في عصر السرعة: 6 طرق علمية تساعدك على اتخاذ قرار صحيح
تحدد القرارات التي نتخذها شكل مستقبلنا، كما تتحكم في طريقة تعاطينا مع حاضرنا وما يمكن أن نحققه من مكتسبات، أو نتجنبه من خسائر. في عصر تعتمد فيه وسائل الإعلام على التقدم العلمي في فهم دوافع وسلوك الإنسان، لخداع الناس وجعلهم يتصرفون بأنماط لا تؤدي لمصلحتهمالشخصية، سيكون من المهم إلقاء الضوء على طرق التفكير السليمة، وكذلك أهم الأخطاء التي نرتكبها أثناء عملية اتخاذ القرارات. إليك بعض الملاحظات التي ربما تساعدك على اتخاذ قرارات أكثر دقة.
1- احتفظ بمخزونك من القرارات السليمة
دراسة مهمة أجرتها «كاتلين فوس» الأستاذة المساعدة في قسم التسويق بجامعة مينيسوتا، كشفت خلالها أن العقل يمتلك مصادر محدودة فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ قرارات متعددة في وقت محدد. تشير الدراسة كذلك إلى أن النسبة الأكبر من عمليات معالجة البيانات والمعلومات الخاصة بقرار ما تتم على مستوى اللاوعي. في نفس الوقت، سيكون من غير الصحيح القفز إلى الاستنتاج بأننا مبرمجون على اتخاذ قرارات غير منطقية طيلة الوقت.
لفهم هذه النظرية، تخيل أن ماكينة الطهي التي تستطيع مزج كمية معينة من المواد، وعند زيادة الكميات عن الحد الأقصى للماكينة، فإنها تقف عن العمل ولا تستطيع القيام بوظيفتها، كذلك العقل مصمم بقدرات محدودة لملاحظة ودراسة الأدوات التي نستخدمها لصناعة القرارات، فإن تم استهلاك هذه المصادر المحدودة في القرارات غير المهمة، فإنه لا يتبقى للعقل قدرة على اتخاذ القرارات المهمة بعد ذلك، وهو ما يسمى بحالة «ملل القرار – decision fatigue»
ربما يمكننا الاستفادة من هذه الدراسة بالشكل الأفضل في مسألة تقسيم نوعية القرارات التي يجب علينا اتخاذها، إذ إن هناك بعض القرارات التي تصنف على أنها سهلة أو بسيطة. هذه القرارات يجب تحويلها لروتين طبقًا للدراسة، أدرك هذه الحقيقة العديد من المشاهير مثل باراك أوباما، الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية الذي قال: «سوف تراني أرتدي بذات سوداء وزرقاء فقط. أنا أحاول تقليل القرارات التي أتخذها. لا أريد اتخاذ قرارات فيما يجب أن أتناوله أو أرتديه، لأنني لدي العديد من القرارات الأخرى التي يجب أن أتخذها» كذلك شوهد ستيف جوبز مؤسس شركة «آبل» العملاقة يرتدي القميص القطني الأسود يوميًّا أثناء العمل.
هل لاحظت من قبل أن هناك أوقاتًا معينة تكون فيها قراراتك أكثر دقة وأقرب للصواب؟ دراسة حديثة تثبت أن التوقيت الذي تتخذ فيه القرارات يؤثر في دقتها.
2- اجعل الصباح للقرارات المهمة
تعتمد لعبة الشطرنج بشكلٍ كبير على التفكير الاستراتيجي، والقدرة على اتخاذ قرارات مبنية على استنتاجات معقدة يضعها اللاعب في الحسبان عند اتخاذ قرار ما. من هنا كانت فكرة الدراسة التي تبحث في تأثير عامل الوقت الذي تتخذ فيه القرارات على جودتها. أجريت الدراسة على 184 مستخدمًا للعبة الشطرنج عبر الإنترنت، والذين في هذه الحالة اتخذوا قرابة 40 حركة في ألعاب استمرت بين 3 دقائق و15 دقيقة.
تعتمد لعبة الشطرنج بشكلٍ رئيس على عاملين مهمّين في عملية التفكير واتخاذ القرارات: الوقت والدقة. وجدت الدراسة أنه، وبغض النظر عما إذا كان الشخص يقضي معظم نشاطه ليلًا أو نهارًا، فإن أكثر القرارات دقة يتم اتخاذها في الصباح الباكر بين الساعة الثامنة صباحًا والواحدة مساءً. ملاحظة أخرى قدّمتها الدراسة بشأن العلاقة بين الوقت الذي يقضيه الشخص لاتخاذ قرار، ودقة هذا القرار؛ إذ تأخذ القرارات الدقيقة وقتًا أطول لاتخاذها. لوحظت هذه العلاقة في نسخة الشطرنج المعتمدة على الوقت المحدد.
تبين أن اللاعبين بمرور اليوم يميلون إلى اتخاذ قرارات بشكل أسرع، في المقابل تقل دقة القرارات وصحتها. كذلك لم تختلف نتائج اللاعبين على مدار اليوم، إذ ألغت السرعة في اتخاذ القرارات نسبة الدقة، وكان هذا العامل مؤثرًا على معظم اللاعبين داخل التجربة.
من هنا يجب التركيز على نوعية القرارات التي يجب اتخاذها، كذلك اختيار الوقت المناسب لكل منها. تقول «ماريا ليون» الباحثة الرئيسة في هذه الدراسة: «إذا كنا نعرف أننا نكون أبطأ في اتخاذ القرارات صباحًا، لكن قراراتنا تكون أكثر صحة، وفي المساء نعلم أن قراراتنا سوف تكون أسرع لكن أقل دقة، سيكون بمقدورنا أن نقرر متى نتخذ القرارات المهمة. ربما يجب علينا أن نصنع أولويتنا بالنسبة للوقت والدقة. إن كنا أمام قرار سريع، ربما سيكون من الأفضل اتخاذه ليلًا».
3- المعرفة قد تكون لعنة
لا يقتصر الأمر في الإخفاق باتخاذ قرارات صحيحة على الأشخاص متوسطي أو منخفضي الذكاء فقط، الأذكياء أيضًا عرضة للوقوع في فخ اتخاذ قرارات غير صحيحة لأسباب متعددة، أكثرها غموضًا وشيوعًا ظاهرة «لعنة المعرفة». يعاني شخص من «لعنة المعرفة» عندما يعلم أشياء لا يعلمها الطرف الآخر، في نفس الوقت لا يستطيع التفكير كشخص لا يمتلك هذه المعارف، هذا يجعل الشخص أقل قدرة على تفهم المشاكل التي تتعلق بأنماط معرفية أقل، ما يجعله أقل قدرة على التفكير في حلول لها. عندما تصاب بلعنة المعرفة، فإنك تفترض أن جميع الأشخاص حولك يمتلكون المعارف التي تمتلكها، تجعلك هذه القناعة تميل إلى الأنماط المعقدة للمواقف، وتفقد قدرتك على تفهم الأمور الأكثر بساطة والأقل تعقيدًا.
لإثبات هذه النظرية، أجريت تجربة على مجموعة من الأشخاص تم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة طُلب منها التفكير بأغنية ومحاولة نقر الإيقاع الخاص بها على منضدة، والمجموعة الأخرى طُلب منهم تخمين الأغنية التي يستمعون للإيقاع الخاص بها. كان الأشخاص الذين ينظمون الإيقاع متأكدين أن المستمعين يستطيعون تخمين الأغاني الصحيحة في 50% من المرات، لكن النتائج، في المقابل، أوضحت أن 2.5% فقط من المستمعين قادرون على تخمين الأغاني بشكل صحيح. في هذه التجربة بالغ عازفو الإيقاع في نجاحهم بتوضيح الأغاني للمستمعين 20 مرة أكثر من النسبة الحقيقية.
الكثير من الناس يرتكبون في الواقع نفس هذا النمط من الاستنتاجات الخاطئة التي تؤدي لاتخاذ قرارات غير صحيحة، الكثيرون يعتقدون أنه لمجرد معرفتهم النغمة التي يعزفون إيقاعها، فإن الآخرين سيكونون قادرين على تخمينها بشكل صحيح أيضًا.
4- انظر إلى العصفورة!
تجربة مثيرة للتشاؤم أجراها العالمان «كينمان» و«آموس تفيرسكي» لدراسة قدرة أشخاص عاديين على تمييز وتجنب أخطاء بديهية في عملية التفكير. طلب الباحثان من المشاركين في التجربة أن يحركوا «عجلة الحظ» والتي من المفترض أن تقف على رقم بين 0 و 100. في نفس الوقت يتم سؤالهم عن نسبة الدول الأفريقية في الأمم المتحدة. كانت العجلة قد تم تثبيتها – دون علم المشاركين في التجربة – أن تقف على أحد العددين 10 أو 65. على الرغم من أن هذا العدد الذي تقف عنده العجلة في كل مرة ليس له أي علاقة بالسؤال الذي يجيب عنه المشاركون، إلا أن تأثير الرقم الذي ترسو عنده العجلة على إجابات المشاركين كان دراميًا. في المتوسط، كانت نسبة من وقفت العجلة لديهم عند العدد 10 قدموا تخمينات لنسبة الدول الأفريقية بالأمم المتحدة تبلغ 25% بينما الذي حصلوا على 65 في تجربة العجلة، أعطوا نسبة 45%.
تأثر المشاركون في التجربة عند إجابتهم عن سؤال محدد بالرقم الذي توقفت عنده عجلة الحظ. سمي هذا التأثير بـ «تأثير الرسو» وهو التأثير الذي يفسر ميلنا للتفكير بشكل معين عندما يُطلب منا اتخاذ قرارات بناءً على معلومات محدودة للغاية وغير كافية للخروج بقرار. يبدو أن البشر عرضة للتأثر بعوامل غير ذات علاقة بالموضوع الذي هم بصدده، ليس ذلك وحسب، لكنهم يتركون تلك العوامل تحدد أنماط تفكيرهم وتقودهم بشكل غريب لاتخاذ قرارات غير واعية. يمكنك بسهولة كشف وقوعك فريسة لهذه الخدعة عندما تمر بمتجر بيع الملابس، وترى قمصان جيدة في المجمل، لكنك تنجذب بشكل خاص للقطع التي يكتب عليها «خصم» حيث تقارن السعر الأولى بالسعر بعد الخصم وتكون أكثر ميلًا لشراء هذا القميص؛ على الرغم من أن سعره بعد الخصم لا يزال باهظًا، إلا أن تذكرك للسعر قبل الخصم يجعلك تظن أنها صفقة كبيرة.
5- دعك من طريقة عرض الفكرة.. ماذا عن المضمون؟
إليك هذه الفرضية: هناك عدوى منتشرة بإحدى المستشفيات والتي أصابت كل الأطفال حديثي الولادة والبالغ عددهم 60 طفل سيفقدون حياتهم جميعًا إن لم يتم مواجهة العدوى. هناك طريقتين لمواجهة هذه العدوى، الخيار الأول سيكون عبارة عن لقاح سينقذ 20 طفل، أو الخيار الثاني الذي سينقذ الأطفال كلهم بنسبة 1 إلى 3 لكنه لن ينقذ أي منهم بنسبة 2 إلى 3 للأسف. أي الخيارين ستفضله إن كنت الطبيب المسؤول عن القرار؟
الآن فكر في الأمر بهذه الطريقة. أنت تواجه نفس الموقف وقد يموت نفس العدد من الأطفال، لكن في هذه الحالة سيتسبب الخيار الأول في موت 40 طفل، بينما الخيار الثاني ربما تسبب في موت 60 طفل بنسبة 2 إلى 3. قد تلاحظ أن الموقفين هما عرض لنفس الواقعة، وأن النتائج التي سوف تحدث واحدة في الحالتين، على الرغم من ذلك يميل معظم الناس للخيار الأول في السيناريو الأول والخيار الثاني في الموقف الثاني. يعتبر هذا الموقف وما ينطوي عليه من ميل الناس لخيارات معينة بغض النظر عن تطابق النتائج في الحالات المختلفة؛ مثالًا على حالة «تأثير الإطار» والذي يقوم فيه الناس باتخاذ قرارات غير منطقية، ولا تستند لأي مقدمات سليمة بسبب طريقة عرض الحلول والخيارات الأخرى.
يميل الناس بشكل رئيس للخيارات التي تركز في المضمون على المكاسب والفوائد، وفي المقابل يتجنبون الخيارات التي تعرض وتركز على الخسائر والعيوب. يفسر هذا التأثير ميل الناس لشراء عبوات العصائر التي يكتب عليها «80% سكر أقل» أكثر من العبوات العادية التي تضع هذه المعلومة في إطار المكونات العادية وبالطريقة التقليدية «سكر 20%”.
6- راقب مشاعرك اليوم
يتوقف نجاح بعض الأشخاص على قدرتهم على مراقبة التفاعلات بين مشاعرهم والقرارات التي يتخذونها. عندما يتخلل دماغك أفكار معينة، فإن جهازك العصبي يستجيب بإنتاج مشاعر معينة بجسدك. هذه المشاعر تتحكم بشكل كبير في القرارات التي تتخذها عن طريق الاستجابات العاطفية التي يفرزها جهازك العصبي. وظيفة المشاعر هي تلخيص إبراز خبراتك لاستخدامها في صناعة قراراتك وسلوكك.
من هنا يمكن أن نفهم مدى اعتبار عقلك للمشاعر التي يفرزها جسدك، فعندما تكون في وسط محادثة مع مجموعة من الأشخاص بشارع فارغ من المارة، وتبدأ في التوتر؛ سيكون هذا التوتر هو الإنذار الذي تصدره مشاعرك لتحذيرك ودعوتك لإعادة قراءة الموقف واتخاذ قرار بناءًا على رؤيتك الجديدة. الواقع أن هذه المشاعر التي أنتجت التوتر يمكن أن تعطل تفكيرك تمامًا، ويمكن أيضًا أن تكون وسيلة لإعادة النظر في الموقف والخروج بقرار أكثر دقة وتناسبًا مع المخاطر المحتملة. هل يذكرك هذا الغياب للناس بحادثة قرأت عنها في الصحيفة؟ أم أن أحد الأشخاص ينظر إليك نظرات ليست على ما يرام؟ العديد من المتغيرات يمكن أن تقودك إلى استنتاجات جديدة ستغير قرارك ربما بمواصلة الحوار مع المجموعة في هذه الظروف.
الطريقة التي تتفاعل بها مشاعرك مع القرارات التي يتخذها عقلك ربما تكون معقدة، لكن تجاهلها أو الانصياع لها بالكامل لن يكون القرار الصحيح. مراقبة مشاعرك بشكل يقظ سيعطيك ميزة كبيرة في اتخاذ قرار صحيح، فالمشاعر البشرية كانت آلية تطورية استخدمها الإنسان عبر ملايين السنين لسبب ضروري للبقاء، وهو إخبارك وتذكيرك بخبرات سابقة وما يجب عليك فعله عندما تتعرض لهذه المواقف والخبرات من جديد.
المصدر:
ساسة بوست