حارق شهادته الجامعية : لو لم أحرقها لأحرقتني أنا وأسرتي!
أن تصبح شهادة جامعية في تخصص طبي عائقاً في توظيف مواطنين ومواطنات أمر غير مقبول، في وقت تبحث ثلاث وزارات، هي الصحة والخدمة المدنية والعمل، عن الشرائح النادرة من الكفاءات الوطنية.
هذا ما استنتجه الدكتور مهنا سعود الذي رأى أن شهادته الجامعية التي سعى لها حتى تمكن من الحصول عليها هي السبب في عدم توظيفه، بل كانت عائقاً كبيراً في عدم قبوله في وظيفة أخرى على مدى ٧ سنوات، ليقوم بحرقها أمس أمام مبنى الخدمة المدنية بحفر الباطن وتصوير ذلك ونشره عبر حسابه في موقع التواصل العالمي «تويتر»، وهو يعلق على ذلك قائلاً: «في سبع ثواني أنهيت معاناة سبع سنين».
«الحياة» بدورها تواصلت مع الدكتور مهنا لإيضاح ما حدث ومعرفة المبررات التي دفعته للإقدام على هذا التصرف، الذي من خلاله أقصى تعب سنين قضاها من عمره في الدراسة، وكيف يمكن للشهادة أن تكون عائقاً له في التوظيف بدلاً من دعمه في الحصول على الوظيفة؟ وقال: «حرقتها لأنها كانت خطراً علي، وكل سنة تمر تحترق الكفاءة فيها وأنا أحترق معها، وسبب احتراقي أني تقدمت على وظائف عدة حرمت منها بسبب أنني طبيب، وآخرها عدم قبولي لوظيفة (معقب) بسبب أن المسؤول بكل بساطة خجل أن يوظف طبيباً في مثل هذا العمل، والآن بعد حرق شهادتي ها أنا أقول: وظفوني بشهادة الثانوية».
وأضاف: «أنا أب لطفل وخائف جداً من قدوم رمضان من دون أن أستطيع توفير الإفطار لأهلي، وفي العيد لا أستطيع أن أشتري ثوباً لطفلي، لذا رأيت أنه قبل أن تحرق شهادة طب الأسنان أسرتي وطفلي، حرقتها إيماناً مني أن التقديم بشهادة الثانوية يجعل المسؤولين لا يستحون من توظيفي في أية وظيفة، بعدما أحرق الطب والوزارات المعنية الطبيب».
وعاد الدكتور مهنا سعود ليروي لـ«الحياة» تفاصيل تخرجه وسعيه بين الوزارات المعنية حاملاً قضيته وقضية 600 طبيب أسنان سعودي آخرين، بعدما اختاروه ليكون لهم متحدثاً «عندما بدأت رحلة البحث والدخول في الوزارات، التي اعتبرها جميعها صيفية حارقة لأبناء البلد حتى وإن كان الجو شتاء، ودخلت وزارة الصحة وتعمقت في دهاليزها ورأيت عدداً من الأجانب يحتلون أماكننا وبرنامج التشغيل الذاتي لم يعلن عن طبيب مقيم في تخصص الأسنان منذ فترة طويلة، عرفت أن عدد وظائف الأطباء حوالى 3500 طبيب، نصفهم أجانب والحاجة الفعلية لتخصصي 18 ألف طبيب، فكنت أرى أن شهادتي بيدي تحترق، فذهبت لوزارة الخدمة المدنية وبدأت أتناقش معهم كالخبراء في مادة 39 من نظامها حول إحلال السعودي محل الأجنبي فقابلت الأحد الماضي وزير الخدمة المدنية ليعدني خيراً».
وأضاف: «طبعاً وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بعيدة كل البعد عن المشهد، وذلك لكونها مشغولة بسعودة محال الجوالات، وكأنها تبدأ بسعودة الوظائف الدنيا قبل العليا».
وزاد: «خلال رحلتي بين هذه الوزارات أصبحت أشعر أن شهادتي تحرقني من الألم، وجاءت الطامة بعدما استيقظت على خبر إعلان الخدمة المدنية الحاجة لثلاثة أطباء أسنان فقط لجميع مناطق المملكة من أصل 600 طبيب، والآن رمضان على الأبواب وأصحاب العمل يخجلون من توظيفي لم يكن لي خيار إلا أن أقوم بحرق الشهادة قبل أن تحرقني».
وبينما أعلن أخيراً عن رؤية 2030، على أمل بأن تنهض البلاد بشبابها، قال مهنا «ما زالت الوزارات مصرة على أن تقوم بلادنا على الأجانب، فمتى تتواكب الجهات مع هذه الرؤية ويكون تطبيقها على أرض الواقع»؟
ولفت إلى أن كثيراً من الخريجين من أقرانه يعملون الآن على وظيفة كاشير، «والنساء منهن يبعن ورق العنب، والكوب كيك بإنستغرام، وأنا حملت على عاتقي توظيفهم وإحلالهم بدل الأجانب، سواء في المستشفيات الحكومية أم التشغيل الذاتي أم حتى في المستوصفات الخاصة، ولكن للأسف من دون جدوى».
يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر لـ«الحياة» أن وزارة الصحة وجهت مديريات الشؤون الصحية في المناطق والمحافظات باعتماد عدم تجديد عقد الأطباء غير السعوديين، الذين يشغلون وظائف طبيب مقيم أسنان، على أن يتم إبلاغهم من الآن بعدم الرغبة في تجديد عقودهم.
وأشارت إلى أن التعميم جاء نظراً لتوافر عدد من أطباء الأسنان السعوديين الراغبين في العمل في مستشفيات الوزارة المشغلة ذاتياً، ولوجود وظائف مشغولة بغير السعوديين.