وزارة التربية

‏مدير المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج د. سليمان العسكري: الكويت الأولى خليجياً في الغش

أرجع مدير المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج د. سليمان العسكري، السبب في تخلف أنظمة التعليم في الخليج والدول العربية، والتي تعتمد على التلقين والتلقي من أعلى لأسفل ورفض النقد، إلى استمرار ثقافة الهيمنة العثمانية التي احتلتنا حوالي 400 سنة، ورغم تحررنا منها منذ أكثر من 100 سنة عاشت خلالها دولنا تحت الهيمنة الغربية المستعمرة التي استغلت بدورها «الفكر السلفي» في مواجهة حركات التنوير وتطوير التعليم لإبقاء بلادنا على جهلها وتخلها، مؤكداً أنه لم تتكون في عالمنا العربي حتى الآن حركة عقلانية لبناء ثقافة جماهيرية تتخلص من فكر الاستعمار! وكشف د. العسكري في حوار لـ «النهار» عن أنه في الكويت قوى مجتمعية، منهم نواب وتكتلات مؤثرة سياسيا، هي من تعارض تطوير التعليم وتسعى لإبقاء الكويت على ما هي عليه لتعظيم مكاسبها، على الجانب الآخر هناك عصابات منظمة ومحترفة تستهدف طلابنا وتدمير العملية التعليمية مقابل المال، معرباً عن دهشته من حجم الغش في التعليم، ومشددا في الوقت ذاته على أنه يجب ألا نتهاون مع الغشاشين بإلغاء كل امتحاناتهم وإعادتهم السنة الدراسية! وأكد د. العسكري أن عدم الاستقرار الوزاري من أهم المشاكل في الكويت، ليس فقط في التعليم، ولكنه يؤثر في الإنجاز في أي مؤسسة، مشيرا إلى أن الدراسات كثيرة ولكننا في حاجة إلى قرار وآلية تنفيذ سريع لوقف تدهور المنظومة التربوية، وقال إن سلطات الوزير في نظامنا الحالي شبه مطلقة ولا دور للمؤسسة وقيادتها سوى تنفيذ توجهات الوزير، والذي لم يلبث أن يتعرف على قيادات وزارته حتى تتغير الحكومة ويأتي وزير جديد بخطة جديدة، في الغالب لا يكون لها علاقة بخطة الوزير السابق، وهكذا ندور في حلقة مفرغة من الترهل وغياب الإرادة الحقيقية للتغيير ومواكبة التطور العالمي.
وقدّم العسكري حلاً – بحسب رأيه – لإنقاذ المنظومة التربوية، وذلك بتوفير نظام تعليم حكومي يتخطى القوانين السائدة ويوفر مناهج خارج الصندوق، بحيث يكون دور وزارة التربية للرقابة الإدارية فقط وليس الرقابة السياسية، مشيرا إلى أن تجربة التعليم الأهلي/الخاص في الكويت تحولت مؤخرا إلى مشاريع تجارية في الغالب، هدفها تعظيم الأرباح بمعزل عن جودة التعليم ومخرجاته، ولفت إلى أن فنلندا – أهم دولة نجحت في تطوير التعليم – لا تسمح بوجود مدارس خاصة!
حول واقع التعليم في الكويت ودول الخليج، ودور المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج في تقديم الدراسات والتوصيات لإنقاذ وتطوير منظومة التربية والتعليم دار هذا الحوار مع مدير المركز الكاتب والمفكر د. سليمان العسكري فإلى التفاصيل: التربية والثقافة.. ما العلاقة بينهما وأيهما تؤسس للأخرى؟
هي علاقة تبادلية، إنما تأسيس الوعي الثقافي يبدأ من التعليم وبداية تلقي المعرفة في المدرسة، إن المدرسة هي الحاضنة الأولى له، فمن خلال ما تقدمه للطفل في المدرسة تؤسس تكوينه الثقافي في المستقبل إذا كانت المناهج وأساليب التعليم تتطلع إلى المستقبل.
وهل الثقافة تؤسس لتعليم جيد بالضرورة؟
برأيي أن التعليم والثقافة وجهان لعملة واحدة، كل منهما يؤسس للآخر، فالوعي الثقافي الذي تم تأسيسه بشكل صحيح في مراحل التعليم المختلفة، بالتأكيد سوف يُسهم في تطوير التعليم، فهي علاقة تبادلية تكاملية لا يمكن الفصل بين التربية والثقافة بمفهومها الشامل، والتي تهتم بوعي الحياة الاجتماعية والفكرية، وتغذية الوجدان لدى الطالب وتنمية وعيه بالوطن والمجتمع وغرس النظر والتفكير في المستقبل، بالبحث والاكتشاف الذاتي لما يحيط به في حياته اليومية، والتنمية الوطنية ذات الرؤية المستقبلية.
الثقافة حالة يصعب قياسها، لكن عندما وُضِعَ المثقفون في اختبار «الربيع العربي» بدا دورهم هامشيا وليس مؤثرا، فهل يرجع هذا لسوء التعليم في الوطن العربي أم ماذا؟
ربما ما تقوله يؤكد أن قلة الوعي الثقافي لدى الشعوب التي ثارت واندفعت وراء شعارات أثارت ما بداخلها من سخط على أنظمتها وحكومتها، لكنها سقطت بسرعة في يد قوى أكثر تنظيماً وتملك خططاً مسبقة لاستثمار سخط هذه الجماهير، وربما ما حدث يدل على أن وعينا الثقافي قاصر عن فهم واستيعاب هذا التطور في حياة المجتمعات المتقدمة علينا، ويؤكد مقولة أن أنظمتنا التعليمية هي امتداد لأنظمة التعليم التي تعتمد على الحفظ والتلقين، وثقافة الإرسال من الأعلى إلى الأسفل ورفض التبادل وبالتالي يتم صنع جماهير لا تملك القدرة على فهم ما يجرى حولها، خاصة في عصر تتسارع فيه الأفكار والمنجزات الإبداعية، وبقينا نحن نتابع السير على مناهج التعليم التي كانت سائدة طوال الهيمنة العثمانية ثم ما تلاها من الهيمنة الغربية على التعليم والثقافة في بلداننا التابعة لها.
الهيمنة العثمانية
لماذا التعليم العثماني تحديدا؟
لأن البلدان العربية كانت تحت سيطرة الخلافة العثمانية عسكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً على مدى أكثر من أربعمئة سنة، ورغم تفكك الدولة العثمانية في بداية القرن العشرين إلا أننا لم نستطع التخلص من تأثير هذه الثقافة بسهولة، فرغم مرور أكثر من مئة عام على الانسلاخ من هذه الهيمنة العثمانية، لاتزال ثقافتنا العربية مشدودة لفكرها وتاريخها، ولذلك إذا كان هناك عصر يجوز أن تطلق عليه عصر النهضة العربية، وهي مرحلة ما بعد تخلص المنطقة من الاحتلال العثماني مباشرة، وقعنا تحت سيطرة الدول الغربية التي ورثت الخلافة العثمانية وحاولت جاهدة إبقاء المنطقة العربية على تخلفها وجهلها، ورغم ظهور بعض الحركات التنويرية التي تأثرت بعصر النهضة والتنوير في أوروبا على شكل مجموعات صغيرة – أغلبها في لبنان ومصر دعت إلى السير في طريق الحداثة إلا أنها جوبهت بالمستعمر الجديد، فعرقل نموها بتفكيكها وبعثرتها للحفاظ على سيطرته على الثروات التي جاءت للسيطرة عليها، ووجدت في الأفكار السلفية وفرقها الصوفية من المرحلة العثمانية أداة للوقوف في وجه تلك المجموعات التي تدعو للحداثة والنهوض وبناء دول ومجتمعات تلحق بالتطور والنهضة في العالم، علمياً وصناعياً وعسكرياً، ونجحت في الإبقاء على تلك الأفكار وتغذيتها لبث الفرقة والنزاع بين شعوب المستعمرات العربية التي ورثها من انتصاره على تركيا العثمانية.
الكويت اتجهت غرباً.. ألم تسهم الحماية البريطانية في التحرر سريعاً من آثار الهيمنة العثمانية؟
الهيمنة البريطانية لم تأت من أجل تنويرنا، أو لخلق حضارة جديدة ومجتمع حديث في بلادنا، بالعكس وجدت من مصلحتها إبقاءنا على التخلف حتى تبقى دائمة الهيمنة على ثرواتنا والتحكم في منطقتنا العربية جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، وبالرجوع لسؤالك فإن ما نطلق عليهم المثقفين العرب هم قلة ممن حاولوا نشر أفكارهم لبناء مجتمعات حديثة جوبهوا بمقاومتهم واضطهادهم من المستعمر الجديد ولم يحصلوا على الحرية التي تمكنهم من نشر أفكارهم بين الجماهير وتوعيتهم، فأغلقت أمامهم المؤسسات التعليمية والمنابر الإعلامية، وحوربوا في وسائل النشر وكانوا هم الضحية ولم يسمح لهم بالقيام بدورهم في قيادة بناء أوطانهم في مرحلة هادئة قابلة للنمو والحداثة، وواجهت هذه القلة الواعية بقوة استعمارية أكثر شراسة، قوة مستعمرة متلهفة لاستلام إرث الدولة العثمانية، فأي ثقافة وأي مثقفين نريد تقييمهم؟
التنوير العربي
استوقفني عنوان كتابك «حلم التنوير العربي.. عبد العزيز حسين» الذي أشرفت على تحريره هل لا يزال الحلم بعيدا رغم محاولات التنوير، وهل مازلنا عاجزين عن خلق ثقافتنا العربية الخاصة بنا؟
ثقافتنا العربية الحديثة بدأت بإعادة إحياء التراث العربي العلمي والأدبي والفكري الذي انقطعت مسيرته مع الغزو المغولي للدولة العباسية ولم تولد، في تقديري، حتى اليوم قوى منظمة في شكل جماعات أو منظمات علمية قوية تستطيع أن تبني على ما نُبش من تراثنا العربي، ورغم محاولات إعادة إحياء النشر وطباعة وقراءة تراثنا العربي القديم، ومحاولات كثيرة لإعادة طرح أفكار تنويرية وبالذات ما صدر في العصر العباسي الأول، لكن هذه كلها محاولات فردية أو ضمن مدارس فكرية خجولة لم تجد حتى الآن مراكز علمية رسمية تقوم بهذه المهمة، مهمة نهضة ثقافية شاملة، ولذلك تجد أهم وأغلب الأصوات التي تطرح فكر تنويري جديد، أغلبهم يعيشون في المهجر، لأن مجتمعاتنا لاتزال في مرحلة الحكم الوطني الذي تسلم السلطة رسمياً من المستعمر وأستند في أغلب الدول العربية على سلطة الجيوش والقوى الأمنية وليس على إشراك الشعوب، وفي تلك الفترة برزت بعض الأصوات المثقفة وبعض المنظمات الحزبية التي تأسست، تطرح أفكار التنوير والدعوة لوحدة الثقافة والنهوض بها وإعادة قراءة التاريخ العربي ومكوناته، وطرح شعار القومية العربية كأداة للنهضة، لكن القوى التي تسلمت السلطة تحولت إلى قوة قمعية لتلك الأفكار لاعتقادها بأنها تنافسها على السلطة والحكم، وبدأت في قمع تلك الأصوات. لأن عالمنا العربي لم تتكون فيه حتى الآن حركة علمية عقلانية لبناء ثقافة جماهيرية تتخلص من ثقافة عصر الاستعمار الذي فرضها على كل مستعمراته في العالم ونحن العرب في مقدمة تلك الشعوب، وكانت التنظيمات الحزبية التي رفعت شعار القومية لم تهتم بالثقافة ودورها في إعادة بناء هذه المجتمعات التي عانت من التخلف الحضاري والغرب الاستعماري، وانشغلت بالعمل السياسي، وأغلبها عاد وتحالف من سلطة العسكر في البحث عن موقع في السلطة وبالتالي العرب يدورون في حلقة مفرغة، ويواجهون من جديد قوة مضادة من داخل مجتمعاتهم تعرقل التطور في كل المواقع وفي مقدمتها التعليم، ونظرة على حالنا اليوم، وعلى امتداد أوطاننا العربية والدول الإسلامية، نجد أن تخلفنا العلمي والثقافي ناتج عن ضعف وعينا لأهمية ودور هذين الأساسيين في نهضة الأمم، المعلومات وتحليل هذه اللمعلومات.
قوى الظلام
جماعات الإسلام السياسي عملت على زيادة جرعة «التربية الدينية» في المناهج، إلى أي مدى أثر ذلك في النهضة الفكرية والتطور الحضاري في الخليج؟
دعنا نتفق على أن هناك ديناً إسلامياً قائماً وثابتاً، وهناك نشاطاً اسمه الإسلام السياسي، وهي حركات سياسية تتصارع وتتنافس في استخدام العمل السياسي للوصول للسطلة، ودعنا نتفق أيضا على أن أي فئة تنتصر سياسياً تفرض رؤيتها وبرنامجها السياسي ومصالحها، ليس فقط في مناهج التعليم لكن أيضا في رؤيتها الدينية وفي الاقتصاد والسياسة وفي العلاقات الدولية، ونحن نتحدث عن الأحزاب والحركات السياسية التي تعتنق فكراً عقائدياً أحادياً هو الذي يجب أن يسود، ولدينا مثال في الأحزاب التي كانت تحمل الفكر الماركسي الشيوعي في فترة معينة فرضوا على روسيا نظاماً حولها إلى دولة استبدادية ولم يستطيعوا أن يطبقوا ما جاء في الفكر الاقتصادي الماركسي، وعندما حاولت الأحزاب العربية التي نشأت في بعض الدول العربية الإسلامية نقل هذا الفكر لتطبيقه فشلوا ولم يستطيعوا رغم أنهم دفعوا أثماناً غالية في نضالهم، وفشلهم لم يكن فقط بسبب عرقلة القوة المضادة لهم، وإنما لأن الواقع الاجتماعي والظرف التاريخي مختلف، وكذلك الحركات الإسلامية المنظمة منذ تأسيس الشيخ حسن البنا لجماعة الإخوان عام 1928م، كانت تستخدم العمل السياسي لإعادة الخلافة العثمانية بالتحديد، وليس لإعادة بناء دولة إسلامية جديدة وحديثة، ولذلك رأينا الشيخ يوسف القرضاوي قبل وفاته يبايع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «خليفة المسلمين»، فالدولة العثمانية التي قامت في زمانها تمكنت من بناء دولة قوية على أراضي الإمبراطورية الرومانية الشرقية التي استولت عليها بالقوة وأعلنت أنها امتداد للخلافة العباسية الاسلامية، لكن خلال الأعوام الأربعمئة وأكثر كان الحكم في سلالة قبيلة بني عثمان والأسرة التي توارثت السلطة وحكمت حتى سقوطها مستخدمة الإسلام لكسب المسلمين وتأييدهم، تماما كما يحدث اليوم في إيران وهيمنة العنصر الفارسي وحده على كل مفاصل الدولة.
وهذا هو سؤالي الذي يبدو أنك تتهرب من الإجابة عليه، عن وجود قوى ذات نفوذ تتدخل في أنظمة التربية والتعليم للإبقاء على ما كان سائداً في تلك الأنظمة وخاصة نفوذها في السيطرة على وضع المناهج وطرق التدريس؟
لا أتهرب من الإجابة، لكننا لا نستطيع الحكم على أي مسألة بدون الأخذ بعين الاعتبار الواقع ومكوناته وقواه السياسية والفكرية والعقائدية ونطرح السؤال التالي: هل هناك مساحة من الحرية لكل الأفكار في مجتمعاتنا العربية تسمح بمناقشة كل الأفكار لكل الجماعات ومكونات المجتمع لتتفاعل وتصل إلى قناعات نابعة من واقع المجتمع وسبل نهضته وتطوره؟ لأنه بدون توفر هذا الحيز من الحريات تجعل الأفكار تنمو في الخفاء، وأي إنسان يحبس نفسه داخل خلايا تنظيمه السري تتحول إلى قوة تسلطية بمجرد أن تخرج إلى الواقع وتتسلم السلطة، فبدلاً من قبول الآخر والحوار معه تتحول إلى الدعوة لإلغاء الآخر، لهذا لابد من اعتراف كامل بين القوى الداعية للأخذ بالتطور والانفتاح على حركة التطور البشري كطريق للنهضة لبناء مجتمعاتنا المنشودة، وبين القوى التي لا تزال تؤمن بالعودة إلى ما كان قائماً من أساليب في الحكم وتجاهل كل ما جري ويجرى من التطور الهائل في مسيرة المجتمع البشرى وتؤمن وتتمسك بأنه طريق وحيد للنهضة والتاريخ غير قابل للتكرار إنما يبقي تراثاً يعاد الاستفادة من عبره واستخراج ما فيه من قوة لخدمة بناء الحاضر وأسس المستقبل.
ونعود إلى سؤالك ولو قارنت مثلا بين مستوى مناهج التعليم منذ بداية الخمسينيات إلى السبعينيات، نجد أن المناهج وطرق التدريس ومستوي مخرجات التعليم تلك أخذت في التراجع بدلاً من التقدم، خصوصاً مع تزايد عدد السكان ودخول أعداد كبيرة في قطاع التعليم وتدني كفاءة مخرجات التعليم بسبب ما أصاب التعليم ومناهجه من تدخل من التيارات التي انتعشت من الهزائم العسكرية والسياسية التي أصيبت بها كثير من الدول العربية المؤثرة في المنطقة العربية. مما أثّر في مستوى التحصيل العلمي لدى الطلبة، ومن ثم في مستوى المعلمين الذين التحقوا بالتعليم من مخرجات كليات التربية، تدني مناهجها وطرق التدريس فيها وضعف كفاءة المعلمين ونتائجها واضحة اليوم على مستوى الخرجين. وترسخ نظام «التلقين والحفظ على نظام التعليم والتفكير» وشتان بين الاثنين.
سُبل الإصلاح
في اجتماع مجلس الوزراء مطلع شهر يناير الماضي، تم تكليف وزير التعليم بإعداد دراسة حول سبل إصلاح التعليم العام، ثم استقالت الحكومة بعد أسبوعين من الاجتماع لنعود إلى المربع الأول.. ما تعليقك؟
الدراسات كثيرة ومتوفرة ولا تحتاج إلى مزيد من اللجان لتقرر سُبل الإصلاح، إنما الحاجة إلى قرار وآلية تنفيذ سريع لوقف تدهور المنظومة التربوية والتعليمية، ووقف التدخل في القوانين والنظم التي تكفل نهوض المؤسسات التعليمية من خارجها واحترام قياداتها وحريتهم في العمل والتخطيط. وهذا لا يحدث في مجال التعليم فقط بل في كل مؤسساتنا، لكنني على ثقة أن النوايا حسنة، وأكثر حاكم طالب بتطوير التعليم هو الشيخ صباح الأحمد الله يرحمه، ومع ذلك رأينا ونرى أن الاستجابة لدعوته كانت معلقة ولم تتحرك مؤسسة التربية والتعليم لتنفيذ دعوته ولا ممثلي الشعب تحركوا، وأعتقد أن قوى مجتمعية ذات نفوذ هي من تعرقل سير عجلة تطوير التعليم وتحديثه.
هل عدم الاستقرار السياسي زاد من تدهور التعليم في الكويت؟
عدم الاستقرار السياسي في البلد له دور مؤثر في عمل الوزراء والوزارات وهو بلا شك مؤثر في السلطة التنفيذية المسؤولة الوحيدة عن قيادة وإدارة كل عمل الدولة التنفيذية، بنص الدستور، وعدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى سوء اختيار القيادات، وفقدان الدولة لدى هذه الكفاءات من علم وخبرة وإخلاص للوطن، وتتسرب العناصر غير الكفؤة، لتولي المراكز القيادية في مؤسسات الدولة فتنحرف، بقصد أو بدونه، بها عن الأهداف التي وجدت من أجلها هذه المؤسسات وتسير بها إلى الانهيار وتتحول إلى معرقلة للنهوض والتطور، فتنخر بها عوامل الفساد من كل نوع. وهذا بلا شك يتضح أثره في قطاع التعليم والثقافة بسرعة، لأنه مرتبط بكل أسرة وتلمسه مباشرة على مخرجات أبنائها سواء من التعليم العام أو التعليم الجامعي، وتراه وتلمسه يومياً فيما يبث من ثقافة بكل فنونها. وأكرر بأن عدم الاستقرار الوزاري من أهم مشاكل الكويت والتي تؤثر في الإنجاز في أي وزارة أو مؤسسة، خاصة أن السلطات الممنوحة للوزير في نظامنا الحالي إدارياً ومالياً، هي سلطة شبه مطلقة ولا دور للمؤسسة التي يرأسها سوى تلبية وتنفيذ توجهات ورأي الوزير، وبغياب دور المؤسسة، وقيادتها الفنية والإدارية، وسلطاتها على إدارة المؤسسة، يفتح المجال واسعاً للتدخل في عملها من أية جهة، سياسية كانت أو اقتصادية.
ممكن تسمي لنا القوى التي أوقفت عجلة تطوير التعليم.. هل تقصد السلفيين والإخوان المسلمين؟
هي مسؤولية كل من هو عاجز عن فهم واستيعاب سنة التطور في العالم، من تطور علمي سريع ومذهل قلب واقع حياة البشرية رأساً على عقب في كل مناحي الحياة، وهي مسؤولية كل من هو غير قادر على استيعاب تأثير العلوم والأفكار الحديثة، هناك العديد من القوى المتخلفة في المجتمع لا يمكن إنكار ذلك، منهم نواب ومنهم فاعلون ومؤثرون في المجتمع السياسي وهناك قوى اجتماعية أيضا من مصلحتها أن يبقى الوضع كما هو عليه، وتعاني الكويت من ظاهرة تجاوز صلاحيات واختصاصات المكونات التي حددها الدستور لكل سلطة على اختصاصات السلطات الأخرى، فمنذ نشأة الديموقراطية في الكويت هناك تجاوز على الصلاحيات، رغم أن الدستور حدد مهام مجلس الوزراء فهو المخول بإدارة شؤون الدولة ويشرف على الموارد والمصروفات، ومجلس الأمة مهمته التشريع واقتراح القوانين والرقابة على أعمال الحكومة، ورغم ذلك الكل يشتكى من بعض أعضاء مجلس الأمة، أحيانا في شؤون تسيير الدولة وعرقلة حركة التطوير ومنها التعليم. ربما ما يحدث نتيجة لعلاقة السلطة بالمجتمع وعلاقه الأفراد داخل المجتمع، إنها مسألة قصور وعي عن فهم الديموقراطية ودورها في تطوير المجتمع.
«الوحدة التعليمية»
حدثنا عن واقع التعليم في الكويت ودول الخليج الآن في ظل الحالة الثقافية الراهنة؟
واقع التعليم في الكويت ودول الخليج ليس بأفضل حالاً وليس بأسوأ من واقع التعليم في الكثير من الدول العربية الأخرى، فمخرجات التعليم في كل مجتمعاتنا العربية الآن هي من منطلق وهدف واحد ورؤية واحدة، وهو «تزويد سوق العمل بأيدي عاملة فقط»، وليس بعقول مفكرة مبدعة، تحكمها رؤية مستقبلية، إنما هي إعادة إنتاج ما هو قائم والقائم هو استمرار للماضي، بل ربما كان لدينا بعض من أقباس نور في الماضي تم إهمالها لعجزنا عن البناء فوقها.
هل الدول الخليجية نجحت في «الوحدة التعليمية» أم أنها غير مؤهلة حتى الآن؟صص
من يدرس واقعنا السياسي والاجتماعي الخليجي على الأقل منذ بداية القرن العشرين لابد أن يضعه بعين الاعتبار، لأننا لا نملك القفز على الواقع ونتجاهل واقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فالتكامل يفرضه الواقع والتطور ومتطلباته، وسرعة نموه، وأرى أن السير في طريق التكامل ولو ببطء أكثر أمناً واستقراراً من التسرع، فمجتمعات دول الخليج لديها مقومات ومصالح مستقبلية أرى أنها قوة لمصلحتها كقاعدة ممكنة للبناء عليها، سواء كانت مقومات ومكونات اجتماعية أو اقتصادية، أوثقافية وفنية.
هل هناك تفاوت في مسيرة تطور التعليم بين دول الخليج؟
مسيرة التعليم في الدول الأعضاء ليست متساوية في سرعة تطورها، فبعض الدول تسرع وتتجاوز واقعها وتسير إلى آفاق أوسع من التطور المخطط له، ودول أخرى إمكاناتها المادية والبشرية وبعضها اجتماعية لا تؤهلها لتجاوز الحد المتفق عليه، في التقارب في تحقيق كل المناهج وأساليب تعليمها، وهذا لا يعني أننا مختلفون، لكن تحكمنا إمكانات وواقع كل دولة، ولذلك دائما نحن بحاجة لدراسة الواقع جيدا، فإن لم تفهم وتستوعب واقعك فلن تستطيع أن تضع حلولا للمشكلات.
غزو ثقافي
التعليم الخاص الأجنبي هل كان بمنزلة غزو ثقافي استسلمنا له؟
في تقديري التعليم الخاص الأجنبي ليس غزوا لأننا نحن من طلبناه واستعنَّا به للتسريع في تطوير التعليم، وخصوصا أنهم يملكون تجارب أفضل وبرامج أحدث في تطوير المناهج، ولقد أجرينا دراسة عن التعليم الأهلي أو ما يطلق عليه «الخاص» استمرت سنتين ونصف وكانت أول رصد لواقع التعليم الأهلي في دولنا، ومن خلال ملاحظة الدراسة فإن بعض المدارس الأجنبية في الكويت، مثلا بدأت تنحو إلى مشاريع تجارية يحكمها الربح والربح السريع، ولذلك تجد البعض ممن استثمروا في المدارس الخاصة ليس من منطلق سعيهم واهتمامهم بالارتقاء بالتعليم، بقدر ما هو من منطق الاستثمار الاقتصادي فقط.
الغش الجماعي
الغش في المدارس لم يفرق بين خاص وحكومي، وهذا العام فوجئنا بالإعلان عن ضبط 40 ألف حالة غش وملايين الدنانير دفعت لتسريب الامتحانات، وحديث عن تدخل «الداخلية» والقضاء لمواجهة الغش في المدارس.. كيف تابعت هذه الحادثة، وما الحل التربوي برأيك لهذه الجريمة؟
أحيانا الحماس يؤدي إلى المبالغة، ولاشك أن الغش ظاهرة سلبية مرفوضة تماماً وكل المجتمعات البشرية بمختلف عقائدها الدينية أو الوضعية تؤمن بأن الغش «سرقة» وتدمير للمجتمع، «ومن غشنا فليس منا»، هذه قيمة من قيم الإسلام، أي الغشاش يُخرج من الدين نهائيا، وظاهرة الغش ليست مقتصرة على طالب يغش فقط، بل إن بعض أولياء الطلبة ساهم في تشجيع الطلبة على الغش وتنتشر ظاهرة الغش في المجتمع توالياً، وهذه ظاهرة وبائية تدمر أي مجتمع، فالقاتل والسارق سيقتص منهماً القانون، لكن الغش في التعليم يخلق تربية وثقافة مجتمعية تنعكس على كل شيء في المجتمع، ويجب أن نعاقب كل من يغش في الامتحانات بعقوبة شديدة ونقضي عليها في مهدها سواء كان الرقم كما تقول 40 ألف طالب قاموا بالغش أو 10 طلاب فالنتيجة واحدة، فيجب أن تكون العقوبة بقدر الجريمة بإلغاء كل امتحاناتهم بل وإعادتهم السنة الدراسية كاملة، وعلينا ألا نتراجع في عقاب الجميع حتى لو كان العدد كبيراً جدا، فعلينا ألا نتهاون وننقلهم لمرحلة جديدة، لأن هذا العقاب هو الذي يردع، وحتى لا تتكرر حالات الغش مرة أخرى، ونبدأ بمحاربة الغش في كل مواقع الدراسة وفي كل مواقع العمل، وأن نعيد النظر في قوانين العقوبة لحماية المجتمع، فالطالب الذي يغش في مرحلة الدراسة ما قبل الجامعة، سوف يستمر يغش في الجامعة وبعدها سيواصل الغش في مراحل الدراسات العليا ويؤجر من يكتب له رسائل الماجستير والدكتوراه، وهكذا في عمله سواء في مجال التعليم أول مجال الإدارة، وتبقى ثقافة الغش والتزوير جزءاً من حياته.
أذكرك بقرار الدمج بعد الغزو وتحذير التربويين من تداعياته على الأجيال اللاحقة، إذا مرت حادثة الغش الأخيرة مرور الكرام هل تؤثر في الجيل القادم؟
بلا شك إذا لم يوضع لها حلول جذرية، وغير قرار الدمج وتداعياته، والشكوى التي نراها ونسمعها من المهتمين بالتعليم سواء من هم في المؤسسات التعليمية أو من أبناء المجتمع من تدني كفاءة الخريجين من التعليم العام والجامعة، وأغلبهم من مروا بقرارات الدمج سواء بسبب جائحة كورونا أو ما سبقها من كوارث مرت على بلادنا. وإذا كنا قد اضطررنا بالكويت لترحيل الطلاب الذين حرموا من التعليم ممن كانوا تحت الاحتلال العراقي فكان يمكن أن نتدارك ذلك بتوفير برامج تعويضية للطلاب لكي نعوضهم عما فقدوه، ومع ذلك لم يتم بذل أي جهد حقيقي للتعويض. فالطالب الكويتي يحصل على اجازات مدرسية أكثر من أي بلد آخر وأصبح أكثر طالب مرفَّه، وأتساءل لماذا لا نعيد فكرة الدراسة على فترتين صباحية وبعد الظهر، ليملأ هذا الفراغ الذي يعيش فيه طلابنا وخاصة أنهم لا يعملون بعد الظهر في أية أعمال تخدم المجتمع، لذلك علينا أن نضع حلولا سريعة ولا ننتظر أكثر مما انتظرنا، فمن الاحتلال حتى الآن مرت 32 عاماً والأمور تتفاقم.
هل الكويت الأولى خليجياً في الغش فعلاً؟
ربما، ولكن ليس لدينا إحصاءات دقيقة عن دول الخليج، إذا كانت لديهم نسبة معينة عن عدد الطلاب الذين يقومون بالغش في الامتحانات، وربما تكون الكويت هي الأولى في الغش بهذا الحجم فعلا، طبيعي أن توجد حالات غش في كل مدرسة ويتم العقاب لكن أن يكون الغش منظماً وجماعياً وبأجهزة الكترونية وعصابات محترفة تستهدف طلابنا وتدمر العملية التعليمية مقابل مبالغ مالية بهذه الضخامة، حتى بلغ الأمر بأن يزرع الطالب سماعة في أذنه عن طريق عملية جراحية! وحتى هذا الطبيب الذي أجرى له العملية يجب أن يعاقب بإلغاء تصريحه الطبي ويمنع من ممارسة المهنة لأنه ارتكب جريمة في صناعة جيل من الغشاشين سوف يديرون الدولة بكل مؤسساتها في يوم ما، حيث أصبح الغش عندهم وسيلة للوصول، ولك أن تتخيل أمثال هؤلاء يتسيدون المناصب القيادية ويرسمون مستقبل دولهم وشعوبهم.
أين المدرس الخليجي؟
لماذا لم تتمكن دول الخليج طوال السنوات الماضية من صنع الكادر التربوي الخليجي، وإلى متى ستستمر تعتمد على المدرسين الوافدين؟
علينا أن نسأل أنفسنا أولا: من يصنع المدرس؟ إنه التعليم ويجب علينا الاهتمام به من مراحل التعليم الأولى، لأن العلم والمعرفة عملية تراكمية وليست مرحلية، لذلك لابد أن نبدأ بتعديل المناهج وأساليب تدريسها لتتماشى مع التطور السريع في العلوم والانفجار المعرفي في العالم لتخريج جيل جديد من المعلمين.
وفي الكويت اعتقدنا أن المشكلة في عزوف الكويتيين عن مهنة التدريس هو ضعف الراتب الشهري، فرفعنا رواتب المدرسين جملة ليتساوى المدرس المجتهد مع المهمل والنصف متعلم والجاهل في الرواتب، وبالتالي المدرس الجيد فقد حماسه للتعليم فكيف تساويه وتقيمه مع مدرس لا يتقن حتى المواد التي تعلمها ويقوم بتدريسها، فزاد التكالب على مهنة التعليم بل زاد الطلب على الالتحاق بكليات التربية في جامعة الكويت والتعليم التطبيقي، لأنهم وجدوا أن راتب المدرس أفضل من راتب خريج كثير من التخصصات العلمية والفنية بالإضافة لعدد أيام الإجازات الربيعية والصيفية، وبالتالي حدث تكدس معلمين لتخصصات لا تحتاج لها الدولة، ناهيك عن مشكلة التخصصات فمعظمها اجتماعية متوفرة بكثرة مع وجود عجز شديد في العلوم الحديثة كالفيزياء والرياضيات وهي أساس في التعليم المعاصر، فتضطر تستعين بمعلمين من الخارج لهذه التخصصات، وهذا أحدث خللا في النظام التربوي وفي جودة المادة العلمية، وأصبحنا نكوّت تحت ضغط التزام الدولة بتوفير الوظائف للخرجين، وأصبحنا نفقد الكفاءات التي نحتاجها في كل المهن الفنية والعلمية، أضف إلى ذلك سرعة تنامي عدد السكان الكويتيين، مما يشكل ضغط على الدولة لإنشاء مدارس جديدة سنوياً وفتح فصول تحتاج إلى مدرسين أكفاء لإشغال تلك الفصول ومع ذلك فإن الإسراع في تكويت التعليم تحتاج لمؤسسة قوية لإعادة تأهيل هؤلاء الخريجين، وخاصة في المواد العلمية والثقافية العامة، ولا أرى أن وزارة التربية ومسؤوليها يلجؤون للاستعانة بالمدرسين الوافدين ويتوفر كويتيون بكفاءتهم.
هل هناك ربط بين المصروف على التعليم ومخرجاته؟
ليس هناك دراسات علمية ترصد هذه العلاقة، لكن ما يتم تداوله في وسائل الاعلام والتقارير المتخصصة أن الكويت تمثل أكبر بلد في حجم الإنفاق على التعليم، بالنسبة لعدد السكان، ولكن أغلب الميزانية هذه تنفق على رواتب الموظفين والمعلمين والإداريين وليس على تطوير المعلم وتطوير المناهج والتدريب، والتحول إلى النظم التعليمية المتطورة في العالم، كما يحصل الآن في الدول الآسيوية، وفي بعض دول أفريقيا الفقيرة.
الدروس الخصوصية هل هي كارثة تقارب الغش، أم هي وسيلة للتعليم وإن كانت خارج الإدارة لكن المهم الحصول على المعلومة أياً كانت الوسيلة؟
لقد أقمنا في المركز أسبوعاً ثقافياً حول نفس الموضوع، وأصدرنا عدد خاص من مجلة «مستقبليات تربوية» عن الدروس الخصوصية ورصدنا تجارب عالمية عدة وكيف يستفاد من الدروس الخصوصية «خارج إطار المدرسة» والمفارقة أن الكثير من الدول المتحضرة تسمح بالدروس الخصوصية المنظّمة وتحت رقابة الدولة لمساعدة الطلاب على رفع مستوى تحصيل العلوم لدى الطلبة، لكن الدروس الخصوصية في مجتمعاتنا حتى لو استفاد الطالب منها علمياً، فليس هناك تكافؤ في الفرص لأنك بالدروس الخصوصية تحرم الفقراء وتعطي الفرصة فقط لمن يمتلك المال، ورأيي أن تقوم كل مدرسة بتنظيم دروس خصوصية بعد حصر عدد الطلاب الذين يحتاجون للتقوية، وممكن الاستعانة بمدرسين متخصصين من خارج المدرسة إذا لم يتطوع مدرسو المدرسة نفسها، في الفترة المسائية أو الوزارة تصرف لهم مكافأة على أن يتم هذا تحت مراقبة الوزارة وقيادة المدرسة بحيث تتابع وتراقب مخرجات كل مدرس ومدى تحسن مستوى الطالب المحتاج للدروس الإضافية.
الكفاءة وأزمة الهوية
لو كنت مسؤولاً في «التربية والتعليم»، ما أول القرارات التي سوف تتخذها؟
لن أكون مسؤولاً، لكن أوجه نظر القيادات في وزارة التربية إلى فكرة التعليم الموازي، هناك تجارب في كثير من بلدان العالم نجحت، بمعنى أن يكون لديك مؤسسة تربوية مثقلة بالأعباء والبيروقراطية وبالتالي امكانات تطويرها يحتاج إلى وقت طويل سواء على مستوى المناهج أو أنظمة التعليم، أو القيادات الإدارية والتعليمية. ونحن في حاجة ماسة للإنجاز السريع لتطور منظومتنا التربوية والتعليمية لأن وضعك لا يحتمل أن يستمر التعليم بهذا التراجع أكثر بسبب الضغوط التي تزاول على مؤسسات التعليم، من زيادة السكان وعدم توفر إمكانية للحصول على كفاءات علمية من دول أخرى. بمعنى أننا لا نستطيع في ظل هذه الظروف للاستعانة بها في العلوم الحديثة خصيصاً، لعقبة القوانين التي تطبق في مجال التعليم مالياً وإدارياً كعدم المساواة مالياً بين المعلمين من غير الكويتيين بالكويتيين للقوانين الحالية، لذلك نحتاج للتعليم الموازي لنخرج من مظلة الواقع المهني والرواتب والروتين والنظم التي تعيق الوزارة ونبدأ بتعليم خارج إطار وزارة التربية إدارياً وفنياً.
تعليم حكومي موازٍ للتعليم الذي تشرف عليه وزارة التربية كإنشاء معاهد للمعلمين بقانون خاص للمناهج وطرق التدريس والتنظيم الإداري والمالي، مستفيداً من النظم العالمية في كل ذلك وإزالة كل العقبات التي تحكم تعليمنا الرسمي من أمام هذا النظام الحديث، للإسراع في خلق نواة متسلحة بالعلوم الحديثة، تتسلم هي بعد ذلك قيادة التعليم العام الحالي وتقوده إلى النهوض.
هل تقصد التعليم الخاص خارج عباءة الوزارة؟
تعليم حكومي، وخارج عباءة الوزارة نعم كما ذكرت يتجاوز القوانين السائدة الآن في وزارة التربية، ونحصل على نخبة من الكفاءات العربية والأجنبية ونوفر لهم رواتب تتناسب مع كفاءتهم، ونضع مناهج خارج الصندوق، وهنا نبدأ نخلق النواة التي ستقود إصلاح التعليم وتطويره، كمدارس للموهوبين، لا نحتاج لأكثر من الاستفادة من تجارب من هذا النوع موجودة وناجحة في كثير من دول العالم، فقط نفتح عقولنا وندرس ما نجحوا فيه وننقلها لأوطاننا ونطبقها. لدينا الإمكانات المادية التي نضمن بها نجاح هذه التجارب في بلداننا.
«رخصة المعلم»
في مستهل حديثه عن واقع التعليم في دول الخليج وسبل تطويره، قال د. العسكري: الآن تسعى دول الخليج لوضع دراسات متطورة لإدخال نظام يطلق عليه «رخصة المعلم» وهي رخصة تعطى لمن يثبت كفاءة تؤهله لأن يزاول مهنة التعليم، ويمنع من مزاولتها كل من لا يتمكن من الحصول على هذه الرخصة، مثلما هو معمول به في عدد من المهن الأخرى في البلاد.
التعليم أثناء الكوارث
حول تقييم تجربة «التعليم عن بُعد» التي لجأنا إليها اضطراريا خلال جائحة «كورونا» يقول د. العسكري: لقد أجرينا في المركز أربع دراسات حول التعليم عن بُعد، وبدأنا نعد دراسات للتعليم أثناء الكوارث، كالزلازل والأمراض، والحروب ونشرنا أكثر من عدد من «مستقبليات تربوية» عن التعليم عن بُعد، وفي الكويت كانت تجربة لابد من خوضها والتعامل معها، وحسب التقارير والدراسات التجربة لا تزال في طور التقييم والتقويم، لأننا فوجئنا بها ولم يكن هناك أي استعدا مسبق لها.
التربية والتاريخ
حول الظرف التاريخي الذي أنشأ فيه مكتب التربية العربي قال د العسكري: مع بداية انسحاب بريطانيا من شرق السويس تأثرت النخبة المتعلمة في الخليج بالحركات الوطنية وشعارات الحرية والاستقلال الوطني وبناء الدولة الوطنية وبدأ التحول إلى تعليم حديث في مجتمعات الخليج. وشهدت الخمسينات من القرن العشرين بداية النهضة التعليمية في دول الخليج والجزيرة، وجاء إنشاء «مكتب التربية العربي لدول الخليج» في الرياض عام 1977 م ، ومن ثم في عام 1978 م تم إنشاء ذراع بحثية تربوية للمكتب، فكان – «المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج» الذي استضافته دولة الكويت ورعته منذ بداية صدور قرار إنشائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock