أ. صفية حبيب ميرزا تكتب: التدريب وقود العصر!
لم يعد الجمود الفكري والركود الكلاسيكي الذي يشوب معظم المؤسسات والهيئات سواءً أكانت حكومية أو أهلية يلاءم المرحلة العصرية الحالية حيث إن ثورة المعلومات والتقنيات وفلسفة التكنولوجيا وروافدها المتعددة والمتنوعة باتت تلعب دورًا رياديًا وأصبحت تخترق كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وبالتالي فإنه من باب أولى أن تكون المؤسسات والهيئات بشقيها العام والخاص التي تخدم الدولة بمختلف أيديولوجياتها وتنوع شرائحها المجتمعية أحق بمواكبة الركب المعلوماتي الذي يبسط سيطرته على العالم فجعله في إطار العولمة عبارة عن مجتمع آلي صغير سريع التحرر والتحرك.
ولا يُنكر بأن مواكبة التطور والتغلب على الخطوب مهما بلغ تأثيرها والتحديات مهما كانت قوتها والصعوبات مهما كانت خطورتها يحتاج إلى فكر مستنير ومعالجة دقيقة للأزمات بأفكار غير تقليدية إضافة إلى إعادة بلورة العمليات الإدارية ورفع سقف الطموح المصحوب بالتنمية المهنية والتطوير والتغيير والتحسين والإصلاح الذاتي. وما من شكٍ بأن من يقود إرهاصات وتناغمات وتفاعلات تلك العملية هو التدريب باعتباره خبرات الماضي وأبستمولوجية الحاضر ووقود المستقبل، حيث بات المحرك الرئيسي والقلب النابض في كل مؤسسة إذ يساعد بشكل كبير على تطوير ورفع قدرات الموارد البشرية داخل المؤسسات والهيئات وخاصة فيما يتعلق بالتفكير وكيفية إدارة المشكلات ومعالجة المعوقات والسلبيات، كما أنه يدعم عملية هندرة الهرم الإداري برمته، فالتطوير أو التغيير المستمر أحد الأسس المهمة في عملية النجاح على مستوى الفرد والمجتمع بل ويعد ذلك استجابة لنظرية كايزن اليابانية (改善)، (kaizen) لمبتكرها تايشي أوهونو Tailchi Ohno 1984م التي تعني التغيير للأفضل، بحيث يشارك جميع العاملين في عملية التحسين وعلى جميع المستويات الإدارية، بغض النظر عن مراكزهم الوظيفية من الإدارة العليا إلى عامل التنظيف فيها. وتفعيل الاستخدام الأمثل للموارد المالية دون الحاجة إلى تخصيص استثمارات وموارد جديدة بهدف خفض التكاليف وتقليل الفاقد والهدر في الموارد واستغلال الوقت بشكل قياسي وزيادة معدل الإنتاج للمؤسسة مهما كانت خدماتها ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الجودة وتضافر جهود العاملين وانخراطهم ومشاركتهم ورغبتهم في التغيير والانضباط الشخصي لديهم والعمل الجماعي ورفع الروح المعنوية والولاء التنظيمي لهم، بالإضافة إلى السعي نحو التقليل في زمن التشغيل وزيادة كفاءة العاملين والتوفير في تكلفة الخدمة أو المنتج وتقليل الأخطاء وكذلك التقليل في المساحة المستخدمة داخل المؤسسة، والتحسن الملموس في محتويات وأداء العاملين وتمكينهم واكتشاف القدرات والإمكانيات الجديدة لديهم بالإضافة إلى خلق بيئة قيادية متفاعلة مع النتائج وترغب في صنع التغيير مهما كلف الأمر من جهود.
ولا يمكن التغيير للأفضل والحرص على استمرارية التطوير إن لم يكن هناك تدريب يساعد على تغيير الأفكار وتحسين البيئة التفاعلية ودمج الأفكار والمقترحات الصغيرة لتشكل في نهاية الأمر تطورًا كبيرًا للمؤسسة برمتها سواءً أكان ذلك على مستوى القيادات أو الأفراد أو الإنتاج ككل، فالمجتمع لا يشغله ولا يهمه سوى مستوى جودة المنتج إن كانت العمليات التي مر بها طويلة أم قصيرة، وبالتالي فإن التطوير والتغيير يعتبر الأساس الذي من المفترض أن تحرص عليه أي مؤسسة مهما كانت خدماتها مادامت ارتضت بأن تكون واجهة خادمة للمجتمع ولن يتم ذلك إلا من خلال التدريب ورفع مستوى الأداء المهني لجميع العاملين في بيئة عمل ديمقراطية ومناخ حر يساعد على الإبداع وخلق تنافس بين الجميع دون تفريق.
بقلم : أ. صفيه حبيب ميرزا