الشيطان الأكبر… ومحور الشر كتب | أ. د. عبداللطيف بن نخي
أ. د. عبداللطيف بن نخي
في العام 1998 نظم قسم الهندسة الميكانيكية والصناعية بجامعة الكويت مؤتمراً دولياً حول بحوث الطاقة وتنميتها. من بين أبرز ما لفت انتباهي في هذا المؤتمر هو عدد المشاركات الإيرانية وطبيعتها، فالبحوث الإيرانية التي عرضت في الجلسات التي حضرتها كانت في غالبها مرتبطة بمشاكل هندسية، في مصانع إيرانية، تم التعامل معها ومعالجتها بأساليب علمية.
أحد المهندسين الإيرانيين عرض من خلال ورقته العلمية تجربته في التعرف على سبب تصدع المنتج المرحلي أثناء وضعه في فرن صناعي بالرغم من تكرار الخلل إلا أن مهندسي المصنع عجزوا عن معرفة سببه. الإشكالية كانت في كيفية رصد القطع المعدنية وهي في الفرن عند درجات حرارة لا تتحملها أجهزة القياس التي كانت متوفرة آنذاك في إيران.
لجأ المهندسون إلى منهجية بديلة معتمدة عالمياً، مبنية على توظيف برمجيات رقمية لمحاكاة انتقال الحرارة في الفرن أثناء وجود القطع فيه، انتج المهندسون نموذجاً رقمياً للفرن والقطعة بالتفاصيل المعروفة للفرن وللقطعة، ومن ثم تمت معايرة العوامل المؤثرة في انتقال الحرارة، بأنماطها المختلفة، داخل الفرن وعبر القطعة إلى أن توافقت النتائج الرقمية مع واقع حال المنتج المرحلي بعد إخراجه من الفرن. استخدم المهندسون هذا النموذج الرقمي المعيّر، لمتابعة المتغيرات في القطعة المعدنية وتباعاً معرفة أسباب وكيفية حصول التلف، ومن ثم استخدموا نفس النموذج الرقمي الموثوق لتقييم الخيارات المتاحة لتجنب الشروخ، وعند تطبيقهم للخيار الأمثل في المصنع، تبين أنه فعلا منع وقوع التلف في القطع أثناء وضعها في الفرن.
ما ميز الأبحاث الإيرانية في نظري هو تعزيزها لإمكانياتهم في توطين التكنولوجيات المستوردة إلى بلدهم، وتقويتها للقدرات البحثية الإيرانية المطورة للتكنولوجيات المستوطنة. تكامل التوطين التكنولوجي مع البحث التنموي له منافع متعددة، أبرزها استيعاب كيفية التعاطي (know-how) مع التكنولوجيات في جميع مراحلها، ابتداءً من دراسة الجدوى ثم التصميم فالإنشاء والتشغيل والإصلاح والتطوير. هذه المعرفة تقلل تكاليف الحاجة للخبرات الأجنبية وتنمي إيرادات الاستثمار في الخبرات الوطنية في الخارج. وهذا لا يعني بأن إيران لا تحتاج للخبراء والمستشارين الأجانب، بل هي متلهفة لاستقبالهم عبر الاستثمارات الأجنبية المتوقعة خاصة تلك التي ستعجل من معدل توطين التكنولوجيات الحديثة والمتطورة في العديد من المجالات ومنها صناعاتها البترولية العريقة وأنشطتها النووية الحديثة ولكن ضمن حدود الاتفاقية النووية.
بعيدا عن الطرح الثوري الذي يتبناه الجناح الديني في إيران، المنظومة الإيرانية للتكنولوجيا النووية، بعلمائها ومراكز أبحاثها وجامعات نشر علومها، هي أبرز مهيئات ومسببات اجتماع «محور الشر» مع «الشيطان الأكبر» وحكومات خمس دول أخرى على طاولة المفاوضات، والقيادة الإيرانية تعلم جيدا بأن الإنجازات التي حققتها منظومتها النووية، هي التي أبعدت الخيار العسكري في التعاطي مع ملف إيران النووي، لأن تلك المنظومة وصلت لدرجة لا يمكن القضاء عليها بضربات عسكرية، لذلك حرصت إيران على استمرار أنشطة منظومتها النووية خلال المرحلة الانتقالية، مع العمل على تطويرها أفقياً تحت الأسقف التي اتفق عليها. باختصار، دول الـ (5+1) أقرت بأن إيران نووية، لذلك تفاوضت معها، وليس العكس، وتلك الدول تبنت خيار التفاوض من أجل تقييد طبيعة أنشطة إيران النووية، بعدما فشلت في إيقافها من خلال العقوبات التي استهدفت المدنيين الأبرياء لدفعهم إلى التظاهر ضد حكومتهم والانقلاب عليها.
على النقيض من علاقة البرلمان الايراني بمؤسساتهم الأكاديمية، لدينا في الكويت عدد من النواب يتعاملون مع الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب على أنها «محور الشر» الأوحد، واعتبروا الجهات الحكومية الأخرى من ضمن «محور الاعتدال»، فقرروا أن يفرضوا عقوبات استثنائية عليها تستهدف مباشرة أعضاء هيئتي التدريس والتدريب لينقلبوا على قياداتهم، ولكن الواقع يشير إلى أن العقوبات لن تحقق أهدافها بل زادت من السخط تجاه بعض النواب، فهل سيلجأ هؤلاء النواب للتفاوض مع قيادات الهيئة لينهوا الظلم الذي ابتدعوه؟