رعبٌ اسمه “الذكاء الاصطناعي” يطارد الموظفين في أحلامهم
في مارس/آذار الماضي، نشرت مؤسسة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs) تقريرا يوضح أن “الذكاء الاصطناعي” يمكن أن يستحوذ على نحو 300 مليون وظيفة من البشر وبدوام كامل.
وفي العام الماضي، أظهر استطلاع القوى العاملة العالمي السنوي لشركة “برايس ووترهاوس كوبرز” (PwC’s) أن نحو ثلث المستطلعين قالوا إنهم قلقون بشأن احتمال الاستغناء بالتكنولوجيا عن دورهم؛ في غضون 3 سنوات.
ولكن هل لهذا القلق ما يبرره حقاً؟ وهل ستحل التكنولوجيا مكاننا وتسرق وظائفنا؟ وما الذي يجب على الموظفين فعله للحفاظ على وظائفهم في زمن “الذكاء الاصطناعي”؟
الرعب يصيب الموظفين في العالم
رغم التطور الكبير الذي يحدث في مجال “الذكاء الاصطناعي التوليدي”، فإن هناك عدداً متزايداً من الموظفين من أرجاء العالم مصابون بالرعب والخوف من أن يتم الاستغناء عن خدماتهم واستبدال الآلات والروبوتات بهم كي تنجز أعمالهم.
ومن هؤلاء الموظفين القلقين والخائفين من المستقبل الشابة البريطانية كلير (34 عاما)، التي فضلت عدم ذكر اسمها الأخير لحماية أمنها الوظيفي، وفق ما ذكرت منصة “بي بي سي” (BBC) مؤخراً.
عملت كلير في العلاقات العامة في شركة استشارية كبرى في لندن مدة 6 سنوات، وهي تتقاضى راتبا مريحا من الشركة التي تعمل فيها، لكنها في الأشهر الستة الماضية بدأت تشعر بالقلق بشأن مستقبل حياتها المهنية، والسبب هو كلمتين فقط: “الذكاء الاصطناعي”.
تقول كلير “لا أعتقد أن جودة العمل الذي أنتجه يمكن أن تضاهيه أية آلة في الدنيا حتى الآن. لكن في الوقت ذاته، أنا مندهشة من السرعة التي أصبحت بها “شات جي بي تي” (ChatGPT) متطورة للغاية. امنحها بضع سنوات أخرى فقط، ويمكنني أن أتخيل تماما عالما ينجز فيه الروبوت عملي بالجودة ذاتها التي أصلُ إليها. أكره أن أفكر في ما قد يعنيه ذلك بالنسبة إلى مستقبلي المهني”.
ويؤيد كلير في هذا الخوف أليس مارشال، وهو مؤلف إعلانات شاب (29 عاما) يقيم في مدينة بريستول البريطانية “أعتقد أن كثيرا من المبدعين قلقون… نأمل جميعا في أن يتعرف عملاؤنا على قيمتنا، ويختاروا الأصالة (الإنسانية) على السعر المنخفض والراحة التي توفرها أدوات الذكاء الاصطناعي”.
الخطر الأكبر حدث قبل بضعة أشهر فقط
كان “الذكاء الاصطناعي التوليدي” موجوداً منذ نحو عقد من الزمان، ووضعت الجوانب المضيئة والمظلمة لهذا الذكاء في دائرة الضوء طوال السنوات الماضية. وخلال تلك المدة حدثت تطورات كثيرة كان بطلها هذا النوع من الذكاء، مثل تقنيات التعرّف على الوجه، والتزييف العميق، وتحليل الصور، وإصدار الأحكام.
كل هذا حدث وكان موجوداً لكن التطوّر الأهم والأكبر حصل خلال الفترة القريبة الماضية مع ظهور برنامج ذكاء اصطناعي قوي في العام الماضي، وهو برنامج لا يتعلم من كميات هائلة من البيانات فحسب، بل قادر على الإبداع والابتكار والكتابة بشكل مقنع، بالإضافة إلى إجرائه محادثات شخصية جذابة مع المستخدمين، قريبة جدا من الروح البشرية، فضلا عن قدرات هائلة على استنساخ وإنتاج الصور والأصوات الإنسانية، بما فيها أصوات المشاهير، وغيرها من الإمكانيات وفق ما ذكرت منصة “إم إس إن” (MSN) مؤخراً.
هذا الأمر أصاب كثيراً من البشر، وخصوصا الموظفين، بالذعر والهلع، ليعود السؤال القديم: هل ستستولي الآلات على وظائفنا؟ وداخل هذا السؤال ثمة سؤال آخر مضمر: هل ستستولي الآلات على حياتنا ومستقبلنا كبشر؟
تقول عالمة الحاسوب في جامعة تينيسي الأميركية لين باركر “رغم الفوائد الكبيرة للذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل جعل الإبداع والعمل المعرفي أكثر سهولة، فإن لهذه الأدوات الجديدة جوانب سلبية أيضاً إذ يمكن أن تؤدي إلى تآكل المهارات البشرية العريقة مثل مهارة الكتابة. كما أنها تثير قضايا مهمة أخرى، مثل حماية حقوق الملكية الفكرية، لأنه يتم تدريب هذه النماذج من الذكاء الاصطناعي على الإبداعات البشرية”.
هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظائفنا حقا؟
في أكتوبر/تشرين الأول 2020، توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن الذكاء الاصطناعي سيأخذ نحو 85 مليون وظيفة من البشر، معترفا بأن الأتمتة في القوى العاملة تتزايد بمعدل أسرع مما كان متوقعاً في السابق.
والآن، ونحن في عام 2023، ثبت أن توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي كانت صحيحة، فقد هدد الذكاء الاصطناعي بالفعل مجموعة كبيرة ومتنوعة من الوظائف والمهن في مختلف الصناعات والقطاعات.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط، أعلنت مؤسسة “بزفيد” (Buzzfeed) أنها ستستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي لإنشاء المحتوى، بينما أنتجت “نتفليكس اليابان” (Netflix Japan) بالفعل فيلما متحركا بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي، وفق منصة “فايس” (Vice).
وفي تقرير نشرته منصة “إنسايدر” (Insider)، مؤخراً، قال خبراء إن برنامج “شات جي بي تي” وتقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى يمكن أن تهدد الكثير من الوظائف، وخصوصا وظائف “ذوي الياقات البيضاء”.
وتضمنت القائمة وظائف من صناعات التكنولوجيا والتمويل، والتصميم الغرافيكي والصحافة والإعلام. وحاليا، ليس مؤكدا ما الوظائف التي تتمتع بالأمان من الذكاء الاصطناعي مستقبلا.
لكن بعض الخبراء يقولون إن الأمل لم يُفقد، فوفق التقرير ذاته الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن تخلق هذه الموجة من تكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي” نحو 97 مليون وظيفة جديدة، أي أكثر مما أخذته، بحيث سيكون الابتكار والقدرة على التكيّف من أكثر المهارات قيمة في زمن الثورة الصناعية الرابعة.
إلى ذلك، كانت هناك أيضا حالات كثيرة تسلط الضوء على عدم دقة “الذكاء الاصطناعي” وقابليته للخطأ.
وفي تجربة حديثة، اختبرت كلية الحقوق في جامعة مينيسوتا الأميركية برنامج “شات جي بي تي” في الامتحانات، وأشار الدكتور جون تشوي إلى أنه رغم أن الروبوت يمكنه قراءة القواعد والقضايا القانونية، فإنه أخفق في تقديم تفكير تحليلي عميق، وفق منصة “إنسايدر”.
تطوير المهارات بدلاً من الذعر
يقول خبراء الموارد البشرية إنه رغم أن بعض القلق له ما يبرّره، فإن الموظفين يحتاجون إلى التركيز على ما يمكنهم التحكم به فعلا، وهو تطوير مهاراتهم بدلا من الذعر من احتمال فقدان وظائفهم لمصلحة الآلات.
وبالتالي، على الموظفين -في شتى المهن والقطاعات- تعلم كيفية العمل جنبا إلى جنب مع التكنولوجيا. إن استطاعوا فعل ذلك، واستغلوا التكنولوجيا كمصدر للتطوير، ولم ينظروا إليها كتهديد، فسوف يجعلون أنفسهم أكثر قيمة لأصحاب العمل”، وفق “بي بي سي“.
حليف وليس عدو
ببساطة، قامت ثورة الذكاء الاصطناعي لتبقى، وسيتطور هذا الذكاء أكثر وأكثر في المستقبل القريب، في ظل الاستثمارات المالية الضخمة التي يتم ضخها فيه من كبرى شركات التكنولوجيا العالمية.
فمثلا، تلقت شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI) -وهي الشركة المسؤولة عن برنامج “شات جي بي تي”- استثمارا مذهلا بـ10 مليارات دولار من شركة “مايكروسوفت” (Microsoft)، وقالت الشركة إن الاستثمار “سيسمح لنا بمواصلة بحثنا المستقل وتطوير ذكاء اصطناعي آمن ومفيد وقوي بشكل متزايد”.
وعلى هذا الأساس، فإن تداعيات هذه الثورة على سوق العمل وغيره من القطاعات ستتزايد وتستمر، وبشكل كبير في المستقبل القريب.
وفي هذه المرحلة، فإن أفضل طريقة للتعامل مع القلق بشأن الذكاء الاصطناعي تكمن في تطوير مهاراتنا وقدراتنا، وتعلم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، بحيث يصبح حليفاً لنا في عملنا، بدلاً من أن نتعامل معه كعدو ينبغي محاربته.