كتاب أكاديميا

أ. جاسم حسن يكتب: خرافة تعدد المهام

كثيرون يفتخرون بأنهم لديهم القدرة على تعدد المهام multitasking  أي أنهم يقومون بأكثر من مهمة بنفس الوقت، فترى أحدهم يكتب التقرير ويرد على الهاتف ويكلم زميله ويقرأ رسائل البريد الإلكتروني كل ذلك بنفس الوقت ، وهذا طبعا مستحيل ففي كل لحظة هو يقوم بجزء من المهمة وينتقل بين أجزاء تلك المهام المختلفة  بسرعة واهما نفسه بأنه يقوم بكل تلك المهام بنفس اللحظة، ولكن ما المشكلة بالانتقال بين تلك المهام والقيام بتلك المهام بنفس الوقت؟

عندما تسأل أي شخص يقوم بتعدد المهام سيقول أنني أقوم بذلك لأنجز أكثر في وقت أقل، ولكن النتيجة للأسف عكس ذلك تماما، ففي دراسة نشرت في موقع الجمعية الأمريكية لعلم النفس تقول بأن تعدد المهام تخفض الإنتاجية بنسبة 30% إلى 40% ، وذلك لأن التنقل بين المهام يتطلب وقت ذهني أكثر، فعلى سبيل المثال عندما بدأت كتابة هذا المقال بدأت الأفكار تنساب كالماء وبدأت الكتابة وفجأة انقطعت حبل أفكاري بسبب مكالمة هاتفية وبعد أن عدت للكتابة اضطررت أن أقرأ من البداية لأتذكر أين كنت وماذا كنت سأكتب، دعني أوضح بمثال آخر لأبسط الفكرة أكثر: افرض جدلا بأنه لديك سيارة تحتاج إلى 5 دقائق للوصول من صفر لسرعة 100 كم/ساعة (قلت افرض جدلا ..) ، لو انك توقفت لأمور جانبية خلال رحلتك لهدفك فسيكلفك ذلك 5 دقائق إضافية في كل مرة تقف فيها.

مجلة فوربز Forbes في عددها في فبراير 2017 نشرت مقال بعنوان: “هل تريد أن تزيد انتاجيتك؟ توقف عن تعدد المهام”، ذكر المقال بأن فقط 2% من الناس يستطيعون فعلا القيام بتعدد المهام ولكن حتى هؤلاء لا يفعلون ذلك، لأنهم يعلمون بأن التركيز على مهمة واحدة حتى الانتهاء منها ثم الانتقال بعدها للمهمة التالية يعطي نتائج أفضل ويتطلب وقت أقل.

لذا من الأفضل أن توزع المهام حسب الأولويات وتقوم بكل مهمة على حدة حتى تنتهي منها تماما ومن بعدها تنتقل للمهمة التي تليها، وحين تقوم بذلك وبعد وقت قليل ستجد نفسك تدخل في مرحلة the Flow كما سماها د ميهالي جكستميهالي Mihaly Csikszentmihaly الذي قام بعمل دراسة عن أداء مجموعة من الأشخاص، ومرحلة  The Flow هي حالة من التركيز الذهني العالي خلال القيام بعمل ما بحيث يكون الشخص مستمتع بالقيام به فلا يشعر بمرور الوقت ومع التزام تام ودون أن يشتت انتباهه أي شيء، ولا بد أنك رأيت أشخاص أو كنت أنت أحدهم الذي مر بتلك المرحلة ووجدت نفسك تقوم بعمل وفقدت الشعور بالوقت وكان كل تركيزك على العمل الحالي الذي تقوم به وكنت تستمتع بكل لحظة، ونتيجة هذا التركيز كان انجاز العمل في وقت أقل وبدقة عالية لأنه لم يكن هناك أي شيء يشتت انتباهك.

وقد تتساءل كيف أركز مع كل تلك الملهيات التي تشتت انتباهك في كل لحظة كرسائل الهاتف والمكالمات والإيمات ومقاطعات العمل؟

ليست كل الأعمال تتطلب تركيز عالي، فهناك بعض الأعمال البسيطة والروتينية نستطيع أن نقوم بها مع مهام بسيطة أخرى بنفس الوقت، ولكن هناك مهام تتطلب تركيز عالي ولتك المهام ننصح بأن تقسمها لأجزاء ثم تركز على كل جزء حتى تنتهي منه ، وهناك طريقة أنصح باستخدامها خصوصا للذين يجدون صعوبة في التركيز ويسهل تشتيت أذهانهم.

قبل البدء بالمهمة حدد الوقت الذي تحتاجه فلنفترض 45 دقيقة ، استخدم مؤقت (كالذي في هاتفك) بحيث يعطيك تنبيه بعد 45 دقيقة ولكن قبل أن تبدأ يجب أن تمنع كل المقاطعات وتضع هاتفك على وضعية الصامت تماما (ليس هزاز) بحيث لا تحصل على أي نوع من التنبيه بوصول رسالة لكي لا تتشتت ذهنيا وحتى التنبيهات التي على جهازك كالإيميل وتنبيهات التواصل الاجتماعية توقفها أو تتجاهلها تماما ، وبمجرد أن يبدأ التوقيت تنغمس بالعمل تماما ولا تتوقف عن العمل حتى تسمع تنبيه الانتهاء من الوقت المحدد، وفي حالة توقفك قبل نهاية الوقت فعليك أن تعيد الكرة حتى تتعود على التركيز على عمل محدد وتدخل مرحلة Flow  فتجد نفسك تستمع بما تقوم به بتركيز عالي وانتاجية عالية.

بقلم : أ. جاسم حسن

معد وأحد مقدمي بودكاست ما قل ودل

SJ.Nutshells podcast

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock