التطبيقي

ماذا بعد المركز الأول؟

image

المناظرة فن مستحدث ومهارة جديدة على المستوى الأكاديمي الطلابي، لطالما أحيطت هذه المهارة ببعض المخاوف من بدائي التفكير وأصحاب العقول الجامدة والأفكار الديناصورية، فلا عجب بالطبع فهم لايريدون الطلاب أن يفقهوا جهلهم ويتبادروا بالسؤال والشك حول أفكارهم. لذلك حتى الطلبة أنفسهم أحيطت بهم هالة الخوف من المشاركة في هذا النوع من الأنشطة بل لاحظت تحبيطا من قبل البعض بأن مانقوم به ماهو إلا إضاعة للوقت فنحن كما يعتقدون “عقول حجرية محفورة عليها معتقداتنا، أفكارنا، قيمنا، ومبادئنا حفرا عميقا بريشة فنان يسمى البيئة\التقاليد\العرف وما أقبحه من فن!”

لذلك شاركت أنا، ونخبة من طلبة الهيئة لهدف واحد وهو استبدال العقل الحجري بكل ماعليه من رسومات، وعتق عقولنا من أغلال الفكر البدائي، شاركنا لكي نجعل عقولنا ترقص على أنغام المنطق، وتغني مع كلمات الواقعية، وتصدح بالتفكير النقدي.

تجربة المناظرة كان لها الأثر الكبير رغم خبرتي المتواضعة فيها التي لا تكاد تكمل السنة الواحدة، ولكن جودة التعليم في سنة توازي جميع ماتعلمته أو عفوا -ماتم تلقيني إياه- في سنوات دراستي الستة عشر. بالمناظرة تعلمت كيف أفكر، وكيف أحلل، وكيف أنصت جيدا. وأيضاً تعلمت كيف أتقبل الرآي الآخر. لا أنكر إن قلت أننا بحكم المصادفة البيولوجية التي فرضت عروبتنا علينا، نحن شعوب لا نحب التغيير، بل نخاف ونجزع عند سماعنا هذه الكلمة، فنحن عرباً نقدس أمجاد العروبة وماضيها دون أدنى تفكير بما سنعمل لحاضرها أو ماسيحدث لستقبلها. لهذه الأسباب قليلا مانرى عقولا نيرة وإن وجدت فإنها لاتحتمل العيش في هذا الكسل العقلي والخضوع البدائي والاستسلام للمسلمات الفكرية. فنراها تحلق بعيداً باحثة عن بقعة حرية لاتقيدها سلاسل الرجعية.

ولكن ماذا بعد؟ إلى متى سندع تلك العقول تحلق بعيدا؟ وإلى متى سنجمد عقول شبابنا محذرينهم من مجرد التفكير أو السؤال. التعليم ليس مجرد حقائق علمية ومعادلات جذرية جمعت في كتاب وتم إقراره ضمن منهج علمي للطلبة. الطالب في وقتنا هذا لا يحتاج إلى المراجع العلمية والمعلومات النظرية في المدارس، فجميعهم موجودين على بعد ضغطة زر واحدة ولكن مايحتاجه الطالب حقا هو إعمال عقله، إعطائه أساسيات التفكير النقدي الصحيح، يحتاج إلى كلمة “ لا تخاف من التغيير” بل ابحث واسأل. هذا مايجب أن يرتكز عليه تعليمنا حاليا. ولهذا السبب، أؤمن تمام بأنه إذا تم إقرار مادة “المناظرة” كمقرر إجباري للطلبة سنشهد ثورة فكرية عظيمة.

فوز فريقي وحصوله على المركز الأول جعلني أستوعب الكثير من الحقائق من حولي، وهي أن الفوز يحتاج جرأة وثقة وإيمانا قوي بالفكر، بالإضافة إلى أن المركز الأول وإن استمرت نشوة الفوز فهو مؤقت، ماهي إلا شهور معدودة وسيبدأ دوري آخر وسيفوز فريق آخر، ولكن نحن كفريق الهيئة لعام ٢٠١٥ ماذا نريد؟ وماذا سنفعل بدرونا؟
نشر ثقافة المناظرة هو الهدف الأسمى والأول على قائمة أولياتنا، ولكن مهما طالت لائحة أهدافنا فنحن عاجزين وحدنا، نحتاج إلى من يمد يد المشاركة والعطاء والدعم من حولنا. لامانع من مشاركة الفوز معنا فنحن قوما نحب نشر الفرحة ولكن نمانع حين تأخذون ماتريدون وتبخلون علينا بمانريد. في هذه الحياة، اعط كما تأخذ لكي تعيش عادلا كفي ميزان الحياة.

عليا العازمي
مدير تحرير مجلة اكاديميا
عضو فريق المناظرة كلية التربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock