ما التحيّز التأكيدي؟ وكيف تتجنّب الوقوع فيه؟
على سبيل المثال، تخيل أن شخصا ما يعتقد أن من يستخدمون اليد اليسرى أكثر إبداعا ممن يستخدمون اليد اليمنى. عندما يواجه صاحب هذه المعتقدات شخصا أعسر ومبدعا، فإنه يولي أهمية كبرى لهذا “الدليل” الذي يدعم ما يؤمن به بالفعل، وقد يسعى أيضا للحصول على المزيد من البراهين التي تدعم معتقده مع استبعاد كل ما يناقضه.
يعرف أخصائي الطب النفسي الدكتور وائل المومني، التحيز التأكيدي كـ “ظاهرة معرفية تعكس تفضيل الأفراد للمعلومات التي تؤكد معتقداتهم السابقة أو تحيزاتهم الشخصية. ويتمثل هذا التحيز في اتجاه الفرد لاختيار المعلومات التي تتفق مع رؤيته الشخصية، متجاهلا المعلومات التي قد تتعارض مع تلك الرؤية”.
الأسباب والأنواع والعلامات
يرى المومني أن أسباب التحيز التأكيدي قد تكون متنوعة، “بما في ذلك الرغبة في الحفاظ على الاستقرار العقائدي أو تأكيد الصورة الذاتية. وقد يعكس أيضا خوفا من التغيير أو حاجة إلى الأمان نحو المعتقدات السائدة”.
وعن أنواع التحيز التأكيدي، يقول أخصائي الطب النفسي إنه “يشمل طيفا واسعا، منها التحيز الديني، والسياسي، والثقافي. وكل نوع يؤثر على كيفية تفاعل الفرد مع المعلومات والآراء الأخرى”.
ويوضح “تظهر علامات التحيز التأكيدي في تجاهل الآراء المتناقضة، ورفض البحث عن معلومات تتعارض مع الاعتقادات الشخصية، والتمسك بالمواقف القائمة دون تقبل التنوع. ومثال على ذلك، يمكن أن يكون شخص يتجاهل التقارير التي تتعارض مع وجهة نظره حول قضايا بيئية أو سياسية، ويفضل فقط مصادر تؤكد على آرائه”.
الأثر النفسي للتحيز التأكيدي
ويلفت المومني إلى أن هذا السلوك يمكن أن يؤدي إلى زيادة مستويات التوتر والقلق، “حيث يمكن أن يشعر الفرد بالتهديد عند مواجهته بآراء مختلفة. ويعيق هذا التحيز القدرة على التفاعل الإيجابي مع التنوع وقد يسهم في انعزال الفرد عن المجتمع”.
ويختم “يتطلب فهم التحيز التأكيدي توعية شخصية، واستعدادا لتحليل المعلومات بشكل موضوعي، لتعزيز التفاعل الإيجابي مع الآخرين وتحقيق تواصل فعال”.
توظيف المعلومات
من جانبه، يؤكد المستشار الأسري والاجتماعي مفيد سرحان، أن التعامل بموضوعية مع المعلومات يساهم في إيجاد تصورات منطقية للأحداث التي يمر بها الشخص أو المجتمع أو العالم.
ويضيف، “إلا أن البعض ولأسباب متعددة منها طبيعة التربية، والبيئة، والتنشئة، ودرجة الوعي، أو تعصبه لفكرة معينة، فإنه يميل دائما للبحث عن المعلومات التي تخدم وجهة نظره، ويسعى لتوظيفها لدعم وجهة نظره أمام الآخرين. هو لا يريد أن يستمع إلى أية معلومات أو آراء مخالفة دون التمحيص في درجة مصداقيتها أو توافقها مع الوقائع والأحداث والأدلة، بل إنه يتجاهل الأدلة المخالفة ويسعى إلى تسخيفها والتقليل من شأنها، ويختار ما يريده بطريقة انتقائية”.
وينوّه إلى أن “مثل هذا السلوك قد يوقع الشخص في أخطاء كثيرة ويجعله يتخذ قرارات خاطئة، سواء على مستوى الأسرة أو الأصدقاء أو العمل، وربما يجعله يخسر علاقاته الاجتماعية لأنه يشعر أنه دائما على حق والآخرين على خطأ. وقد يكون مثل هذا الشعور عن حسن نية”.
ويدعو سرحان لأهمية اعتماد منهج الحوار، “ويبدأ ذلك من الأسرة بإتاحة المجال لإبداء الرأي منذ الصغر ومناقشة الآراء والأدلة، وعدم فرض الأبوين لرأي معين على الأبناء، بل إشراكهم في اتخاذ القرارات، خصوصا فيما يتعلق بهم وبما لا يؤدي إلى الإضرار بمصالحهم أو مصالح غيرهم”.
كما يشدد على ضرورة “اعتماد معايير واضحة لاتخاذ القرارات وتبني الآراء دون المساس بالحقائق العلمية الثابتة أو مخالفة النصوص الشرعية قطعية الدلالة”.
كيف تتغلب على التحيز التأكيدي؟
بحسب موقع “فيري ويل مايند”، فإن هناك عدة طرق يمكن من خلالها محاولة التغلب على الانحياز التأكيدي، ومنها:
- كن على دراية بالعلامات التي قد تكون ضحية لها، يتضمن ذلك أن تكون على دراية بتحيزاتك الشخصية، وكيف يمكن أن تؤثر على صنع قرارك.
- فكر في جميع الأدلة المتاحة، وليس فقط الأدلة التي تؤكد وجهات نظرك.
- ابحث عن وجهات نظر مختلفة، وخاصة من أولئك الذين لديهم آراء متعارضة.
- كن على استعداد لتغيير رأيك في ضوء الأدلة الجديدة، حتى لو كان ذلك يعني تحديث أو حتى تغيير معتقداتك الحالية.