استعادة الثقة معركة 2019 بالنسبة للصحف
لم تعد مكافحة الأخبار الكاذبة سوى وجه من أوجه المعارك، التي يقول المختصون إن على الصحافة الورقية ان تخوضها في عام 2019، وأبرزها استعادة ثقة القراء.
وتعاني الصحافة في الدول الديموقراطية منذ سنوات من انتقادات لاذعة، ولكن هذه الهجمة ضد الصحافة وموجة الكراهية التي طالتها، برزت بشكل كبير خلال التظاهرات التي تنظمها منذ شهور حركة السترات الصفراء في فرنسا، فكيف يمكن للصحافة ان تكسب ثقة القراء التي خسرتها، وكيف يمكن لها أن تعزز شفافيتها ومصداقيتها؟
نشرت صحيفتا لوموند وليبيراسيون الفرنسيتين الاسبوع الماضي عدة مقالات مطولة، موجهة للصحافيين، حيث اهتمت ليبيراسيون بما سمته «اختبار الثقة» لدى الصحافيين الذين يعانون من المقاطعة والتهديد والشتائم، وحتى الضرب في فرنسا، بسؤال 25 صحافيا يعملون في عدة قطاعات، بينما سألت لوموند الصحافيين عما اذا كانوا يخضعون في تعاطيهم مع الاخبار لتوجهات الملاك او الدولة التي تمول، او عما إذا كانوا قد تعرضوا لغسل دماغ وضعهم جميعاً في قالب واحد.
لقد دفع الرفض العنيف، الذي واجهت به السترات الصفراء وسائل الاعلام، المؤسسات الاعلامية الى سبر أغوارها ومحاولة معرفة أسباب هذه الكراهية، في تمرين يبدو نادراً ومؤلماً أيضاً.
كراهية الصحافة
في الحقيقة، تراجعت ثقة القراء في الصحافة في الدول الديموقراطية منذ سنوات، وقد أشار تقرير منظمة مراسلون بلا حدود العام الماضي إلى أن كراهية الصحافة تهدد الديموقراطيات، فالصحافيون المستهدفون في الدول القمعية أصبحوا متهمين بالتمويه، أما الصحافيون في الديموقراطيات فتهمتهم هي العمى السياسي والاجتماعي، كما يعتبرهم البعض «عملاء للدعاية»
ونقلت صحيفة ليبيراسيون عن سيلفان مورفان مؤسس ميديا سيتي قوله «ان الصحافيين يكتبون بحرية ما برمجوا على كتابته اجتماعيا».
وليست فرنسا من تعيش ازمة صحافة فقط، فقد اكدت دراسة اجرتها مؤسسة «جي اف اس برن» نشرت نتائجها صحيفة لوتون السويسرية ان 17 في المئة من الشباب السويسري الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و25 عاما لا يثقون بالصحافيين.
أبرز الاتجاهات
ويقول فيليب لالو نائب رئيس تحرير صحيفة لوسوار البلجيكية السابق في مقال صحافي ان ابرز اتجاهات الصحافة في 2019 هي استعادة ثقة القراء.
ويضيف «لقد ركزنا كثيرا على النموذج الاقتصادي للمؤسسات الاعلامية ومنذ سنوات ونحن نحاول العثور على اجوبة تقنية وتكنولوجية تتعلق بمرجعيتنا على محركات البحث او على ضرورة الانتقال الى استخدام فيديو 360 درجة، وانا احد المذنبين لأننا نسينا أن فيسبوك لايف واشياء اخرى ما هي الا ادوات… الصفعة قوية اليوم وعلينا أن نعود الى اساسيات الصحافة».
وتعتقد استاذة الصحافة الرقمية في جامعة نوشاتل ناتالي بينيار شينيل في مقابلة مع صحيفة لوتون السويسرية ان الصحافة التقليدية لا تزال تقاوم بعض المطالب وابرزها ان تكون تشاركية أكثر وأفقية.
وتضيف «لا نزال نسمع من الصحافيين قولهم ان وظيفتهم ليست تبادل الافكار مع الجمهور وانما انتاج الاخبار، لكن ارى ان الوعي يتزايد في هذا الخصوص حتى لدى الصحافيين المتقدمين في العمر لأننا وصلنا الى نقطة التحول».
واشارت بينيار شينيل الى ان صحافيين يعملون في وسائل الاعلام الجديدة تمكنوا من كسب ثقة الجمهور، فريمي بويزين مثلا هو احد الصحافيين القلائل الذين انخرطوا في الاستماع الى هموم الناس ويلقون قبولا لدى حركة السترات الصفراء.
وتابعت «هذه الصحافة بدأت تصنع نفسها اليوم وهذا النقاش والتفاعل الدائم مع الجمهور يستجيب للطلب».
أزمة حادة
مشكلة فقدان وسائل الاعلام لثقة الجمهور حادة جدا في الولايات المتحدة الاميركية، وقد تعزز هذا الاتجاه منذ انتخاب دونالد ترامب، الذي لا يتوانى عن الاستهزاء ببعض المؤسسات
الإعلام، ولعل أبرزها «سي إن إن».
وتشير دراسة أنجزها مركز الأبحاث PEW إلى أن الأميركيين أصبحوا يتابعون الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس الصحف منذ نهاية 2008.
وقد وقّعت المئات من العناوين الصحافية الأميركية في صيف 2018 نداء بوسطن غلوب، الذي نُشر تحت عنوان «الصحافيون ليسوا أعداء»، في حين رصد الأكاديميان ليزا هياموتو وتود ميلبورن أربعة عوامل، يمكن ان تعيد بناء الثقة بين الصحافة والجمهور، خلال دراسة علمية، وهي: الشفافية الجذرية والاهتمام أكثر بالأصوات المحلية وتقديم معلومات بناءة أكثر، والتزام الصحافة بالقضايا والقيم.
ويعتقد الباحثان ان هذه العوامل الأربعة ستكون أبرز ما ستهتم به الصحافة في 2019.
أربعة عوامل تعيد بناء الثقة
1 – الشفافية
2 – الاهتمام بالأصوات المحلية
3 – تقديم معلومات بناءة
4 – التزام بالقضايا والقيم
الشفافية
تعني الشفافية ان تنقل الصحافة ظروف صناعة الخبر وترد مباشرة وبشجاعة على انشغالات الجمهور، مثلما شرعت فيه إذاعة وتلفزيون صربيا، من خلال البودكاست، الذي تنشره على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وترد فيه حتى على تعليقات الجمهور على ماركة الملابس التي يرتديها المذيع، وأثارت جدلاً لدى الرأي العام إلى ظروف استخدام كلمة «إرهابي» «في أحد ريبورتاجات القناة.
والشفافية أيضاً تمر عبر نشر ميثاق الشرف وأخلاقيات المهنة والفصل الواضح بين المضمون الإعلامي والإعلانات.
الخبر الإيجابي
صحافة الحلول ليست مهرجانات للأخبار الجيدة مثلما يسعى البعض لتروجيه، وإنما تعتمد على إبراز الحلول الممكنة، والتي شُرع في تنفيذها لوضع حد لأي مشكلة، كما تفضل الحوار على النقاش وفق ما انتهت إليه ندوة احتضنتها جنيف الأسبوع الماضي عن الصحافة البناءة، وشارك فيها 500 شخصية من 50 دولة، بينها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش.
وجاء في توصيات الندوة ان على وسائل الإعلام ان تتغير لتزود الجمهور برؤية مضبوطة عن العالم وتستعرض التقدم المحقّق، مثلما تستعرض النزاعات وان تتحدث عن الخير مثلما تتحدث عن الشر، وفي مدونتها كتبت المديرة السابقة للتلفزيون الدنماركي الحكومي يولريك هاغراب: «على الصحافيين أن يتعلموا طرح سؤالين لا تعلمهما مدارس الصحافة، وهما: ماذا نفعل من الآن فصاعداً؟ وكيف؟». وتابعت «إن الجمع بين الاخبار والتحقيقات والصحافة البناءة سيمنحنا رؤية أكثر اتزاناً للعالم ورواية أفضل للحقيقة».
الصحافة الملتزمة
إنها آخر اتجاه للصحافة في 2019 وتعتمد على تعزيز علاقات الصحافة بالحي، فكلما أولت وسائل الإعلام المكتوبة أهمية للقاءاتها مع القراء ودعتهم إلى إدارة التحرير ونظمت فعاليات لفائدتهم ودعتهم إلى اختيار مواضيع لتناولها في ملفات خاصة، زادت ثقتهم بها.
وقد دعت صحيفة لوتون السويسرية العام الماضي قرّاءها عبر «فيسبوك» إلى اقتراح مواضيع، وتناولت عدداً من هذه المقترحات.
ويقول يان غيغان المتشارع في موقع Rue89 الرائد في مجال الصحافة التشاركية، في مقابلة مع لوتون «إن ما يحصل الآن في الصحافة الورقية هو تغيير شامل في ثقافة المهنة.. لقد بدأنا ندخل قراءً الى قاعة التحرير، وهذه طريقة للتفكير في ماهية الصحافة.. اللعبة تنفتح يوماً بعد يوم».
والصحافة يمكن أيضاً ان تصبح صديقة المجتمع، بتولي الحديث عن النقائص والاختلالات، وما يصنع نجاح الصحافي الفرنسي ريمي بويزين، الذي يعمل لمصلحة موقع Brut ليس قربه من المجتمع، وانما حرصه على الاستماع إليه من دون إذلال.
والواقع ان الصحافة كانت منتجةً وأصبحت اليوم علاقة.
«بي. بي. سي» تفكر في نقل مقرها إلى بروكسل لتفادي التداعيات
محطات تلفزة عالمية ستهجر بريطانيا بعد البريكست
ينتظر أن تخسر 500 قناة تلفزيونية تبث من بريطانيا بينها «بي. بي. سي» و«سي إن ان» و«ناشيونال جيوغرافيك»، حقوق البث في أوروبا في حال تم اقرار «البريكست». (خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي).
وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن «بي. بي. سي» تفكر في نقل مقرها الى بروكسل لتفادي تداعيات البريكست، وأن رئيس الحكومة البلجيكية شارل ميشال أكد انه تحدث في الموضوع مع المدير العام للمجموعة البريطانية توني هال، الذي يبحث عن حل للاحتفاظ بحق المجموعة في بث قنواتها في أوروبا.
واذا ما تم اقرار البريكست في 29 مارس المقبل، ستفقد «بي بي سي» حقوق البث الاوروبية في نهاية 2020.
واستعدت قنوات عدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، حيث طلبت عدة قنوات بينها «سي ان ان» و«كارتون ناتوورك» و«ان بي سي» الحصول على ترخيص للعمل في ألمانيا، فيما حصلت قنوات اخرى على رخص في هولندا واسبانيا.
ويتطلب الحصول على رخصة تواجدا في البلد المضيف، لذلك أشارت «لوفيغارو» الى ان «بي بي سي» يمكن أن تبقى في لندن، لكنها مضطرة لفتح مقر والبدء في العمل في البلد الذي ستختاره.
وكانت مسألة حقوق البث الاذاعي والتلفزيوني جزءا اساسيا في المفاوضات حول البريكست، حيث كانت تيريزا ماي تأمل أن تكون ضمن اتفاق التبادل الحر المقبل، لكن فرنسا عارضت وفق ما أوردته الغارديان.
المصدر:
القبس