أخبار منوعة

المدارس اليهودية في فرنسا تعلم فنيات ومهارات الجيش الإسرائيلي

  

القبس – منذ يناير 2015 تحوَّلت المدارس اليهودية في فرنسا إلى ثكنات عسكرية، يعكف على مراقبتها وحراستها 24 ساعة أفراد الشرطة والجيش والمتطوعون من أولياء التلاميذ، لكن الغريب ان الهاجس الأمني تخطى محيط وساحة المدرسة ليصبح جزءاً لا يتجزأ من النظام التعليمي، ذلك أنه تحول الى دروس يتعلم خلالها الأطفال تقنيات الدفاع الذاتي التي يطبقها عناصر الجيش الاسرائيلي وأيضاً كيفية التعامل مع الهجمات الارهابية وطرق التعرف على الارهابيين والمشتبه فيهم، مجلة لونوفيل اوبسارفاتير الفرنسية زارت إحدى هذه المدارس التي تقع في قلب باريس وتختلف عن غيرها من المدارس الحكومية، ونشرت في آخر عدد لها هذا الريبورتاج.
يستعد ناتان في صباح هذا الاثنين البارد للذهاب الى المدرسة، لقد ارتدى جاكيته وحمل حقيبته على ظهره، لكن هذا الصباح وعلى غير العادة لم يلبس الطفل، وهو يهم بالخروج من البيت طاقيته، وإنما وضعها سراً في جيبه.

لاحظت الأم هذا السلوك، لكن ما إن وصلت مع ابنها الى باب المدرسة، حتى رأته يرتدي طاقيته الصغيرة الزرقاء اللون، وحين سألته عن السبب أجاب «هناك كثر يرغبون في قتلنا، ولهذا لا داعي لأن ارتدي الطاقية في الشارع».

ناتان في السابعة من عمره فقط، ورغم ذلك يدرك تماماً أن الوضع مقعد وخطير جداً بالنسبة للأطفال الذين يترددون على المدارس اليهودية، ويجبرون فيها على ارتداء الطاقية في القسم، لذلك قرر من تلقاء نفسه أن يحد من الأخطار التي يمكن أن تواجهه خارج أسوار المدرسة، ذلك أن بداخلها عالماً آخر.

ما إن يدخل التلاميذ اليهود الى المدرسة اليهودية في فرنسا حتى يفاجئهم حجم التعزيزات الأمنية التي تجعل التلاميذ يشعرون وكأنهم في زمن الحرب، فالعسكر يرتدون بزاتهم وخوذاتهم ويمسكون أسلحتهم ويعكفون على حراسة المدرسة 24، وحتى خلال إجازة نهاية الأسبوع.

دروس مختلفة
وأما في داخل المدرسة فلا تشبه ساحة الفسحة أي ساحة مدرسة عادية، ذلك أن جزءاً كبيرا منها خُصص لمعدات الجنود الذين يعيشون هناك، وهنا في هذه المدرسة يشعر التلميذ وكأنه في حالة حصار الى ان يتعود على الأمر مثلما تعود ناتان.

يحصل هذا في فرنسا 2016 وفي مدرسة يهودية تقع في قلب باريس، ولا تختلف هذه المدرسة عن مثيلاتها البالغ عددها 300 مؤسسة تربوية، موزعة عبر التراب الفرنسي، خاصة من حيث التعزيزات الأمنية ودرجة الحماية، وبعد أن أقرت وزارة الداخلية الفرنسية أن هذه المدارس مستهدفة من قبل الارهابيين.

يدرس ناتان القراءة والحساب والجغرافيا والتاريخ والشعر والرسم، ويتابع دروساً ايضاً في تاريخ اليهودية، لانه في مدرسة دينية، لكن عكس الاطفال في عمره، فهو ينفذ تمارين احتواء عدة مرات في الاسبوع في الصف لمواجهة اي حالة طارئة او هجوم على المدرسة، وتقول المدرسة انها لا تستخدم لفظ الارهابيين مع الاطفال، وانما لفظ «الاشرار»، للدلالة على اولئك الذين يرغبون في قتل الاطفال اليهود.

وتحاول المدرسة اليهودية تلقين الاطفال سبل التعامل مع الاعمال الارهابية، من خلال ألعاب تحثهم على التزام الصمت، لعدم لفت انتباه الآخرين، وعلى الاطفال ان يتعلموا الاختباء بسرعة، لذلك يتم تدريبهم على البقاء تحت المكتب، وايديهم على رؤوسهم، وأخيراً تقوم المدرسة بوضع شريط لاصق على فتحة باب الصف في حال وقوع هجوم بالغاز. ويقول جيريمي، وهو تلميذ في الصف الثاني المتوسط، «ان هذه الدروس كانت تسبب له رعباً، لكنه يربح اليوم كلما شارك في اللعبة».

بعد الهجوم الارهابي، الذي استهدف مسرح الباتاكلان، سألت فيرا، ذات الخمسة اعوام، والديها عما اذا كانت ألعاب الحرب في المدرسة ستستمر لفترة طويلة، خاصة ان الاشرار نفذوا الهجوم بينما ما يزال الاطفال في مدرستها يتدربون، والعسكر يرابطون في انتظار الهجوم.

لم يتمكن والدا فيرا من الرد على اسئلة طفلتهما، لكن والدها يقول: «نحن نطمئنهم في البيت، لكن الاطفال يعانون من التوتر في المدرسة، ويتحدثون فيما بينهم، ويدركون تماماً أن الوضع غير طبيعي».

من الاثنين الى الجمعة تتم مراقبة محيط كل المدارس اليهودية في فرنسا، بما فيها الشوارع المؤدية لها، ولا يشارك في العملية افراد الشرطة وعناصر الجيش فقط، وانما شبكة ايضاً من اولياء التلاميذ، وهي عبارة عن فرقة من الآباء الذين تطوعوا لحماية المدارس اليهودية. وتقول فاليري، التي تقوم بهذا العمل التطوعي منذ عام، «نحن نراقب ونرصد اي حركة غير طبيعية في الشوارع القريبة، وان راودتنا شكوك او مخاوف بشأن شخص ما او سيارة او اي شيء بدا لنا غير طبيعي، نخطر الشرطة مباشرة، لكننا لا نتدخل ابداً».
رقابة مشددة

في صباح أحد أيام شهر فبراير تحدّثت الأنباء في الإذاعة الفرنسية عن ورود عدة بلاغات بوجود قنبلة في عدد من الثانويات الفرنسية، ما دفع والداً يهودياً إلى نصب حاجز في الطريق الذي يؤدي إلى المدرسة، حيث أبطأ حركة السير وراح يتفقد من بداخل السيارات، وأما في الجانب الآخر من الشارع، فكانت هناك سيدة تعكف على تسهيل حركة المرور، وآخرون يرصدون كل كبيرة أو صغيرة على طول الطريق.

لقد كان الجميع مزودين بأجهزة تالكي والكي وسماعة للاتصال فيما بينهم، كما كان غالبيتهم يرتدون صدريات مضادة للرصاص، وفي هذه المدرسة يقوم العشرات من الآباء المتطوعين بمراقبة حركة دخول وخروج التلاميذ في الصباح والمساء، لكن لا أحد يعرف كيف يعملون.

نشأ نظام المراقبة التطوعي في عام 2012 بعد الاعتداء الذي استهدف مدرسة أوزار هاتوراه في تولوز وتنظم مصلحة حماية الجالية اليهودية عمل هذه الفرق، وهي من تضمن العلاقة بين الشرطة وسلامة النظارات والمباني اليهودية في فرنسا.

كان على هذه المصلحة في البداية أن تعثر على آباء متطوعين مستعدين للقيام بهذه المهمة، ثم تدريبهم على تقنيات الدفاع الذاتي التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي، ويقول مدير هذه المدرسة التي لم تذكر مجلة لونوفيل اويسارفاتور اسمها لأسباب أمنية «من المفروض ليس على مدير المدرسة ولا أولياء التلاميذ أو الأساتذة ولا أحد منا ان يهتم بالقضايا الأمنية المرتبطة بالإرهاب، رغم اننا نواجهها يومياً».

ويرتدي هذا المدير بصفة أتوماتيكية صدرية مضادة للرصاص خلال غدوه ورواحه من المدرسة وإليها كما لا يسلك الطريق ذاته في تنقلاته، وأصبح لا يطفئ أبداً هاتفه النقال حتى أيام السبت، لكنه لم يتخلّ عن ارتداء الطاقية في الشارع ويعتقد أنها ليست استفزازاً وإنما مطلباً، وعن ذلك يقول «منذ الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو طالب العديد من الآباء أبناءهم بخلع الطاقية لدى الخروج من المدرسة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock