لقاءات أكاديمياقسم السلايدشو

طارق فخرالدين: وضع مهنة الترجمة في الكويت يهدّد التنمية

يلتفت المتابعون للشأن الثقافي إلى الترجمة في جانبها الأدبي أو الثقافي عموما، كنقل أمهات التراث الإنساني والفكر العالمي؛ نقل قد تشوبه عيوب وأوجه قصور يتغاضى عنها القراء من أجل المتعة. لكن الترجمة لا تتعلق فقط بهذا الشق الإبداعي، بل تدخل في صميم تعاطي الدولة مع مشاريع التنمية والتطوير. ظواهر الاختلال والارتجال في الترجمة قد تؤدي إلى إساءات فهم عميقة، وإلى بُعد مضاعف عن مجريات الأحداث والتطورات. في هذا الحوار يضع الكاتب والمترجم ورئيس جمعية المترجمين الكويتية د. طارق فخرالدين يده على كثير من إشكاليات الترجمة في العالم العربي والكويت.

– الترجمة والمترجم في الكويت كيف تراهما؟

أقول لك وبكل مرارة، إن مهنة الترجمة تعاني اختلالات جوهرية، في رأيي ان وضع الترجمة في الكويت مصدر خطر على التنمية في البلاد والتطور المعتمد على التوافق مع معطيات الجودة العالمية، لا يوجد قانون ينظم اشتراطات مزاولة مهنة الترجمة، كما أن وزارة الإعلام الكويتية ألغت شرط حصول طالب الترجمة على شهادة تخصصية باللغة الأجنبية كما كان معمولاً به في السابق، لذا فإن وضع الترجمة في الكويت لا يخضع لأية معايير مهنية من حيث الرقابة وتحديد المسؤولية والكفاءة والخبرة، وهذا الوضع كثيراً ما يؤدي إلى نتائج مأساوية تتمثل في خسائر كبيرة أحياناً تترتب على عدم دقة الترجمة، وفي غياب الرقابة المهنية ومعايير الجودة يُعهد إلى مترجمين غير أكفاء بترجمة أمور دقيقة ووثائق مهمة وهم غير مؤهلين لهذا العمل، في كل مكان وميدان يسود شعار «العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة»، إلا في مجال الترجمة إذ ينعكس الوضع ويصبح «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة»!

– ما المعوقات التي تعترض ترجمة الأدب الكويتي إلى اللغات الأخرى؟

توجد بعض الترجمات للأدب الكويتي إلى لغات أخرى، ولكن لم يتم تقييمها لغاية الآن على مبلغ علمي، ولقد قرأت بعض ترجمات الأدب الكويتي إلى الانكليزية ولم أجد أنها ترجمة مؤثرة، ومن واقع تجربتي المتواضعة في هذا المجال، أستطيع القول إن ترجمة الأدب الكويتي إلى اللغات الأجنبية يجب أن تتصدى لها فرق عمل، بمعنى ألا يكون المترجم فرداً، وأن يخضع عمله للمراجعة، وربما للتحرير أي إعادة الصياغة، فنحن عندما نترجم أدبنا لتقديمه للآخرين، ينبغي أن ندرك أهمية مخاطبة الآخر بمفاهيمه واستخداماته اللغوية ومرجعياته الثقافية.

– الترجمة بمنزلة جسر بين لغتين ما الذي يجب أن يتوافر في المترجم بين لغتين؟

لقد وصفت الترجمة بأنها جسر، وهي كذلك، المترجم هو مهندس هذا الجسر ومنفذه، لا بد أن يكون المترجم مؤهلاً بالممارسة والتدريب المستمرين والبحث والاستقصاء، والنهم للمعرفة من جميع مصادرها، والفضول اللامتناهي إلى ضبط مصطلحاته وظلالها ومفاهيمها، والمرونة الأسلوبية، ونقد الذات وعشق الاطلاع على ثقافات الآخرين بكل اللغات التي يعرفها، وسؤال أهل الخبرة، والاستفسار من أهل الاختصاص في المجالات التي يتناولها. والشعور المرهف بالمعاني والكلمات وتنمية ثقافته اللغوية باستمرار، مع إخضاع عمله لمعايير الجودة المهنية مثل المراجعة والتدقيق وسلامة الصياغة، وبهذا يمكن لهذا المترجم أن يبني جسراً صلباً لا ينهار من أول استخدام.

– هناك اهتمام متزايد بترجمة الروايات العالمية إلى العربية ما السبب في رأيك؟

ربما يكون السبب تموضع العالم العربي في قلب مسارات التواصل مع العالم وتفاعله مع الثقافات المحيطة به عبر التاريخ، لذا فمن الطبيعي أن يبدي العرب اهتماما بترجمة آداب الشعوب الأخرى إلى العربية وخاصة الرواية، وذلك لما تحمله من قيم وتجارب إنسانية تجد صداها المباشر في الوجدان العربي المتعطش للتعرف على تجارب الحياة الإنسانية في المجتمعات الأخرى. خصوصاً في عصر الانفتاح الواسع أمام التفاعل البشري في ظل العولمة المتنامية وتعدد وسائل التواصل، وهو ما تقدمه الرواية.

ولذا، فإنني أدعو إلى تطبيق المعايير المهنية على الترجمات الروائية، ابتداء من انتقاء العمل الروائي المرشح للترجمة، مروراً بالترجمة ومن ثم المراجعة والتحرير، ولعل مثال «غولد بلات» في ترجمة أعمال الكاتب الصيني مو يان للإنكليزية يقدم لنا النموذج الأمثل لما أعنيه، فلم يقتصر دور بلات على كونه مترجماً لأعمال يان، بل كان يقوم أيضاً بدور المحرر بالتعاون مع الكاتب وبموافقته، وهكذا مارس بلات تأثيراً إيجابياً في ترجماته لمؤلفات يان، ما أدى إلى فوز المؤلف الصيني بجائزة نوبل للآداب.

– هناك مقولة تتردد كثيرا وهي أن «الترجمة خيانة للنص الأصلي» هل تتفق مع هذه المقولة أم أنك ضدها ولماذا؟

ذلك يعتمد على عنصرين أساسيين: كاتب النص الأصلي، هل تصدر رائحة الخيانة من نصه؟ بمعنى عدم وضوح النص او تضليله للقارئ، سواء كان بقصد أو غير قصد، فالكثير من العقود القانونية والقرارات السياسية تحتوي على عبارات مبهمة، والكثير من المداولات التي تتم في الدهاليز السياسية وغيرها من الاروقة تتسم بالغموض والعبارات اللزجة والمصطلحات المطاطة التي يمكن تفسيرها على أكثر من وجه، فماذا يفعل المترجم إزاء هذا الوضع؟ أينقل الغموض والازدواجية كما هما؟ أم يحاول التفسير؟ في رأيي أنه لا ينبغي عليه حل المعضلات التي لا يكون هو صاحبها، وألا يتجاوز دوره كوسيط أمين، خيانة المؤلف تتبعه في الترجمة، ولا ذنب للمترجم في ذلك، وأنا أتحدث هنا عن المترجم المتمكن، أما المترجم غير المتمكن فإن تدني معرفته وخبرته يقود الى ارتكاب الخيانات والحماقات.

– هل تتابع أعمال الأدباء الكويتيين ممن يكتبون أعمالهم باللغات الأجنبية؟

هناك عدد من الأدباء الكويتيين ممن يكتبون ببعض اللغات الأجنبية شعرا ونثرا، وينشرون أدبهم باللغة الانكليزية باستمرار في موقع خاص بهم على الانترنت، وبعضهم نشر أعماله في الغرب بكتب مطبوعة، وهؤلاء يزيد عددهم عن العشرين كاتباً، وقد تواصلت مع عدد منهم، وترجمت للعربية قصتين لأحدهم، وهو طبيب كويتي شاب، وقد نشرت الترجمتين في مجلة البيان التي تصدرها رابطة الأدباء، وأتمنى أن يجد هؤلاء الكتاب الدعم والتشجيع من الجهات الثقافية الكويتية، فهم كتاب متميزون ويكتبون بلغة إنكليزية متميزة، ويعتبرون ثروة قومية، ومن جانبي قمت بتجميع نماذج لكتابات هؤلاء بهدف إصدارها في كتاب أتمنى أن تتبناه إحدى دور النشر أو الجهات الثقافية بالدولة، ليرى النور وينشر الإبداع الكويتي الشاب باللغة العالمية الأولى في الكرة الأرضية.

– جمعية المترجمين الكويتية حديثة نسبية حدثنا عن دورها وعن مشروعات المستقبل؟

جمعية المترجمين الكويتية تخضع حالياً لإجراءات الإشهار المعمول بها لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وأود ان أوجه الثناء لمديرة إدارة الجمعيات الأهلية والمسؤولين بالإدارة على تعاونهم وتجاوبهم الطيب معنا في هذا الصدد، ونأمل أن تنتهي الإجراءات قريباً لكي تنطلق الجمعية إلى تحقيق أهدافها التي رسمها مؤسسوها الذين يشملون عدداً معتبرا من أساتذة اللغات في جامعة الكويت والتعليم التطبيقي، بالإضافة إلى عدد كبير من المترجمين في الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، وتتنوع مهاراتهم في الترجمة بين أكاديمية ومهنية في ميادين الترجمة الفورية والتحريرية، ولدى عدد منهم كتب مترجمة منشورة من قبل الجهات الأهلية والرسمية في الكويت، وتشمل اللغات الأجنبية التي يجيدونها الإنكليزية والفرنسية والروسية والأسبانية واليابانية والصينية، وجميعهم من الشباب الكويتي المكرس لطاقاته في مجال الترجمة.

أما عن المشاريع المستقبلية، فإن الجمعية تنوي التعاون الوثيق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتقديم خبرات أعضائها للمجلس في مجالات الترجمة والمراجعة والتحرير والتدريب باللغات المختلفة وفي إحياء المناسبات الثقافية التي يرعاها المجلس.

هل ينبغي لمن يتصدى لترجمة الأدب أن يكون أديباً؟

ينبغي له أن يكون مترجماً وكاتباً بلغته الأصلية أو اللغة التي ينقل إليها، أو بكلتيهما، وإذا كان أديباً فإن موهبته الأدبية ستضفي تاجاً رائعا على ترجمته، ولكن المحظور يتجلى في تدخل الأديب في العمل الأدبي الذي يتصدى لترجمته، ولعل أبلغ دليل على ما أقول يتمثل في تعدد الترجمات العربية لديوان «عمر الخيام» ابتداء من البستاني ومروراً برامي والنجفي والعريض وغيرهم، جميعهم ترجموا ديوان الخيام، ولكن ترجماتهم متباعدة من حيث المحتوى والصورة الشعرية والأسلوب، وكأننا أمام خمسة شعراء يطلقون على أنفسهم «عمر الخيام». وقد يكون السبب في ذلك استنادهم إلى طبعات مختلفة من شعر الخيام، أو تدخلهم في الصياغة، وهنا يجب على الأديب المترجم أن يوضح مصادره التي يترجم منها وأن يذكر منهجه في الترجمة: هل تدخل فيها.. أم التزم بالنص الأصلي؟

القبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock