداتها التقديرية ما يزيد عن 500 مليون ريال، وقامت ببيع أعداد مهولة من الشهادات وصلت مؤخراً إلى عشرة آلاف شهادة وهمية. تتكون العصابة من بائعين ومروجين من (المشاهير) في كافة المجالات (مشايخ، كتاب رأي، صحافيين) يحاولون عبثاً إعطاء شرعية لشهاداتهم من خلال القدح في الجامعات الحقيقية!!؛ ورغم جهود الوهميين في محاربة الوسم وعرابه (د.موافق الرويلي)، رغم أنوفهم أكمل الوسم عامه الثاني في مارس 2014 م وبلغت مكتسباته تحركاً حكومياً بكافة الوزارات لضبط وإيقاف حاملي الشهادات الوهمية. فقد أعلنت الرقابة والتحقيق عن ضبط 200 وهمي في مناصب بالإدارات الحكومية!! إضافة إلى ضبط الآلاف من الوهميين الوافدين في وظائف هندسية وطبية من قبل هيئة المهندسين وهيئة التخصصات الصحية وغيرها من الجهات بالقطاعين.
وكانت النقلة النوعية في تحرك الدولة؛ عندما تم مؤخراً الحكم بالسجن لمدة سنة مع غرامة مالية على مستشار الرئاسة العامة للأرصاد بجريمة حصوله على شهادة دكتوراة وهمية واستخدامها للتربح بحصوله على وظيفة؛ وإضافة للحكم القضائي فقذ ساهمت المؤسسة الدينية مساهمة فردية رائعة دعماً للحراك الاجتماعي من خلال فتوى الشيخ الدكتور علي بن عباس الحكمي، عضو هيئة كبار العلماء وعضو المجلس الأعلى للقضاء بأنه «لايجوز أخذ شهادات أو دورات وهمية، لأن ذلك غش وخداع وتزوير؛ وأضاف أن كل ما يحصل عليه حامل هذه الشهادات من مال بسبب ذلك الغش فهو حرام سيسأل عنه أمام ربه، وقد ? يبارك له فيه، سائلاً الله الهداية لكل مسلم»؛ وقد أفتى الدكتور علي بهذه الفتوى رغم وجود العديد من المشايخ يحملون الدال الوهمي، لذلك فهو يستحق الشكر والتقدير ولم يجرؤ غيره على الفتوى بذلك؛ خوفاً من سطوة وانتقام الوهميين!!.
هذا الحراك الاجتماعي السعودي نموذج حقيقي أسفر عن تحقيق نجاحات أتمنى أن تستمر حتى تتم محاسبة آخر وهمي في بلادنا؛ كما أتمنى أن يشارك المجتمع في تحريك فكرة القطاع الثالث السعودي للمراقبة ومواجهة القطاع العام والقطاع الخاص بالأخطاء المماثلة بهدف حماية المستهلك في كافة المجالات، وبالتالي الوصول إلى حياة أفضل في المدى القريب والمتوسط، مع نظرة للمدى البعيد من خلال تعميق مبدأ التنمية المستدامة.
كتب – علاء الملا