أخبار منوعة

محركات البحث .. تحرك العالم

لم تعد الإعلانات التلفزيونية أو شبكات التواصل الاجتماعي الوسيلة الوحيدة التي تؤثر في اختياراتك مثل قرار انتخاب رئيس بلدك القادم، فـ«جوجل» يمكن أن تفعل ذلك بالنيابة عنك في سرية، ودون أن تشعر.
كشف تقرير فيديو صدر الخميس الماضي عن SourceFed؛ وهو موقع للأخبار والثقافة الشعبية على شبكة الإنترنت، أن«جوجل» تتلاعب بنتائج محرك البحث الخاص بها لدعم « هيلاري كلينتون» مرشحة «الحزب الديمقراطي» للرئاسة الأمريكية.
أظهر التقرير اختلاف خيارات الإكمال التلقائي عند البحث عن هيلاري على جوجل في مقابل متصفحي «بينج وياهو»: فقد حذفت جوجل النتائج التي تتضمن محتوى سلبي عن هيلاري؛ وإن كانت أكثر شعبية، لكنها في المقابل ظهرت في نتائج المتصفحين الآخرين.
إلا أنه في أبريل 2015 وظفت هيلاري « ستيفاني هانون»، التي كانت تعمل بجوجل لتكون رئيس قسم التكنولوجيا لديها. وقبل ذلك ببضعة أشهر، أسس «إريك شميت»؛ رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة التي تسيطر على جوجل،«شركة شبه سرية» تحت عنوان Groundwork بغرض دعم حملة هيلاري فيما يتعلق بالمسائل التقنية «غير المحددة»للوصول إلى البيت الأبيض.
وتشير التقديرات أنه يمكن تأمين ما بين 2.6 إلى 10.4 مليون صوت لكلينتون خلال يوم الانتخابات، بغير أن يعلم أي شخص، ودون ترك أية إثباتات ورقية.
إلا أن جوجل أصدرت بيانًا رسميًا ذكرت فيه أن »الإكمال التلقائي لجوجل لا يؤيد أي مرشح أو قضية. فعلى العكس، هذه الادعاءات توضح ببساطة إساءة فهم كيفية عمل الإكمال التلقائي. وأن «خوارزمية الإكمال التلقائي» لدينا لا تظهر محتوى مسيء عند اقترانه مع اسم الشخص. وأن توقعات الإكمال التلقائي تستند إلى عدد من العوامل، بما في ذلك شعبية مصطلحات البحث».
لم تكن تلك المرة الأولى التي تنحاز فيها جوجل لصالح مرشحين معينين؛ فأثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2012، تبرعت جوجل وكبار مسؤوليها التنفيذيين بأكثر من800 ألف دولار إلى الرئيس «باراك أوباما» و37 ألف دولار فقط لمنافسه«ميت رومني».
وفي عام 2015، أظهر فريق من الباحثين بجامعة «ماريلاند» وأماكن أخرى أن نتائج بحث جوجل تفضل بشكل روتيني المرشحين الديمقراطيين.
يعتبر تأثير التلاعب بمحرك البحث SEME» Search Engine Manipulation Effect» من أقوى التأثيرات على اختيارات المستخدمين. ففي معظم البلدان، تجرى 90 % من عمليات البحث في الإنترنت على جوجل. وهو ما يعطي الشركة المزيد من القوة لقلب نتائج الانتخابات رأسًا على عقب؛ خاصة مع تزايد انتشار الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
ومع أن تأثيره غير مرئي تقريبًا؛ إلا أنه يشكل صورة من أشكال النفوذ الاجتماعي. بجانب أنه لا توجد حاليًا أية لوائح محددة بأي مكان في العالم من شأنها أن تمنع جوجل من استخدام واستغلال هذه التقنية؛ وهو ما يجعل البعض يعتقد أنها تشكل تهديدًا خطيرًا لنظام الحكم الديمقراطي.
فقد كشفت دراسة في 2015 أن جوجل يمكنها أن تحول بسهولة اختيارات تصويت الناخبين المترددين بنسبة %20وفي بعض الأحيان من الممكن أن تصل إلى 80 % وفقًا لخصائص سكان منطقة ما.
ونظرًا لأن العديد من المرشحين عادة يفوزون بهامش أصوات قليل؛ فهذا يعطي جوجل السلطة في تغيير 25% من اختيارات الناخبين في الانتخابات الوطنية بجميع أنحاء العالم.
وهذا ما أثبتته هذه الدراسة التي أجريت في الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن زيادة نسبة الأشخاص الذين يفضلون أي مرشح بنسبة تتراوح بين 37 % و63 %، وذلك بعد جلسة بحث واحدة فقط؛ جرى خلالها تغيير ترتيب ظهور نتائج البحث.
وهو ما أوضحته الدراسة، أن أثر الانحياز في ترتيب هذه النتائج والتعرض لها مرارًا وتكرارًا على مدى أسابيع أو شهور سيكون أكبر دون شك
ولكي يمكن التلاعب في ترتيب هذه النتائج؛ توجد ثلاثة «سيناريوهات» على الأقل تفسر لنا إمكانية تغيير نتائج الانتخابات؛ فإدارة محرك البحث يمكنها اختيار أحد المرشحين؛ ومن ثم ضبط ترتيب نتائج البحث، وفقًا لذلك.
أو يمكن لموظف لديه السلطة الكافية، أو مهارات القرصنة تعديل التصنيف العالمي خلسة.
على الجانب الآخر، يمكن أن يؤثر ترتيب نتائج البحث في تفضيلات المستخدمين حتى في حالة عدم وجود التلاعب العلني؛ فقدرة مرشح على رفع تصنيفه عبر محرك البحث تؤثر على تفضيلات الناخبين.
ذكرت «ماريسا ماير»؛ الرئيسة التنفيذية لشركة «ياهو»، والتي عملت سابقًا بجوجل، أن الشركة لم تصنف ترتيب المواقع الخاصة بها على أساس معدلات النقر. مؤكدة أنه إذا فعلت جوجل ذلك، فستدفن خدماتها تحت أكوام من النتائج الأخرى الأكثر أهمية.
وهو ما يدعمه تقرير كشف أن الشركة تستخدم خوارزمية خاصة لترويج منتجاتها بوضعها على صفحة النتائج؛ فهذه الخوارزمية تحدد أي منتج يتم ترويجه بناء على عمليات البحث ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، أوضح التقرير أيضًا قيام جوجل بحذف أو نسخ محتويات من المواقع المنافسة.
فيما خلص تقرير داخلي أصدرته «لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية» US Federal Trade Commission عام 2012 أن جوجل ترتب نتائج بحثها بما يخدم مصالحها المالية قبل مصالح منافسيها، وهو ما دعا كل من الاتحاد الأوروبي والهند

إلى اتخاذ إجراءات مكافحة للاحتكار ضد جوجل؛ وفقًا لما كشفوه من نتائج مماثلة.
عل الجانب الآخر كانت جوجل محبوبة من نشطاء الحقوق خلال ثورات الربيع العربي؛ عندما سجنت مصر «وائل غنيم»، رئيس تسويق جوجل في الشرق الأوسط؛ لتنظيمه احتجاجات.
لذا ففي عام 2012، ومع تزايد أدلة على استهداف الحكومات للمعارضين من سوريا وغيرها من البلدان من خلال برمجيات خبيثة. منحتهم جوجل حماية إضافية باستخدام نسخة مشفرة من «البروتوكول الأساسي للويب».
فجوجل تجمع المعلومات عن الناس طوال الوقت باستخدام أكثر من 60 منصة مراقبة مختلفة مثل: «المحفظة وخرائط جوجل، ومحرر مستندات، واليوتيوب» وغيرها.
بجانب ذلك، قد لا يدري مستخدمو «الجي ميل» حقيقة أن جوجل يخزن كل رسائل البريد الإلكتروني الصادرة والواردة ويحللها، بما في ذلك المسودات التي لم ترسل.
تتمتع جوجل بمستوى عالٍ من الثقة وسط المستخدمين إلى جانب نقص وجود منافسة؛ وهو ما يمنح جوجل فرصة فريدة للتأثير على الانتخابات. وبما أنه لا توجد تشريعات لتقنين تصنيف نتائح البحث؛ لذلك يمكن لجوجل الانحياز لصالح أي مرشح، دون أن تنتهك أي قوانين.
علاوة على ذلك؛ قضت بعض المحاكم بحماية حق جوجل في تصنيف ترتيب نتائج البحث كما تشاء؛ كشكل من أشكال حرية التعبير.
إلا أن التعليق الرسمي لجوجل على الأمر هو نفسه دائما «لقد كان توفير إجابات ذات صلة حجر الزاوية في نهج جوجل للبحث من البداية. وسوف تتقوض ثقة المستخدمين في نتائجنا إذا غيرنا هذا المسار».
لكن جوجل لا توضح توجهها في توليد «الإجابات ذات الصلة».
محركات البحث لا تتلاعب على التأثير فيما يشتريه الناس أو خيارات الانتخاب وحسب، بل إنها تؤثر على جميع القضايا التي يشعر المستخدمون بالتردد حيالها.
كذلك يمكنها السيطرة على مجموعة واسعة من مواقف وسلوكيات مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم أكثر من أية شركة على مر التاريخ؛ فترتيب نتائج البحث يؤثر في الغالبية العظمى من الآراء والمعتقدات والقرارات التي نتخذها، ودون معرفتنا أن هذا يحدث.
ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock