أكاديميون: تزايد معدلات الطلاق في الكويت
الطلاق ظاهرة مؤسفة تتسبّب في تفكّك المجتمع، ويقع ضحيتها الأبناء الذين يعانون كثيراً بسبب نشأتهم بعيداً عن أحد الوالدين، كما أن «أبغض الحلال» تترتب عليه آثار سلبية أخرى تستلزم وقفة إزاءها. ومن الملاحظ أن ظاهرة الطلاق السريع، الذي يقع بعد مرور فترة وجيزة من الزواج، تزايدت كثيراً في الآونة الأخيرة، وبالنظر إلى أسباب الطلاق عموماً يتضح أن الزواج المبكر هو المتهم الأول في الانفصال السريع، حيث تكشف الإحصائيات أن أغلب حالات «أبغض الحلال» تقع أثناء السنوات الأربع الأولى من الزواج بين الشباب، لعدم نضج طرفي شريكي الحياة من جهة، فضلاً عن تدخّلات الأهل في حياة أبنائهم من جهة أخرى، بجانب عوامل أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية، وغيرها.
وعند مناقشة مجموعة من الأكاديميين والاختصاصيين عن موضوع الطلاق كان رأيهم كالتالي :
حيث أكد بعضهم أن معدلات الطلاق في الكويت ارتفعت بصورة كبيرة في الآونة الاخيرة، ما يتسبّب في تفكّك الاسرة؛ التي هي نواة المجتمع، بجانب آثاره السلبية في الاطفال، الذين يُصاب كثير منهم بالاكتئاب والانطواء جراء انفصال والديهما. اعتبر أساتذة علم نفس واجتماع أن مواقع التواصل تتسبّب في زعزعة الاستقرار الأسري أحياناً، فهي تلعب دور «خرّابة البيوت»، على حد قولهم. قال أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية د.خالد الشلال إن الطلاق له أسباب عدة، وهو موجود في جميع المجتمعات، مبيناً أن سهولة الطلاق في الدول الاسلامية زادت معدلاته في مجتمعاتنا، بينما تتطلب أغلب المذاهب المسيحية خطوات عدة لإتمام الطلاق، ومن ثم قد يتصالح الزوجان قبل وقوعه. وأضاف الشلال : إن المجتمع الكويتي به ثقافات عدة تؤمن بوجود أنواع متعدّدة من الزواج؛ كالمسيار والمتعة، الأمر الذي قد يساهم في ارتفاع حالات الطلاق، مشيراً إلى أن هناك أسباباً مادية لحدوث الانفصال؛ كاختلاف المستويين الاجتماعي والمادي بين الزوجين. وشدّد على أن عدم الزواج أفضل من التسرّع في اختيار شريك حياة بصورة خطأ، مبيناً أنه ليس من مصلحة الفتاة أن تشترط أسرتها مؤخراً كبيراً عند الزواج، فقد يرفض الزوج تطليق المرأة؛ تفادياً لدفع النفقة والمؤخر، الأمر الذي يتسبّب في معاناة الزوجة والأطفال، في حين يمكن للرجل أن يتزوج بأخرى.
-لماذا التسرُّع؟
ولفت الشلال إلى أن الزواج المبكر وتسرّع الأسر في إتمام الاقتران من غير تعارف كافٍ بين الشريكين، سببان أساسيان للطلاق بين الشباب، مبيناً أن العمر المناسب للزواج هو 25 سنة فما فوق، حيث تبدأ الشخصية بالتكوّن، ويستطيع الفرد تحديد أهدافه في الحياة، كما يتمّكن من الاختيار المناسب في كثير من الأحيان. وأضاف ان زواج الفتيات في عمر صغير يجعلهن معرّضات للتغيّر في الآراء وطلبهن الطلاق بعد مرور سنوات قليلة على الزواج، ما يتسبّب في عواقب كثيرة، لا سيما مع وجود الأطفال، مشيراً إلى أنه «كلما كان عمر الشريكين متقدماً عند الزواج، ازدادت فرصة استمرار العلاقة». وأشار الشلال إلى أن المجتمع الكويتي سابقاً كان متجانساً بشكل كبير، ويرفض فكرة الطلاق، في حين حالياً مع وجود التطور ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح هناك تقبّل للانفصال.
-دورات الاستقلالية :
من جانبه، أكد أستاذ علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية د.موسى الرشيدي أن بعض الدورات التي انتشرت مؤخراً عن الاستقلالية وتحقيق الذات، اتخذت منحى سلبيا، حيث شجّعت الأفراد على التخلّي عن العلاقات الانسانية بدعوى قوة الشخصية وعدم الاحتياج للآخرين، مبيناً أن هذه الدورات لعبت دوراً كبيراً في تعويد الأزواج على العزلة. وأضاف الرشيدي ان الطموح والاعتماد على الذات من الأمور المهمة، لكن لا يكون ذلك على حساب الروابط الانسانية، مبيناً أن الدعم الحكومي للمطلقات ساهم في ازدياد الطلاق؛ إذ تغري الامتيازات المادية بعض النساء لطلب الطلاق. ولفت إلى أن بعض المسلسلات أصبحت مشجّعة للفتيات على الطلاق، الأمر الذي أدى الى ازدياد حالات الانفصال، لأسباب بسيطة ومشاكل «تافهة»، يمكن حلها بالحوار والتفاهم، مشيراً إلى أن بعض حالات الطلاق سببها تعنيف المرأة، أو إدمان الرجل وتعدّد علاقاته النسائية.
الأعلى خليجياً وفق المركز الإحصائي لدول التعاون: 20 حالة يومياً في الكويت
كشف المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي في تقريره السنوي عن حالات الزواج والطلاق أن الكويت احتلت المرتبة الأولى في معدلات الطلاق الخام والذي يعني «عدد حالات الطلاق من بين كل 1000 مواطن». وأوضحت الإحصائية أن السنوات من 2010 حتى 2016 سجلت ارتفاعا بنسبة %55 في إجمالي حالات الطلاق بدول المجلس، كما بينت الاحصائيات الصادرة من وزارات العدل في دول الخليج استمرار ارتفاع معدلات «أبغض الحلال» عامي 2017 و2018. وبينت الإحصائية أن دول المجلس تشهد 196 حالة طلاق يومياً، وسجلت الكويت أعلى معدل طلاق خام بين دول المجلس بواقع 1.8 حالة لكل ألف من السكان، وجاءت ثانياً بعد السعودية في الطلاق العام بنسبة %10. وأضافت ان الكويت شهدت ارتفاعا مستمرا في حالات الطلاق بنسبة مقدارها %21.1 في فترة المقارنة، وهناك نحو 20 حالة طلاق تشهدها البلاد يومياً أكثرها تحدث بين الكويتيين. ولفتت البيانات إلى أن حالات الطلاق بين المقيمين في الكويت زادت خلال الفترة ذاتها لتشكل %27.2 من إجمالي الحالات الواقعة في المحاكم بحسب البيانات المتوافرة فيما احتل المواطنون %72.8.
– أستاذ قانون: المعدلات مخيفة.. والمطلوب مراجعة تشريعات الأسرة:
ذكر أستاذ القانون د. يوسف الانصاري أن معدلات الطلاق في الكويت مخيفة جدا، لافتا إلى ارتفاع القضايا الأسرية أمام المحاكم الكويتية، مؤكدا أن الامر بحاجة الى وقفة جادة من الحكومة لمعالجة هذا الخلل ومراجعة تشريعات محكمة الاسرة. واضاف الانصاري أن ارتفاع سقف التطلعات قد يكون سبباً أساسيا في حدوث الطلاق، فقد تظهر للزوج أو الزوجة صفات لم يتم التعرف عليها خلال فترة الخطبة، ومن هنا يجب النظر إلى هذه التطلعات بشكل منطقي، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه، كما يجب أن نعيش الحياة بحلوها ومرها، وهكذا يتم تخفيض سقف الأماني، فالحياة ليست جنة كما يتصور البعض، ولكنها ممتلئة بالمتاعب والصعاب. وبين أنه قد تكون للزوج بعض الانحرافات السلوكية، كالسهر خارج البيت ومن ثم ينعزل عن حياة الأسرة، وقد يكون كثير النقد أو قاسياً في التعامل مع الزوجة، وبذلك لا يعي طبيعة المرأة عاطفياً ونفسياً. وذكر الأنصاري أن الغضب وسرعة الانفعال من أعظم أسباب هدم الحياة الزوجية، لأنهما يسدان باب الحوار والتفاهم بين الزوجين.
-سنة أولى زواج:
كشفت الإحصائيات عن عشرات حالات الطلاق التي وقعت بعد مرور سنة واحدة من الزواج، وهو مؤشر خطير يدل على أن الاختيار غير المدروس لشريك الحياة من أبرز العوامل في عدم التفاهم وغياب الانسجام ومن ثم تنتهي الحال بالانفصال.
– الشباب المدللون بلا مسؤولية :
ذكرت أستاذة التربية الأساسية د.صبرا الفهد أن للطلاق أسباباً كثيرة؛ منها: عدم اتفاق الطرفين على كيفية حل المشاكل التي تواجههما، والأسلوب المناسب للتعامل مع هذه المشكلات، ما يسبّب الكثير من حالات الطلاق في السنوات الأولى من الزواج. وأضافت الفهد: كثير من الأزواج والزوجات لا يجيدون ثقافة الحوار، ويواجهون المشكلات والعقبات اليومية بالصراخ، ما يزيد الأمر تعقيداً، وكثير من الزيجات تتم بسبب الحسب والنسب والمال، والجمال فقط، بصرف النظر عن مدى تقبّل الزوجين، بعضهما لبعض. وأكدت الفهد أن كثيراً من الشباب هذه الأيام مدلَّلون داخل الأسرة، ولا يعرفون شيئا عن إدارة شؤونها؛ لذلك يجب أن نحمِّل أبناءنا المسؤولية.
-زوجي بخيل!
أكد أساتذة علم اجتماع أن بعض الفتيات لديهن طموحات ومتطلبات مادية تفوق قدرة شريك الحياة في مقتبل حياته، مما يؤدي إلى خلاف مستمر بين الأزواج، وفي بعض الأحيان يكون للأزواج أساليب إنفاق مختلفة، وفي المقابل قد يكون الزوج مقتدراً مالياً لكنه بخيل جداً إلى حد التقتير على زوجته وأبنائه.
– أين الحوار؟
من أبرز مسببات الطلاق غياب الحوار بين شريكي الحياة، ووفق أساتذة علم النفس فإن التناغم النفسي بين الزوجين ركيزة للاستقرار الأسري، وينعكس إيجابياً على ديمومة العلاقة الزوجية، فضلا عن خلق جو مريح وهادئ لتربية أبناء أسوياء، على عكس المحيط الأسري الذي تعصف به الخلافات والشجار.
-حلول عاجلة :
شدد مسؤولون وناشطون في القضايا الأسرية على ضرورة تكاتف الجهات المعنية لوضع حلول عاجلة لظاهرة الطلاق، مشيرين إلى ان تزايد الحالات المسجلة لدى وزارة العدل يستلزم وقفة لدراسة الأسباب ووضع الحلول.