كيف تتوقف عن التفكير بطريقة «الكل أو لا شيء»؟
إمَّا أبيض وإما أسود، لأُحققَّن ما أبغيه كاملًا أو أنا فاشِل وإن حققت قدرًا لا بأس به في ذلك الطريق. هذا هو التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، ورغم أنَّه ما اعتاده من يظنُّون أنفسهم ناجحين، أنَّهم يحجبون عن أنفسهم كثيرًا مما هو نجاحٌ بالفعل، بل وقد يكون نجاحًا لا يُستهان به، وربَّما يُصابُ بعضهم بيأس واكتئابٍ طالما ظلّ منكبًا على طريقة التفكير هذه، فما عيوب هذا التفكير، وكيف تضع حدًّا له؟
ماذا يعني التفكير بطريقة الكل أو لا شيء؟
إحدى طرق التفكير السلبي الشائعة لدى المصابين بالقلق أو الاكتئاب، الذي يعني تقسيم كل ما تراه إلى أبيض أو أسود.
ويعني ذلك للمصابين بالقلق أو الاكتئاب رؤية الجانب السلبي لأي موقفٍ يمرُّ بهم في حياتهم، وغالب من يُفكِّرون بهذه الطريقة، لا يظنُّون بأنفسهم إلَّا النجاح أو الفشل التام في الحياة، أي دون و وسطٍ في التفكير.
أمثلة على التفكير بطريقة الكل أو لا شيء
تُساعِد الأمثلة على تقريب الصورة حول التفكير بطريقة الكل أو لا شيء؛ تمهيدًا لدراسة عيوب ذلك، وطرق التغلب عليه، وفيما يلي بعض هذه الأمثلة:
1- إدراكك لنفسك
عندما تُقيِّم إنجازاتك، مُصرًا على التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، فلا ترى مِمَّا تفعله إلَّا نجاحًا ساحقًا، أو فشلاً ماحقًا، مثل قولك: “إذا لم أحصل على تقديرٍ مرتفعٍ دومًا في الاختبارات، فأنا فاشل”، ومِنْ ثَمَّ لا يُدرِك الإنسان حقيقة نفسه تحت وطأة التفكير بذلك الأسلوب.
ومن الأمثلة الناصعة على ذلك أيضًا، عند رؤية الصور المُنقحَّة على وسائل التواصل الاجتماعي، فالتفكير التلقائي المطروح على ذهنك أنَّ جسدك لا يُشبِه ما تراه، ومِنْ ثَمَّ تكره جسدك.
لذا فإنَّ التفكير بما بين الأبيض والأسود، خاصةً فيما يتعلَّق بنفسك، يجعلك جاهلاً بنفسك وقدراتك على حقيقتها، ومِنْ ثَمَّ فالواقعية والاتزان مطلوبَان في كل شيءٍ، وليس التفكير استثناءً.
2- الدافع وسلوكيات الهزيمة الذاتية
كذلك، من أمثلة التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، اختلاق الأعذار لعدم بذل مجهود، مثل:
- “لا أستطيع أن أنتهي من أي شيء، فلن أفعل شيئًا إذن”.
مع أنَّ هناك خيارات أخرى مطروحة، مثل: تنظيم المهام، أو جدولتها، أو إنهاء أي قدرٍ منها على الأقل، فذلك أفضل بالتأكيد من تركها بالكُلِّية.
3- الاكتئاب واليأس
الاكتئاب مشكلةٌ ذات فروع متُشعِّبة، فقد يصحبه التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، إلى جانب التعميم المفرط والتفكير الكارثي.
فعندما نشعر بالاكتئاب واليأس، يصعب رؤية البدائل، بل نظل مُعلَّقين بهذه المشاعر، ومن أمثلة التفكير بطريقة الكل أو لا شيء مع الاكتئاب:
- “هذا ما يحدث دومًا”.
- “لا يُوجَد شيءٌ جيد يحدث أبدًا، بل كل شيء مريع”.
والتفكير بهذه الطريقة، لن يُضفِي حلاًّ على المشكلة أو العائق الذي تواجهه، ولن يقضي على الاكتئاب بالطبع.
4- صراع العلاقة
يُؤثِّر التفكير بطريقة الكل أو لا شيء في علاقاتك الشخصية، بدءًا من تقييمك للعلاقة، وانتهاءً باعتقادك عن الطرف الآخر في العلاقة، فقد يقع البعض منَّا في توقُّعات غير منطقية بشأن علاقته مع غيره، وهذا مُنذِر بمشكلات فيها بكل تأكيد.
أيضًا، فإنَّ التفكير بهذه الطريقة بشأن العلاقات، يحجبك عن أشياءٍ أخرى موجودة بالفعل في الطرف الآخر، فإلغاء الطرف الآخر بالكُلِّية لتوقعاتك الخيالية أو الطوباوية، أو تمجيده وجعله الغاية لموافقته لتوقعاتك ليس بالأمر الصائب على كل حال، فالواقعية مطلوبةٌ في تقييم العلاقات، وبالأخص الأطراف الأخرى بها.
عيوب التفكير بطريقة الكل أو لا شيء
التفكير بطريقة الكل أو لا شيء ذو تأثيرٍ كبيرٍ على عواطفك وحالتك المزاجية عمومًا؛ إذ قد يُسبِّب أيًا مما يلي:
1- تراجع الدافع
لماذا تخوض مُعترك الحياة طالما أنَّ الأمور بين أبيض وأسود، فالمعايير العالية جدًا مستحيلة التحقُّق كما يدرك ذلك جميع العقلاء، والاستمرار على هذا النهج من التفكير، يجعل دوافعك تتراجع تجاه تحقيق ما كُنتَ ترغب فيه، ما دامت النتائج لن تكون وفق ما توقَّعته.
فالأفضل عزيزي القارئ الواقعية، والمقاربة، وطالما قطعتَ شوطًا باتجاه هدفك، فهذا إنجازٌ يُبنَى عليه، ولا يُقلَّل منه.
2- عدم تقديرك لنفسك
التفكير بسلبية نحو “لا أقوم بأي شيءٍ بطريقةٍ صحيحة” مع أنَّك تقوم بكثيرٍ من الأشياء بطريقةٍ صحيحةٍ وإن كُنتَ لا ترى ذلك؛ بسبب التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، فهذا مُؤدٍ إلى عدم تقديرك لنفسك ولا لقدراتك، بل ودفنها دون استخدامها فيما ينفع.
3- اليأس
اليأس نتيجةٌ حتمية للتفكير بطريقة الكل أو لا شيء، فكيف يُحقِّق الإنسان أمرًا مستحيلًا؛ إذ الكمال والمثالية يستحيل أن يصل إليهما إنسانٌ، لا على مستواه الفردي، ولا على مستوى الأهداف التي يسعى إليها، ويتأكَّد اليأس خاصةً مع تركيز المرء على النواحي السلبية فقط في كل شيء، وتجاهل ما أُنجز بالفعل.
4- زيادة القلق والاكتئاب
أشارت دراسةٌ حسب موقع “verywellmind”، إلى أنَّ التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، يزيد خطر القلق والاكتئاب، بل والتفكير الانتحاري أيضًا.
كيف تتوقف عن التفكير بطريقة الكل أو لا شيء؟
كي تبلغ فعاليتك الكاملة في تحقيق أهدافك، لا بُدّ من التخلِّي عن طريقة التفكير هذه، ورؤية الأمور على حقيقتها كما هي دون مبالغةٍ، وبناء التوقعات استنادًا إلى الواقع وحجم إمكاناتك، لا الخيالات الواهمة المستحيلة في أحيانٍ كثيرة.
هذا بدايةً، ثُمَّ فيما يأتي نصائح تخدمك في التوقف عن التفكير بطريقة الكل أو لا شيء:
1- ارصد أفكارك
لا بُدّ أنَّك لاحظت بعض أنماط التفكير التلقائية، فمثلًا يُمكِنك البدء بالبحث عن الأفكار المشتملة على كلماتٍ مبالغٍ فيها (مثل دائمًا، أبدًا)، أو الأفكار المرتبطة بالتشاؤم مطلقًا.
يُساعِد ذلك في تتبُّع الأحداث اليومية التي تمر بها، ومعرفة متى تأتيك هذه الأفكار تحديدًا، هل عند الاستيقاظ من النوم مثلًا، أو عند التعرُّض لبعض المواقف الاجتماعية، أو غير ذلك، فالخطوة الأولى هي رصد ما يُسبِّب هذه الأفكار، والتعامل معه.
2- إعادة صياغة الإدراك
هي استراتيجية تتضمَّن تغيير طريقة تفكيرك حول بعض المواقف، فبعد رصد الأفكار، ومعرفة متى تأتيك، سل نفسك بعض الأسئلة:
- هل هذه التوقعات أو الأفكار حقيقية أم مبالغ فيها؟
- هل من تفسيراتٍ أخرى غير ما أفكر فيه؟
غالبًا ستجد لديك إجاباتٍ أخرى إن أعطيت نفسك فرصةً للتفكير الصحيح، ثُمَّ يُمكِنك إحلال الفكرة الإيجابية الجديدة محل إحدى الأفكار السلبية القديمة.
3- تحدِّي الأفكار السلبية
مواجهة الأفكار السلبية أمرٌ طيب عمومًا، ليس فقط في التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، فغالبًا تقبُّل كل أفكارنا هكذا دون تمحيص، يُحرِّف أنظارنا عن الحقيقة، كما يجعلنا نُفسِّر بعض المواقف بطريقةٍ خاطئة.
ويُمكِن تحدِّي الأفكار السلبية من خلال:
- التركيز على اللحظة الآنية وعدم الإيغال في التفكير فيما هو بعيد.
- حدِّث نفسك كما تُحدِّث صديقًا لك (لا تقسو على نفسك في إطلاق الأحكام، ولا تُفرِّط أيضًا بنفس الوقت).
- كُن ممتنًا لما حقَّقت، وتفاءل فيما هو آتٍ.
- ركِّز على النواحي الإيجابية وأعطها حجمها، كما تُركِّز على النواحي السلبية، دون داعٍ إلى المبالغة في هذا أو ذاك.
4- التقدُّم وليس الكمال
عندما نُحاصر في مصيدة التفكير بطريقة الكل أو لا شيء، فهذا ناتجٌ عن الاعتقاد بأنَّ الكمال فقط هو النتيجة الجيدة الوحيدة، وما عداها سيئ، وهذا مُنذِر بالفشل في حقيقته؛ إذ تصور المرء عن نفسه سيظل سلبيًا بغض النظر عن جودة الأمور، وهنا مكمن الداء.
لذا لتُكافئ نفسك على التقدُّم فيما تبغيه، لا بلوغ الكمال فيه، فليس عليك أن تُحقِّق كل شيءٍ طوال الوقت، بل الاستمرار فيما تفعل هو الأهم، وهذا ما يعنيه إعادة صياغة التفكير والأهداف، ومن يدري لعلَّك بذلك تبلغ أفضل مما كُنتَ تتوقَّع يومًا ما.