تخلصك من الأفكار السامة.. ما الذي تفعله الكتابة في عقولنا؟
تنتشر مشكلات الصحة العقلية بشكل كبير وملحوظ في مجتمعاتنا الحديثة نتيجة لأسباب متعددة أبرزها ضغوط الحياة اليومية، ومن أجل تقليل تأثير هذه المشكلات، يلجأ الكثير من الناس إلى وسائل مختلفة مثل الذهاب إلى الطبيب النفسي أو الخروج في إجازات طويلة، أو حتى ممارسة اليوجا وغيرها من التدريبات المتخصصة.
لكن يبدو أن هناك دواءً فعالًا لمشكلات العقل هذه أبسط وأقرب لك مما تتوقع، إنه الكتابة، فكلما شعرت بالإرهاق العقلي أو العاطفي، اكتب الأشياء التي تزعجك. هذا سيساعدك على تنظيم أفكارك وتحقيق الراحة لعقلك، لذلك، يوصي العديد من المعالجين بتخصيص وقت خلال اليوم للكتابة من أجل تحسين صحتك العقلية، وهنا تبرز أهمية الاحتفاظ بدفتر يوميات والكتابة فيه كل يوم؛ إذ إنها إحدى عادات الأشخاص الناجحين.
تظهر الأبحاث بشكل متزايد أن الكتابة عما يؤلمك يمكن أن تساعد في تحسين صحتنا العقلية، وكما ذكرنا فإن للكتابة الكثير من الفوائد للصحة العقلية والنفسية، وهذا أمر لا يختلف عليه العلماء والباحثون، لكنهم يختلفون حول السبب، وحول الكيفية التي تساعدنا بها الكتابة على تحسين صحتنا.
النظرية الأولى: الكشف عن المشاعر
أحد أبرز الأسباب التي تفسر لنا لماذا تساعدنا الكتابة على الاستشفاء هو الكشف عن مشاعرنا وحقيقة ما يدور في أذهاننا. هذا يظهر من خلال النظر في هاتين الفائدتين المميزتين للكتابة وتأثيرها الإيجابي في الصحة العقلية:
1- اليقظة والاعتراف بالمشاعر
يتميز الأشخاص الذين لا يخجلون من التعبير عن المشاعر التي مروا بها خلال يومهم من خلال الكتابة، بأن لديهم مؤشرات صحة بدنية وعقلية أفضل، ومن هنا فإن الكتابة لمدة 20 دقيقة فقط في اليوم لا تساعد على تحسين صحتك العقلية فقط، بل إنها تعلمك جيدًا كيفية الاعتراف بمشاعرك، وهذا يسمى «نهج اليقظة»، الذي يهدف إلى مساعدة الناس على تعلم كيفية التوقف وتحرير أذهانهم من خلال التركيز على الأشياء التي تحدث في لحظة معينة.
2- تمرين للذكاء العاطفي
المشاعر غير المعترف بها يمكن أن تؤدي إلى الاكتئاب، وهو أحد أبرز أمراض الصحة العقلية، ويمكن أن تساعدك الكتابة على إدارة حالة الاكتئاب، وتدريب ذكائك العاطفي، فالكتابة هي أحد الأدوات الممكنة لتعلم الذكاء العاطفي وتطويره.
النظرية الثانية: الوعي الذاتي
بدأت الدراسات الحديثة تُظهر أن المفتاح وراء تحسين الكتابة لصحتنا العقلية ليس مجرد الكشف عن المشاعر، بل إنها تساهم أيضًا فيما يسمى «زيادة الوعي الذاتي»، والوعي الذاتي هو القدرة على تحويل انتباهك الخارجي للتركيز إلى الداخل نحو الذات، ومن خلال تحويل انتباهنا إلى الداخل، يمكننا أن نصبح أكثر وعيًا بسماتنا وسلوكنا ومشاعرنا ومعتقداتنا وقيمنا ودوافعنا. هاتان الفائدتان توضحان لنا هذه النظرية:
1- التركيز
فائدة الكتابة أنها تساعدك في التركيز على شيء واحد فقط، وهو ما يعني تحرير عقلك تمامًا من الأشياء الأخرى التي تزعجك وتجعل عقلك مزدحمًا، ومن هنا، فإن ممارسة الكتابة يوميًّا سيساعدك على فهم أفعالك وسلوكياتك بشكل أفضل.
2- تفريغ مساحة في رأسك
في بعض الأحيان، تمتلئ أذهاننا بالأفكار والمشاعر والعواطف، مما يخلق اختناقات حقيقية في الدماغ ويجلب القلق والتوتر، وما يحتاجه عقلك في هذه المرحلة هو أداة لإضفاء بعض التناسق على أفكارك وعواطفك، وفي بعض الأحيان تحتاج إلى إزالة بعض الأفكار تمامًا من رأسك حتى لا تزعجك بعد الآن. من هنا تظهر فائدة الاحتفاظ بدفتر يوميات، والذي يعد أداة جيدة لمساعدتك على تنظيف رائع لدماغك.
أنواع الكتابة
من هنا، ننتقل إلى ثلاثة أنواع من الكتابة يمكنها أن تحسن وعينا الذاتي، وبالتالي تحسن صحتك العقلية:
الكتابة التعبيرية
غالبًا ما تُستخدم الكتابة التعبيرية في البيئات العلاجية، إذ يُطلب من الأشخاص الكتابة عن أفكارهم ومشاعرهم المتعلقة بأحداث الحياة المجهدة، ويهدف هذا النوع من الكتابة إلى المساعدة لمعالجة شيء صعب عاطفيًّا، وتظهر الأبحاث أن الكتابة التعبيرية يمكن أن تعزز كلًّا من الوعي الذاتي والكشف عن المشاعر، وتقلل في النهاية من أعراض الاكتئاب والأفكار المقلقة والتوتر الملحوظ.
الكتابة العاكسة أو الانعكاسية
تستخدم الكتابة العاكسة بانتظام في البيئات المهنية غالبًا طريقة لمساعدة الممرضات والأطباء، والمعلمين، وعلماء النفس، والاختصاصيين الاجتماعيين على أن يصبحوا أكثر فعالية في وظائفهم، وتهدف الكتابة الانعكاسية إلى إعطاء الناس طريقة لتقييم معتقداتهم وأفعالهم بشكل صريح للتعلم والتطوير.
تتطلب الكتابة بشكل انعكاسي أن يسأل الشخص نفسه أسئلة، وأن يكون منفتحًا وفضوليًّا وتحليليًّا باستمرار، ويمكن أن يزيد هذا النوع من الكتابة الوعي الذاتي من خلال مساعدة الناس على التعلم من تجاربهم وتفاعلاتهم، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين العلاقات المهنية والشخصية بالإضافة إلى أداء العمل، وهي مؤشرات أساسية للصحة العقلية الجيدة.
الكتابة الإبداعية
تعد القصائد والقصص القصيرة والروايات من أشكال الكتابة الإبداعية، وعادةً ما تستخدم الكتابة الإبداعية الخيال، وتستخدم أدوات أدبية مثل الصور والاستعارة لنقل المعنى. تقدم الكتابة الإبداعية طريقة فريدة لاستكشاف المشاعر والأفكار والمعتقدات. على سبيل المثال، يمكنك كتابة رواية خيال علمي تمثل مخاوفك بشأن تغير المناخ أو قصة أطفال تتحدث عن معتقداتك حول الصداقة، ويمكنك حتى كتابة قصيدة من منظور طائر البومة طريقةً تعكس أرقك وقلة نومك.
كذلك، فالكتابة بشكل إبداعي عن التجارب الصعبة يمكن أن تقدم أيضًا طريقة للبوح بشيء تشعر بأنه معقد للغاية أو يصعب قوله للآخرين، كما تشجع الكتابة الإبداعية الأشخاص على اختيار كلماتهم واستعاراتهم وصورهم بطريقة تلتقط حقًّا ما يحاولون نقله، وبالتالي تكشف عن عمق وحقيقة المشاعر التي تخفيها.
كيف تبدأ الآن؟
كل ما تحتاج إليه الآن هو ورقة وقلم، وبعض الوقت لتدوين مشاعرك حول كل وأي حدث مرهق نفسيًّا تمر به. ابدأ الآن بأحدث تجربة صعبة مرت بك، وابدأ في الكتابة عنها دون توقف ودون أن تفكر أو تراجع ما تكتبه. فقط انطلق واترك لعقلك ويدك العنان.
إذا كنت تفضل فعل شيء أكثر إبداعًا، فحاول أن تكتب قصيدة أو قصة حول موقف ما قمت بالمرور به، وإذا وجدت أن البداية بحدث صعب أمر مرهق، يمكنك التدرب عبر الكتابة عن حدث سعيد، وإذا أردت المضي نحو الخطوة التالية والتي تعطيك كامل الاستفادة من الكتابة، فعليك توفير دفتر يوميات ثابت، ووقت يومي ثابت أو متغير لا يزيد على 15 دقيقة للكتابة حول يومك وما مررت به من تجارب، خصوصًا تلك التجارب التي تثير المشاعر السلبية.