أبحاث علمية

هل هناك علاقة بين صور حساباتنا الشخصية وشخصياتنا؟

حتى نناقش ما تقوله الأبحاث حول الموضوع، سنتطرق بدايةً إلى الأساس الذي يُستند إليه عند دراسة الشخصيات وجوانبها المتعددة. بشكل عام، طُرحت العديد من النظريات في علم نفس الشخصية، والتي حاولت تقسيم السمات المتعددة للفرد ووضعها في قالب أو نموذج علمي يمكن استخدامه بشكل يسير، لكن نظرًا لوجود عدد كبير من السمات الشخصية، كان من الصعب أخذها جميعًا بعين الاعتبار في سياق القياس العلمي والوصول لنموذج موحد ومبسط في آن واحد، وهنا نجد أن نموذج السمات الخمس الكبرى للشخصية بسّط هذا التعقيد بشكل جيد، حيث قام بجمع وتقسيم أهم السمات التي يمكن أن تستخدم في وصف الفرد، ووضعها في خمسة أبعاد يمكن النظر إليها على أنها سمات رئيسية تندرج تحتها العديد من الصفات المرتبطة والمُشابهة لكل سمة رئيسية، وهي كالآتي:

  • الانبساطية (Extraversion):

يتميز الانبساطيون باندفاعهم ونشاطهم العالي، إنهم أولئك الذين تذهب لحفل أو مناسبة اجتماعية ما، فيكونون أول من تُلاحظ وجودهم وطاقتهم العالية. بالمقابل، أولئك الذين ينحازون للجانب الآخر من طيف تلك السمة، هم الأقل نشاطًا ومُشاركة في المناسبات الاجتماعية، والأقل رغبة أيضًا في التواصل مع الآخرين. يقول المُعالج النفسي “جوردن بيترسون” إن الانبساطيين غالباً ما ينظرون للعالم على أنه مكان مليء بالفرص الاجتماعية، بينما يراه الانطوائيون مكاناً عليهم الهرب منه دائماً وقضاء الوقت وحدهم.

  • الانفتاح على التجارب (Openness to Experience):

ترتبط هذه السمة بالأشخاص واسعي الخيال، المندفعين للتجارب الجديدة والمغامرات التي تكسر الروتين الممل، كما ترتبط بشكل كبير بالإبداع والاهتمام بالفن والمفاهيم المجردة، إذ لا يُمانع المنفتحون على التجارب -بل يجدون متعة- في قضاء ساعات طويلة في نقاش الأسئلة الفلسفية على سبيل المثال، بينما من تنخفض لديهم تلك السمة تجدهم على العكس من كل ذلك، لا يُحبون التغيير وكسر الروتين العملي، لا يستمتعون كثيراً بالتجارب الجديدة، ولا تثير اهتمامهم الأفكار المجردة التي لا يجدون لها مكانًا على أرض الواقع.

  • العُصابية (Neuroticism):

وتُسمّى أيضاً بسمة القلق العاطفي، وهي النقيض المباشر لسمة الثبات العاطفي. تضم هذه السمة المشاعر السلبية بمختلف أنواعها، فنجد أن العُصابيين أو من ترتفع لديهم هذه السمة تحديدًا، يستجيبون بشكل أكثر سلبية للمشكلات والضغوطات الحياتية، يكونون أقل استقراراً من الناحية العاطفية، ويختبرون مشاعر القلق والغضب وتقلبات المزاج بشكل أكبر من غيرهم بطبيعة الحال، ومن الجدير بالذكر أنهم أيضاً الفئة الأكثر قابلية لتطوير اضطرابات الاكتئاب والقلق المزمن وثنائي القطب وغيرها من اضطرابات المزاج.

  • التوافقية (Agreeableness):

مُتعاطفون، دائماً ما يُضحون، يسعون دائمًا لتجنب التصادمات والخلافات، ويهتمون بآراء الآخرين حولهم، هو أهم ما يمتاز به الأشخاص ذوو التوافقية العالية. يقابلها على الجانب الآخر من هذا الطيف سمة العدوانية، يضحي العَدائيون أيضاً، لكنهم يُضحون بسلام وتناغم البيئة حولهم مقابل أن يُثبتوا وجهة نظرهم أو يحصلوا على مساعيهم، كما أنهم يكونون عادة أقل حساسية تجاه مشاعر الآخرين، وأكثر إقبالاً على المنافسة في أماكن العمل، وعدم الاكتفاء بما يُقدَّم لهم.

  • الانضباطية (Conscientiousness):

ترتبط هذه السمة بالنظام والاجتهاد، والسلوك المُخطط، والانضباط الذاتي. من المُرجح أن تكون هذه السمة حاضرة بقوة لدى أصدقائك الذين حققوا نجاحاً أكاديمياً أو أثبتوا جدارتهم في مناصب قيادية، وقد لا تندهش إذا عرفت أن عددًا معتبراً من الدراسات لاحظ وأكدّ على العلاقة العكسية بينها وبين تسويف المهام (Procrastination)، إذ يميل ذوو الانضباطية المتدنية إلى ممارسة التسويف بوصفه أسلوب حياة، وغالباً ما يواجهون صعوبة في إتمام المهام المطلوبة منهم.

ما الذي تقوله صورتي الشخصية عنّي إذن؟

درست العديد من الأبحاث العلاقات المحتملة بين الصور الشخصية والسمات الخمس الكبرى لمستخدمي مواقع التواصل المختلفة، وذلك -في الغالب- عن طريق استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الشخصية لأعداد كبيرة من المستخدمين ورسم استنتاجات حول شخصياتهم. في دراسة شهيرة أُجريت عام 2016، قام عدد من الباحثين بجمع بيانات وصور شخصية لأكثر من 66 ألف حساب شخصي على منصة تويتر (Twitter)، وبتحليل مكونات عديدة في صورهم الشخصية، بدءًا بمحتويات الصورة الرئيسية وإذا ما كانت تضم الشخص وحده أم وجوهًا أخرى معه، بالإضافة إلى تباين الألوان وحِدّتها في الصورة، والملامح الشخصية وتعبيرات الوجوه، حتى أصغر التفاصيل، كالنسبة بين المساحة التي يحتلّها وجه الشخص إلى حجم الصورة كاملة، ثم بمقارنة نتائج التحليل مع السمات الخمس المُتوقعة لأصحابها، خلصت إلى عدة استنتاجات نستعرضها تاليًا:

  • تنوّع تجاربك بالحياة يرتبط بعدم وضع صور لوجهك

وُجد أن الأشخاص المنفتحين على التجارب كانوا أكثر ميلاً إلى ألا تضم صورهم الشخصية وجوههم، بل أشياء أُخرى. وهذا -بحسب الدراسة- يتسق مع أنهم لا يميلون للتماشي مع ما هو متوقعٌ ومعتاد (بأن يُظهروا وجوههم في المساحة المُخصصة لذلك كما هو مُتعارف عليه)، كما كانت خصائص مثل التباين والحدة في جودة الصورة أكثر وضوحًا لديهم، وهو ما يتوافق مع حسّهم الفني وميولهم الإبداعية، يمكنك أن تُرجح إذن أن صديقك الذي يضع لوحة “إيفان الرهيب يقتل ابنه” صورة شخصية له؛ سيكون متحمسًا لمُرافقتك في تجربة القفز المظلي!

  • الأشخاص الاجتماعيون يختارون صوراً مُلوّنة

من جهة أخرى، إذا كنت تنتمي إلى فئة الانبساطيين، فمن المُرجح أنك من ضمن الأشخاص الأكثر تميزاً ووضوحاً في تنوع الألوان في صورهم (Colorfulness)، كما أنك من أصحاب السمة الوحيدة من بين السمات الخمس الذين توحي صورهم بأنهم أصغر من أعمارهم الحقيقية، وفي هذا السياق أيضاً، تقل احتمالية أن تظهر مُرتديًا النظارة الطبية في صورتك الشخصية، والتي ترتبط غالباً في مخيلاتنا بالأفراد الانطوائيين (عكس الانبساطيين)، مثل زميلك على مقاعد الدراسة الذي نادراً ما يختلط بالآخرين ويُفضل الجلوس على آخر مقعد. بالإضافة إلى ذلك، كلما ارتفعت سمة الانبساطية لديك زاد احتمال أن صورتك الشخصية لا تضمك أنت فقط، فأنت أكثر ميلاً من الآخرين لوضع صورة تُظهرك وسط مجموعة من زملائك وأصدقائك، وهو ما أكدت عليه أيضاً دراسة حللت الصور الشخصية لمستخدمي الفيسبوك (Facebook)(3)، على العكس من التوافقيين وذوي الانضباطية العالية، الذين يميلون للالتزام بما هو مُتوقع أن يراه الآخرون في صورهم الشخصية، أي وجوههم هم فقط.

  • حزنك تفضحه صورتك الشخصية

أما إذا كنت قلقاً على الدوام، تتكيف مع الضغوط بشكل سلبي، وغالبًا ما تختبر تقلبات في المزاج، فقد يعني ذلك أن سمة العصابية مُرتفعة لديك، ويعني أيضاً أن صورتك الشخصية على الأرجح لا تتضمن ألوان قوس قُزح فيها، بل غالباً ما تكون صورة بسيطة لا تلتزم بمعايير الجمال المُتوقعة، كما أنك قد لا تميل لإظهار وجهك في الصورة، وحتى في حال أظهرتها، فإنك -من بين جميع السمات- الأكثر قابلية لأن تكون أقل إظهاراً لجاذبيتك وللمشاعر الإيجابية، بل ورُبما قد تعطي انطباعاً أو شعوراً عاماً سلبياً للآخرين، على العكس من أولئك الذين ترتفع لديهم سمات التوافقية والضمير، والذين وجدت الدراسة أنهم أكثر ميلًا لإظهار المشاعر الإيجابية في صورهم. وهنا يجدر بنا أن نُخبر المنفتحين على التجارب أن الدراسة وجدت أن تعابيرهم هم أيضًا قد تُوحي في صورهم بمشاعر سلبية كالحزن أو الغضب، لكن بدرجة أقل ممن أظهروا سمة العُصابية في حساباتهم، وربما يُمكن تفسير ذلك باهتمامهم بمقاييس الجمال والإبداع في صورهم الشخصية؛ ما قد يستدعي أن يُظهروا بعض الجدّية في ملامح صورهم.

كما كانت أحد أهم الفروق بين سمة العُصابية من جهة والضمير والتوافقية من جهة أخرى، طبيعة الألوان التي تحتويها الصورة، إذ كما يمكن أن تتوقع، يميل أصحاب المشاعر السلبية لأن تكون الألوان أقل حدة وتنوعًا، وربما قد يستخدمون الصور ذات ثنائية الأبيض والأسود فقط، بينما على الجانب الآخر تكون الألوان في صور التوافقيين وذوي الانضباطية العالية أكثر بهجة واحتواءً على الألوان(4).

  • هوس الإغواء: صور تُعبّر عن نرجسية أصحابها

لكن، حتى بعيداً عن الدراسات التي بحثت في السمات الخمس للشخصية، نجد أبعاداً أُخرى كانت محط الاهتمام في الدراسات، فعلى سبيل المثال، بحثت دراسات عديدة في سمة النرجسية لدى مستخدمي وسائل التواصل، ووجدت أن أولئك الذين تنطبق عليهم تلك السمة أكثر من غيرهم كانوا هم أنفسهم من يضعون صوراً أكثر جاذبية من الناحية الجسدية مقارنة بالآخرين، كما أنهم حين طلب الباحثون منهم تقييم صورهم الشخصية وصور غيرهم، كان تقييمهم لصورهم أعلى من تقييمهم لصور الآخرين، أي أنهم يعتقدون فعلاً أنهم أجمل مظهراً منهم(5)(6)، ووُجد أيضاً أنهم يقومون بتحديث صورهم الشخصية بشكل متكرر أكثر من غيرهم(6).

ومن الجدير بالذكر هنا أن النرجسية كان لها نصيب واضح من الاهتمام لدى الباحثين في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يُدرَس وجود علاقة ارتباطية بينها وبين عدة أبعاد، مثل معدل النشاط والظهور على المواقع، وتحديثات الحالة، ومشاركة الصور، والصور الشخصية، وغيرها. وهنا نجد أن هناك ربطًا مثيرًا للاهتمام بين النرجسية وصور السيلفي (Selfie) بشكل خاص، كما اقترحت دراسة أن التعليقات الإيجابية والاهتمام الذي يتلقاه المستخدمون على تلك الصور يعزز وجهة نظرهم الإيجابية حول أنفسهم، ويرفع من النرجسية، ويزيد من معدل مشاركتهم لها(7)، في حلقة لا تنتهي من توريط صنّاع وسائل التواصل لهم بمرآتهم.

  • هل أضع صورتي الشخصية كصورة لحسابي؟ ما الفرق؟

كما بحثت العديد من الدراسات في الفروق بين الجنسين وأثر ذلك على اختيار الصور الشخصية، وخلصت إلى أن الإناث يُحاولن إظهار العاطفة بشكل أكبر في صورهن، كأن يضعن صورهن مع أفراد العائلة أو مع الشريك العاطفي، أكثر من الذكور الذين كان هدفهم الأساسي التأكيد على شعورهم بالمتعة والمغامرة في صورهم الشخصية(8). قد يبدو لك الأمر منطقياً الآن وأنت تسترجع في مخيلتك الصور الشخصية لحسابك الشخصي أو حسابات معارفك وأصدقائك وتقوم بتصنيفها بناء على ما تذكره الدراسات. أيضًا بحثت دراسة حديثة في العلاقة بين شكل الصورة الشخصية للمستخدم ومستوى الرضا، ووجدت أن من يستخدمون صورهم الذاتية (صورة وجههم) صورةً شخصية، أبلغوا عن مستوى أعلى من الرضا عن الحياة مقارنة بأولئك الذين يستخدمون أشكالاً أخرى من الصور الشخصية(9).

  • محبّو القطط يختلفون عن مُحبّي الكلاب في شخصياتهم

أمّا على مستوى صور الحيوانات الأليفة وحول التنافس الأزلي بين مُحبّي القطط والكلاب، نجد أن الأبحاث درست الفروق بين شخصياتهم وأنماطها بناء على تفضيلاتهم للحيوانات الأليفة، ولكن تلك الأبحاث لم تضمن تحديداً تحليل الصور الشخصية على مواقع التواصل وربطها بسمات الأفراد وشخصياتهم، إنما كان هدفها الأساسي قياس السمات الشخصية بناء على ميل الفرد لامتلاك كلب أو قطة كحيوان أليف، وبناء على ذلك ظهرت لاحقًا الدراسات التي تربط بين الصور الشخصية وتحليل الشخصية، حيث إن احتواء صورة المستخدم الشخصية على قطة أو كلب يُعد مؤشراً على تفضيلاته(10)(11). في هذا السياق، حللت مجموعة من الباحثين ما يُقارب 62 ألف ملف شخصي لمستخدمي تويتر، ووجدوا أن ما مجموعه 17,978 من تلك الحسابات استخدم أصحابها قطة أو كلبًا صورةً شخصية، وعند تحليلها ومقارنتها مع السمات الشخصية لأصحابها (مع تثبيت عاملَي العمر والجنس/الجندر)، وجدوا فروقاً واضحة بينهم وبين بقية مستخدمي تويتر، فقد كانوا أكثر انطوائية، وأقل انفتاحاً، وأقل في سمة الانضباطية والتوافقية، بينما كانوا أكثر عُصابية، كما كانت تلك الفروقات في السمات جميعها -عدا الانفتاحية- أكثر وُضوحاً عند أصحاب صور القطط منها عند أصحاب صور الكلاب(12).

المصادر:

(1)  The Effects of Verbal Versus Photographic Self-Presentation on Impression Formation in Facebook. Journal of Communication 2012

(2)  Changing Facebook Profile Pictures as Part of a Campaign: Who Does It and Why? 2015

(3)  What Your Facebook Profile Picture Reveals about Your Personality. Proceedings of the 25th ACM international conference on Multimedia.

(4)  Analyzing Personality through Social Media Profile Picture Choice | Proceedings of the International AAAI Conference on Web and Social Media

(5)  Do Facebook Profile Pictures Reflect User’s Personality? Computers in Human Behavior 2015

(6)      The Role of Narcissism in Self-Promotion on Instagram. Personality and Individual Differences 2016

(7)      “Selfie-Ists” or “Narci-Selfiers”?: A Cross-Lagged Panel Analysis of Selfie Taking and Narcissism. Personality and Individual Differences 2016.

(8)  Gender Differences in Facebook Self-Presentation: An International Randomized Study. Computers in Human Behavior 2014

(9)  Profile Pictures in the Digital World: Self-Photographs Predict Better Life Satisfaction. Int J Environ Res Public Health 2021,

(10)  Personalities of Self-Identified “Dog People” and “Cat People.” 2015

(11)  Personality Characteristics of Dog and Cat Persons. 2015

(12)    Personality Profiles of ‘Cat’ and ‘Dog People’ in Social Media | Small Studies Big Data http://wwbp.org/blog/personality-profiles-of-cat-and-dog-people-in-social-media/

المصدر:الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock