كتاب أكاديميا

تصريحات وزير التربية والتعليم العالي .. هل هي هجوم على التطبيقي؟كتبت : د. أقبال الشايجي

  
تُعدّ تصريحات أي مسؤول “كالسيف”، يقطع الشك باليقين لدى المواطنين كونه يتحدث من موقع خبرة وسلطة واطلاع على بواطن الأمور. والمطلِع على تصريحات معالي وزير التربية والتعليم العالي د. بدر العيسى الأخيرة في الصحافة (كما جاء في القبس و أكاديميا) وفي مقابلة له في تلفزيون الكويتبشأن الشهادات “الوهمية/غير المعتمدة” في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب يجد أنها “لا تقطع الشك باليقين وإنما تثير الكثير من التساؤلات” . فمن تصريحات معاليه في لقائه التلفزيوني:

“القضية مو الشهادات المزورة كثر ما هي قضية الذين حصلوا على شهادات من جامعات غير معتمدة وغير موجود في الأصل”اللجنة راح تشكل في اجتماعنا القادم في مجلس إدارة الهيئة يوم الأحد القادم للنظر في موضوعين: موضوع الذي حصل على شهادات غير معتمدة والذين سلموا رسائلهم للمكتب الثقافي و لم يسلموها للهيئة””اطلعت على كذا اسم وفي حالات … ممن يحمل شهادات غير معترف فيها..  وترقوا””نبي نطرحها على مجلس الوزراء الموقر للإجراء الذي يتخذ، ما نبي نقطها بس على وزارة التعليم العالي”الإجراءات بحق هؤلاء “تعتمد على الرقم  – إذا كبر الرقم غير لما يكون عدد صغير”

ولمن لا يعلم بقضية شهادات الجامعة غير المعتمدة.. 
في الماضي القريب ، أعطت وزارة التعليم العالي الضوء الأخضر لعدد كبير من الطلبة الكويتيين للابتعاث إلى جامعة في إحدى البلدان الأوروبية ، وبما أن الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تتبع التعليم العالي بشأن اعتماد الجامعات ، أرسلت هي الأخرى بعض طلبتها لنفس الجامعة لدراسة الدكتوراه. وبعد فترة سحبت وزارة التعليم العالي الاعتراف بهذه الجامعة وأوعزت لكل الطلبة بوقف الدراسة فيها وتغييرها. يُقال – والعهدة على الراوي وأدلته – أن في هذه الأثناء أو بعدها بقليل رجع بعض طلبة التطبيقي بمؤهلاتهم قبل اكتمال مدة البعثة ، وتم اعتماد شهاداتهم من وزارة التعليم العالي ، ومارسوا مهامهم الوظيفية في التطبيقي . 

إن تصريحات معالي وزير التربية والتعليم العالي بشأن هذا الموضوع غير منصفة وتحمل في طياتها تشكيكًا بالشهادات العليا لحامليها في التطبيقي، وخصوصًا المبتعثين منهم، دون المؤسسات التعليمية الأخرى التي لم يتطرق إليها التصريح سالف البيان، كما أن تصريح الوزير لا يتضمن إحالة من اطلع هو شخصيًا على أدلة حصولهم على شهادات من جامعات غير معتمدة (علمًا بأن مشكلة جامعتهم مفروغ منها كما صرح معاليه سابقًا ..). ويُفهم من تصريح الوزير بأن تسليم أعضاء هيئة التدريس لنسخ رسائل الماجستير والدكتوراه للهيئة (بغض النظر عما إذا كانوا قد سلموها للمكتب الثقافي) هي الفيصل في اعتبار الشهادة معتمدة أم مزورة أو وهمية ، وتأكيدًا على ذلك فإن من لا يسلمها للهيئة سيحال للتحقيق لدى نفس اللجنة المشكلة للتحقيق في الشهادات الوهمية وغير المعتمدة! وفي المقابل مازالت إدارة التطبيقي تطالب بإلحاح لتسليمها هذه النسخ دون أن تتأكد من وجودها في مكتباتها، ومن لا يُسلم من أعضاء هيئة التدريس نسخته ، فعلى القسم العلمي التابع له ذكر اسمه مع الأسباب! والسؤال المهم هنا: هل هناك قانون أو لائحة أو قرارٌ يلزم أعضاء هيئة التدريس بتسليم نسخ رسائل الماجستير والدكتوراه للهيئة؟ وهل يشمل ذلك أعضاء هيئة التدريس المعينين من خارج مبتعثي الهيئة والمعارين من جامعات خارجية كذلك؟ وهل سلّم مدير عام الهيئة الحالي والسابق ومن سبقهم وكذلك نوّابهم رسائلهم للماجستير والدكتوراه للهيئة؟ هذه تساؤلات مشروعة نضعها أمام معالي الوزير قبل أن يتخذ أي من الإجراءات التي جاءت بمقابلته سالفة البيان.

والسؤال المهم الآخر هو: هل يُعدّ تسليم رسائل الماجستير والدكتوراه دليلاً لإثبات صحة الشهادة؟ من المعلوم أن الرسائل العلمية هي حق من حقوق الملكية الفكرية خالص للطالب والجامعة التي تخرج منها، وهي ملك له وللجامعة (وليس للتطبيقي أو لجهة  العمل)، فالرسالة العلمية هي حصيلة دراسته التي قيّمته على أساسها الجامعة التي تخرج منها وأعطته شهادته بعد أن استوفى شروطها. ولا تملك لا وزارة التعليم العالي ولا الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب إعادة تقييم رسالة الطالب أو شهادته. كل ما يملكه التعليم العالي والهيئة هو اعتماد الجامعة التي أرسل إليها الطالب أو البرنامج الذي قُبل به.  أما مسألة تجميع الرسائل (حتى القديم منها) للاستفادة منها في الأبحاث، فالأولى الاستعاضة عنها بقواعد البيانات العالمية والأبحاث الحديثة المنشورة، خصوصًا العلمية منها، أما التخصصات الأدبية والإنسانية فتقوم أكثر جامعات العالم بنشر رسائل الدكتوراه والماجستير في جميع التخصصات لديها عن طريق الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ويمكن الوصول إليها بسهولة ويسر، ومنها رسالتي للدكتوراه. وللعلم، فإنَّ النسخة الورقية من رسالتي ورسالة دكتوري المشرف تقبعان على مكاتب طلبة الدراسات العليا في جامعة جلاسكو لسبب واحد فقط: لمعرفة كيفية كتابة رسالة الدكتوراه!

ومما يثير الاستغراب، ما جاء في تصريح معالي الوزير من أنه “سيتم إيقاف الابتعاث من التطبيقي للجامعات المشكوك في صحتها كإجراء احترازي، لحين صدور قرار اللجنة في هذا الشأن”!! والأمر المستغرب هنا هو أن التصريح شمل مبتعثي الهيئة، وكأن المشكلة تتعلق “بالمبتعثين فقط” دون المعينين من خارج الهيئة، كما أن هذه الجملة توحي كذلك بأن “البعثات المشكوك فيها” في الهيئة أمرٌ اعتيادي أو ظاهرة دائمة، بينما هي في حقيقتها لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدًا. وبالمناسبة ، كيف سيتم تحديد الجامعات المشكوك في أمرها لكي يتم إيقاف البعثات لها؟ أم هل سيتم إيقاف جميع بعثات التطبيقي لهذا العام الدراسي لحين انتهاء لجنة التحقيق – التي لم تُشكل بعد – من أعمالها؟ وما الذي سيحدث للطلبة المبتعثين حاليًا من التطبيقي؟ هل سيتم وقف بعثاتهم وإرجاعهم لحين انتهاء لجنة التحقيق من مهامها؟ وإن كان معالي الوزير متيقنًا من أن بعض الجامعات مشكوكٌ في أمرها، فلمَ لا يكون قراره قاطعًا (وليس احترازيًا) بإيقاف الابتعاث إليها دون غيرها حتى لا تتضرر خطة البعثات بكاملها لهذا العام والأعوام المقبلة.

كذلك يتضمن تصريح الوزير قناعة يقينية، وأيضًا بدون أي تحقيق في الموضوع، أن جامعة الكويت خالية من الشهادات الوهمية وغير المعتمدة لأن “إجراءات الابتعاث في الجامعة تتم وفق آلية دقيقة تمر عبر عدة جهات بدءًا من الأقسام العلمية وانتهاءً بالإدارة الجامعية، خاتما بالقول أنه في حال تم التوصل لأي أدلة حول وجود حالات لحملة شهادات مزورة في الجامعة سيتم إجراء اللازم” (بدون لجنة تحقيق؟!). وبصفتي مبتعثة من التطبيقي وكنت تحت الرقابة المستمرة أيام الدراسة من المكتب الثقافي وإدارة البعثات في الهيئة، وحيث إنني كنت رئيسة قسم في الهيئة ورئيسة لجنة البعثات فيه لمدة خمس سنوات، فإنه يطيب لي أن أخبر معاليه أن “إجراءات الابتعاث في التطبيقي تتم وفق آلية دقيقة تمر عبر عدة جهات بدءًا من الأقسام العلمية وانتهاءً بإدارة التطبيقي”، بل لا يتم ابتعاث أي شخص من التطبيقي قبل الرجوع لقوائم التعليم العالي بشأن الجامعات المعتمدة منه.

أما بالنسبة للجنة المزمع تشكيلها، فلا نعلم لماذا يريد لها معالي الوزير أن تضم “ممثلين عن كل القطاعات المعنية وعلى رأسها الهيئة وجامعة الكويت ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، إضافة الى وزارة التعليم العالي وجهاز الاعتماد الأكاديمي”؟ فمع كل التقدير لهذه القطاعات، إلا أن الجهتين الوحيدتين المعنيتين بالكشف عن الشهادات المزورة أو الوهمية أو غير المعتمدة هما التعليم العالي ولجنة الاعتماد الأكاديمي فقط، فإن تم اعتماد الجامعة، تم اعتماد شهادتها – انتهى.  كما أنه ليس من العدل أن يُستثنى ممثلو القطاعات الأخرى من شبهة الشهادات الوهمية ما لم يصرح الوزير بأن من سيتم التحقيق معهم في التطبيقي هم من اطلع على أدلة حصولهم على شهادات غير معتمدة، وليس مع كل حملة الشهادات العليا في التطبيقي أو المبتعثين منهم!

أما أغرب تصريحات الوزير هي أنه “سيتم عرض تقرير اللجنة مستقبلا على مجلس الوزراء في حال ثبوت وجود شهادات وهمية في التطبيقي لاتخاذ الإجراءات المناسبة.. علمًا بأن هذه الإجراءات ستعتمد على “الرقم” ، (أي على عدد حملة الشهادات الوهمية/غير المعتمدة ) …  “إذا كبر الرقم غير لما يكون عدد صغير”! “فإن كان عددهم كبير، فعلينا أولاً إيجاد حل لتغطية أماكنهم قبل البدء في سحب شهاداتهم وتحويلهم للتحقيق”!!  قبل البدء في سحب شهاداتهم وتحويلهم للتحقيق؟؟!! أي سنتركهم في مراكز عملهم حتى بعد ثبوت التهمة عليهم؟! ثم بعد ذلك تسحب الشهادات أولاً ويتم التحقيق معهم لاحقًا!! أليس هذا الأمر معكوسًا؟ فالمفترض أن يتم التحقيق معهم أولاً ثم بعد ذلك يتم سحب شهاداتهم. وبعيدًا عن الترتيب أيهما قبل الآخر، نسأل معالي الوزير: هل يملك سحب شهادة صدرت من جامعة لا يشرف عليها الوزير؟ أي جامعة خارج الكويت؟  

مجمل القول ، إن تصريحات معالي وزير التربية والتعليم العالي مجحفة لكل حملة الشهادات العليا في التطبيقي، وخصوصًا المبتعثين منهم: فمعاليه حكم بيقين، واستبعد بيقين، وشكل اللجنة وأعضاءها بيقين، وذكر الإجراءات الاحترازية والمستقبلية في حال ثبوت وجود الشهادات غير المعتمدة في التطبيقي أيضًا بيقين. إن كان يريد معاليه فعلاً أن يفتح ملف الشهادات الوهمية، فلا يجب أن يقتصر على مؤسسة واحدة، ولا يجب أن يقتصر على المبتعثين منها، بل يشمل التعيينات فيها كذلك! ولا يجب أن يتم المساومة على الإجراء الذي يجب اتباعه في حال ثبوت وجود هذه الشهادات، بل يجب عليه كشفهم واستئصالهم لكي يتم تبرئة البقية، لا أن تبقى وصمة التزوير والشهادات الوهمية تحيط بهم وتنتقص من مركزهم العلمي والأدبي دون ذنب اقترفوه ، والأهم، على معاليه أن يعتذر من أعضاء هيئة التدريس في التطبيقي الذين ضمهم لركب المتهمين قبل حتى بدء التحقيق!

وختامًا ، أرجو أن يكون مجلس إدارة الهيئة على قدر المسؤولية الواقعة على عاتقه لتشكيل لجنة تحقيق وفقا لمعطيات أكاديمية موضوعية وفي إطار القانون لكشف حاملي الشهادات غير المعتمدة أو الوهمية (إن وجدت)، حيث أن سمعة وكرامة أعضاء هيئة التدريس في الهيئة ومكانتهم الأكاديمية والأدبية على المحك اليوم. 

د. إقبال الشايجي
أستاذ مساعد
كلية العلوم الصحية
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock