أخبار منوعة

البنك الدولي: قطاع التعليم لا يشجع على التفوق لأن الوظيفة «مضمونة»

‏‏

أصدر البنك الدولي هذا الشهر مسودته النهائية المتعلقة باستراتيجية التعاون المشترك مع الكويت تحت عنوان: «استراتيجية دعم دولة الكويت للسنوات المالية الممتدة من 2016 إلى 2020».

وجاء في المسودة أن هذه الاستراتيجية تحدد إطار عمل لمساعدة البنك الدولي في دعم أهداف التنمية الأساسية لدولة الكويت في غضون الأعوام الخمسة المقبلة، وأن الهدف الشامل من الاستراتيجية هو مساعدة الحكومة الكويتية في وضع مسار لتطور «العقد الاجتماعي» المتوازن والمستدام في الكويت. وقال البنك الدولي إن نشوء «عقد اجتماعي» محسن، أو بمعنى آخر «نموذج جديد للتنمية الاقتصادية»، شرط أساسي لإنجاز رؤية الكويت على المدى البعيد وتحديث خطط التنمية.

وذكر البنك أنه خلال العقود القليلة الماضية، وقعت الكويت في فخ نموذج تنمية غير متوازن مما أثر على قدرتها في المضي قدماً بإصلاحات اقتصادية بعيدة المدى. من أبرز نتائج هذا النموذج هو هيمنة الدولة على اقتصاد يعتمد بشكل حصري تقريباً على النفط، ونظام رعاية حكومي مفرط يوظف الأغلبية العظمى من المواطنين. هذه السياسات السخية من رعاية وتوظيف التي سعت إليها الحكومات على مدار عقود أدت دورها كأداة لتوزيع الثروة النفطية بين الكويتيين. من بين الخصائص المصاحبة الأخرى لهذا النموذج التنموي هو الاختلال الكبير في الإنفاق المالي، والقطاع الحكومي الفاشل، ونظام المحفزات المشوه في سوق العمل، والتنويع الاقتصادي الشحيح، والنتائج المتدنية للتعليم بشكل عام.

هذا الكسل التاريخي الذي اتصف به «العقد الاجتماعي» القديم ترافق مع نظام شائع لآلية صنع القرارات التنفيذية التي تؤثر في قدرة البلاد في تحقيق نتائج وتنفيذ المشاريع والخطط في حينها. أما غياب الرابط بين الممارسات التي توضع لتحديد التصورات على أعلى المستويات للحكومات الكويتية المتعاقبة والإجماع السياسي المطلوب لتحقيق الرؤى الاقتصادية المستقبلية- إلى جانب إطار عمل تنظيمي وقانوني عفى عليه الزمن- جميعه ساهم بضعف نتائج التنفيذ على أرض الواقع. من بين العوامل الأخرى التي تؤثر في قدرة الكويت في إنجاز رؤيتها على المدى البعيد بالتنويع الاقتصادي وأن تصبح مركزا تجاريا وماليا في المنطقة، هو أن الدول الخليجية المجاورة تنفذ إصلاحاتها الاقتصادية بوتيرة أسرع، ودوافع هذه الجارات لتحقيق رؤى اقتصادية مشابهة لبلدانها ومجتمعاتها.

وبناءً على العقد الاجتماعي القديم وضعف نظام صنع القرار التنفيذي، باتت الكويت تقبع خلف جاراتها من حيث التنافسية الاقتصادية بشكل عام والتقدم التنموي. وعلى الرغم من بعض التحسن التي شهدتها بيئة الأعمال، فان الكويت مصنفة أخيراً بين دول التعاون في مؤشر تنفيذ أنشطة الأعمال العالمي لعام 2016، ومصنفة رابعاً بين هذه البلدان في مؤشر التنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016-2015. وخلال العقدين الماضيين، لم تفلح الكويت أيضاً في رفع تصنيفها في مجالات أخرى مثل جهوزية شبكة تقنية المعلومات والابتكار والقدرات الفنية والبنية التحتية. وخلال الفترة من 2000 حتى 2015، كان الاستثمار الحكومي في الكويت الأدنى مستوى بين دول مجلس التعاون الخليجي مما نتج عنه انخفاض نسبي في جودة البنية التحتية للطاقة والنقل حالياً.

مع ذلك، لفت البنك الدولي في مسودته إلى أن أهمية تنفيذ الإصلاحات المرتكزة على قاعدة عريضة بدأت تكتسي صفة الضرورة الملحة نظراً إلى التغيرات التي شابت سوق النفط والالتزامات المتجددة في أجندة التغير المناخ العالمي. ويعد تطور العقد الاجتماعي الجديد حقيقة ملحة أيضاً إذا ما أرادت الكويت اجتياز الرياح المعاكسة الخارجية في أسواق النفط العالمية بنجاح على المدى القصير، والمتعلقة باستمرار تدني أسعار الطاقة، وتصاعد الالتزام العالمي بمعالجة التغيّر المناخي على المديين المتوسط والطويل. وكان مؤتمر باريس حول المناخ COP21، الذي عُقد في ديسمبر 2015، عزز السياسات الدولية لتخفيض انبعاثات الكربون.

في ظل الاستراتيجية هذه، يعمل البنك الدولي على دعم المساعي التي تقودها الحكومة لمعالجة هذه التحديات الاقتصادية والمشار إليها، والتي تبدأ بأجندة الإصلاح الاقتصادي التي وافق عليها مجلس الوزراء في مارس 2016. تتألف الأجندة من 6 محاور وتركّز على الإصلاح المالي، وإعادة تعريف دور الدولة في الاقتصاد، وتزيد مساهمة القطاع الاقتصادي في الناتج المحلي الإجمالي القومي، وتعزيز مشاركة المواطن في المشاريع الاقتصادية، وإصلاح سوق العمل والخدمة المدنية، والإصلاحات المؤسسية والتشريعية. كما سيدعم البنك الدولي من خلال هذه الاستراتيجية تطبيق إدارة القطاع، وتطوير القطاع الخاص وخلق الوظائف، والتنمية البشرية، والتنمية المستدامة.
تحديات ماثلة

في ما يتعلق بالتقدّم التنموي، والفرص والتحديات الماثلة أمام الكويت، قال التقرير إن التطور الثابت الذي شهده قطاع النفط في العقود التسعة الماضية ولَّد معيار معيشة عالياً نسبياً للسكان. وتنتج البلاد أكثر من 2.8 مليون برميل يومياً من النفط، وتعد خامس أكبر منتج في منظمة أوبك. وتستحوذ الكويت على أكثر من 100 مليار برميل من احتياطيات النفط المثبتة. هذه الثروة النفطية حقّقت للفرد الواحد دخلاً حقيقياً يساوي 43 ألف دولار تقريباً، ما يضعها في مصاف أغنى الدول دخلاً على صعيد العالم. ومكّنت هذه النعم الكويت منذ ثلاثينات القرن الماضي من أن تعزز بنيتها التحتية، وقدرتها على تقديم الخدمات وتحسين نتائج رأس المال البشري، خاصة في التعليم، والصحة العامة.

أما الإدارة الفعالة لإيرادات النفط، فولّدت احتياطيات مالية كبيرة، وأمنّت حماية أمام الصدمات الخارجية والتقلبات التي تصيب أسواق النفط العالمية. أما بالنسبة لاستراتيجية مؤسسة البترول الكويتية في تنويع إيراداتها في الخارج فأمنت للدولة أيضاً مستويات حماية إضافية أمام الصدمات الخارجية. مع ذلك، يقول البنك الدولي: «إن مؤسسة البترول لاتزال تواجه تحديات مرتبطة بعدم كفاءة موظفيها، وعملية التكامل الرأسي في عدد من الشركات التابعة تحت مظلة الشركة الأم».

إلى جانب التقدم الاقتصادي خلال عقود كثيرة، نجحت الكويت في بناء إطار عمل صلب للمؤسسات والتقاليد وحافظت عليه. ورغم أن الكويت كانت السباقة خليجياً وتحديداً في الفترة بين 1960 و1970، فإنها منذ ذلك الحين بدأت تتراجع أمام جاراتها من حيث سياسة التحديث والإصلاح المؤسسي. ووفق المسودة، هناك أسباب متعددة تكمن وراء الافتقار إلى الزخم والمضي قدماً وهي:

1) الأجندات السياسية والتنموية المتشعبة بين مجلس الأمة والحكومات الكويتية في الثمانينات.

2) الغزو العراقي وتأثيره على الإصلاح الاقتصادي، والعلاقة بين المجتمع والحكومة.

3) ارتفاع عدد الانتخابات الوطنية ومعدل دوران أعضاء مجلس الوزراء خلال الفترة بين 2004 و2013.

من بين العوامل الأخرى كما تم تفصيلها أعلاه، هو العقد الاجتماعي السائد الذي يضمن شبه توظيف جميع المواطنين الكويتيين. هذه الصفقة الوطنية بين الحكومة والمواطنين ساهمت في اتساع حجم القطاع الحكومي وضعف أدائه، وأعاقت تطور القطاع الخاص.

بالإضافة إلى ما سبق، أشار التقرير إلى أن سياسة إعادة توزيع الثروة النفطية من خلال شبه ضمان التوظيف في القطاع الحكومي والدعم الشامل، كانت لها تأثيرات على كفاءة القطاع الحكومي، والاستدامة المالية، ونمو القطاع الخاص. إذ توظف الحكومة الكويتية %90 من الكويتيين وتوفر دعماً شاملاً على الكهرباء والماء والوقود للجميع. هذا، وينجذب المواطنون إلى العمل في القطاع الحكومي بسبب الأجور العالية، والمزايا السخية، وساعات العمل القصيرة قياساً بالقطاع الخاص. وتكلف الدعوم الحكومة سنوياً 6 مليارات دولار، وتولد مجموعة من العوامل الخارجية السلبية، مثل فرط الاستهلاك، والازدحام في بعض المناطق، وتلوث الهواء. وتؤثر بالتالي سياسة إعادة التوزيع بشكل عكسي على جودة الخدمات في القطاع الحكومي، على سبيل المثال تتم عملية التوظيف بعيداً عن معيار الجدارة والاستحقاق، وتهدد الاستدامة المالية، وتعيق نمو القطاع الخاص والديناميكية. من ضحايا هذه السياسة أيضاً قطاع التعليم الذي لا يشجع على السعي وراء التفوق الأكاديمي أو التعليم. كما لا يملك الطلاب الكويتيون المحفزات للتفوق نظراً إلى «الموعد» بتوظيفه في القطاع الحكومي بغض النظر عن مستوى تحصيله العلمي.
إصلاح القطاع الحكومي

أشار التقرير إلى أن إطار عمل الحوكمة في الكويت يتمتع بنقاط قوة كبيرة، خصوصاً في ما يتعلق بنظام الضوابط والتوازنات، إلا أنه مع ذلك لديه نقاط ضعف جديرة بالملاحظة. وأضاف أن هناك حياة برلمانية نشيطة ومنفتحة -على عكس الكثير من الدول في المنطقة- تراقب أداء القطاع الحكومي في معظم مجالات الاقتصاد والمجتمع تقريباً. وعلى الرغم من نقاط القوة العامة، فإن هناك قيودا ملزمة مهمة تؤثر على مستوى الحوكمة الجيد في البلاد. من بين القيود ضعف نظام الخدمة المدنية والتعقيد المتنامي في بيئة الرقابة الإدارية داخل الدوائر الحكومية.

في السنوات الأخيرة، طرأت تحسنات على بعض الوظائف الحكومية، لكن هناك تقدماً ضعيفاً في تطبيق أجندة إصلاح شاملة للقطاع الحكومي. من جانبها، استطاعت وزارة المالية أن تحرز تقدماً في تطبيق إطار عمل الإدارة المالية الحكومية الجديدة، وتهيئة قدراتها على فرض الضرائب في المستقبل.

من جهة أخرى، لفت البنك الدولي في مسودته إلى أن العنصر الأهم في التأثير على التغيير الحقيقي في أداء القطاع الحكومي ينطوي على التحول التدريجي للخدمة المدنية إلى نظام فعال وسلس لإدارة الموارد البشرية. وهناك تحديات رئيسية مصاحبة لنظام الخدمة المدنية الحالي وهي كالآتي:

1 – نظام كبير لا داعي له ومكلف نظراً إلى سياسة الحكومة في توزيع ثروتها النفطية عبر التوظيف السخي في القطاع الحكومي.

2 – لا يوظف المواطنين بما يلائم التحصيل العلمي، ولا يُقيّم أداء الموظفين كما ينبغي بناء على الكفاءات والإنجازات، فالترقية التلقائية هي المعيار على سبيل المثال.

3 – لا يتمتع النظام بإطار عمل مخصص لتشجيع المواهب القيادية والإدارية الجديدة.

4 – يتضمن مجموعة من جداول الأجور المجزأة لشرائح مختلفة من المهن مما يؤثر على المحفزات بشكل عام داخل النظام.

ويرى البنك الدولي أن الأثر الواضح لجملة التحديات هو بيئة خدمات عامة كبيرة وتتسم بكثرة التعاملات تقوم بتثبيط الكويتيين بعدم حثهم على السعي وراء التحصيل العلمي العالي أو وراء وظائف القطاع الخاص.

من جملة التحديات المهمة الأخرى ما ينطوي في تركيبة الإنفاق المالية ودورة إدارة الاستثمار الحكومي المعقدة بشكل عام. إذ مما جاء في المسودة أن هناك معياراً كبيراً للكسل البيروقراطي في إطار العمل المالي الحالي الذي يتجه نحو رفع المصروفات المكررة المتأخرة في الرواتب والدعم والتحويلات. في الوقت ذاته، كانت المصروفات المخصصة لرفع رأس المال لتعزيز الإنتاجية الاقتصادية متخلفة بسبب اختلال الإنفاق المالي. من التحديات الأخرى التي أشار إليها البنك هو تعقيد تطبيق برامج استثمار رأس المال الكبيرة في سياق الكويت. فنظام المشتريات الحكومي معقد، وتشتت السلطة بين مختلف الكيانات الحكومية يجعل التنسيق داخل الهيئات الحكومية صعباً. كلا العاملين يعيق التطبيق الفعال لمشروعات الاستثمار الرأسمالي.
تطور القطاع الخاص

في حين تسعى الحكومة الكويتية نحو إصلاح القطاع الحكومي على المدى المتوسط، فمن المهم أيضاً أن تعزز تطبيق المبادرات لتشجيع تطوير القطاع الخاص. في السنوات الأخيرة، سعت الحكومة وراء مجموعة من السياسات لتشجيع مساهمة القطاع الخاص بشكل أكبر والاستثمار في الاقتصاد. لكن رغم هذه المساعي، فإن نشاط القطاع الخاص ومساهمة القوى العاملة فيه لا يزالان محدودين، بسبب عدد من العوامل المهمة.

من بين العوامل الأساسية التي تعيق نمو القطاع الخاص، نظام الاستحقاق الحالي التابع للتوظيف في القطاع الحكومي. هذا النظام دفع الأغلبية الساحقة من الكويتيين نحو الوظائف غير المنتجة في القطاع الحكومي، وأعاق ظهور قطاع خاص ديناميكي. في ظل هذا الواقع المستمر، حاولت الحكومة الكويتية توفير مجموعة من المحفزات أمام الكويتيين لدخول القطاع الخاص عبر برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة.

بالإضافة إلى ما سبق من القيود إطار العمل التنظيمي والقانوني الذي يحكم مناخ العمل والاستثمار في البلاد؛ إذ يقول التقرير إن التنظيمات الحالية التي تصيغ بيئة العمل ومناخ الاستثمار ما زالت تفرض قيودا كبيرة رغم الجهود المبذولة مؤخراً لسن تشريع يحابي أنشطة الأعمال ويشجعها.

هذا ومما يعيق حيوية القطاع الخاص على نطاق واسع مسألة الدور المهيمن للدولة وضعف المنافسة في السوق في مختلف قطاعات الأعمال الرئيسية. إذ لا يزال القطاع الحكومي يسيطر على حصة كبيرة من قطاعات الاتصالات، والنقل، والبنوك، وقطاعات أخرى في الاقتصاد. ويعد دور الملكية المسيطر للحكومة في سوق الخطوط الثابتة للهواتف وسوق الطيران مثل «الخطوط الجوية الكويتية» من الأمثلة البارزة. من العراقيل الأخرى التي أشارت إليها المسودة غياب سوق للأراضي شفاف ومنفتح لزوم تطوير القطاع الخاص. إذ يملك القطاع الحكومي حصة كبيرة جدا من أراضي الكويت، وتديرها بلدية الكويت ومؤسسة البترول الكويتية. أما القطاع الخاص الحالي في الكويت فتهيمن عليه مجموعات تجارية كبيرة تعيق التنافسية. هذه القطاعات الخاصة المهيمنة تعتمد بقوة على عقود القطاع الحكومي في تحقيق أرباحها. ووفق البنك الدولي فإن هذه البيئة التي تتسم بضعف المنافسة في السوق واحدة من العوامل التي تفسر ارتفاع مستوى الأسعار، خاصة الأراضي في اقتصاد الكويت.
(يتبع – القبس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock