وزراء التربية والتعليم العالي السابقين: تركنا بصمة في محاربة #الشهادات_المزوره .. وأوقفنا اعتماد عدة دول
لا يمكن اعتبار ملف الشهادات المزورة والوهمية طارئا او ظاهرة حديثة، فقد مر على بدء مكافحته نحو عقد من الزمن، حيث بدأت الحرب الفعلية على دكاكين الشهادات التي نفضت وزارة التعليم العالي عشها في عام 2009، على يد وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي آنذاك نورية الصبيح، باصدارها قرارات حاسمة ومصيرية في هذا الخصوص.وتوالى وزراء على حقيبة التعليم العالي، ولكل واحد منهم بصمته في الملف ولا تزال آراؤهم مهمة ومسموعة، فالقرارات وفحص الشهادات وغيرها استمرّ حمايةً لضبط جودة التعليم، ففي حين اجمع كل من الوزراء السابقين د.موضي الحمود ود.احمد المليفي ود.بدر العيسى، في حوارات مع القبس على خطورة ملف تزوير الشهادات الذي تشهده البلاد حاليا، استذكر كل منهم خطواته في اتجاه محاربة التعليم الوهمي.
واكدت الحمود ان من ابرز سبل نجاح لحفظ جودة التعليم استقرار حقيبتي وزارة التربية ووزارة التعليم العالي فتغيير الوزراء ينتج تراكم القضايا العالقة دون استكمال حلها، بينما رأى المليفي ان الملف بما يشهده من تطورات حالية فرصة لأن يعيد ديوان الخدمة المدنية النظر في بعض لوائحه الخاصة بالابتعاث وكذلك الكوادر المالية لبعض التخصصات، أما العيسى فقال ان ايقاع عقوبات صارمة على المزورين سيكون رادعاً امام كل من تسول له نفسه الشروع بتزوير الشهادات مستقبلا.
القبس استمزجت آراء الوزراء السابقين الثلاثة حول الملف الشائك، في الأسطر التالية:
نورية الصبيح
يقتضي استذكار ملف محاربة الشهادات الوهمية والمزورة ودكاكين التعليم، العودة بالذاكرة الى عام 2009، حيث وضعت نورية الصبيح خلال توليها الوزارة حجر الاساس باصدارها بعض القرارات الصارمة لايقاف جامعات دون المستوى، فالهدف ليس تكدّس اصحاب شهادات عليا، بل ما يحمله اصحابها من تعليم جيّد يفي بالغرض نحو تطور المجتمع وتنمية البلاد.
وكان الخيط الذي بدأت منه الحكاية، في عهد الصبيح، بعد اكتشاف اعلانات في الشوارع لمكتب تجاري موجهة للطلبة الراغبين في الحصول على شهادة جامعية من الجامعات الفلبينية، وبتنسيق بين كل من الادارة العامة للمباحث من جهة والتعليم العالي من جهة اخرى، تبين ان المكتب يبيع شهادة جامعية للطلبة بقيمة 1200 دينار اذا كان الطالب يريد تسلُّمها في الكويت، و1000 دينار في حال سيتسلمها من الفلبين.
«باردة مبردة»
كان الاعلان والاكتشاف كفيلان بأن تلتفت «التعليم العالي» الى ملف بيع الشهادات، لتصدر الصبيح قرارات بتشكيل وفود ارسلتها الى كل من الفلبين، الهند، ماليزيا، البحرين، مصر، الأردن، سلوفاكيا، بلغاريا واوكرانيا، مشكلة من اساتذة جامعيين في تخصصات طبية وهندسية وادارية، لتغطي التخصصات التي غالبا ما يدرسها الطلبة الدارسون على حسابهم الخاص في تلك الدول.
الوفود كشفت في زياراتها تلك عن «دكاكين» تبيع الشهادات الجامعية، ففي الفلبين اكتشف الوفد ان لغة الدراسة هي الفلبينية، ولا يمكن لطلبتنا ان يدرسوها بالفعل، في حين ان لا مكتب ثقافيا للكويت هناك، وكل ما على الطالب هو ان يزور الفلبين ليتسلم شهادته «باردة مبردة».
ولم تختلف القصة في الهند، حيث اكتشف الوفد دكّاناً يحتوي على جهاز كمبيوتر واحد، تتم عبره طباعة شهادات بالحاسب الآلي للطلبة!
اما زيارة الوفد إلى الجامعات في سلوفاكيا وبلغاريا واوكرانيا، فقد اسفرت عن ان مستويات الجامعات المعنية فيها جيد الا ان الاشكالية تقع في لغة التدريس، حيث تتم عبر لغات تلك الدول لا اللغة الانكليزية، مما يثير علامات استفهام حول كيفية حصول طلبتنا على شهادات من هناك في ظل جهلهم بلغاتها؟!.
المهمة تتعقّد
في مصر، كانت مهمة الوفد اصعب، فمستويات الجامعات كانت مختلفة، بعضها جيد واخرى دون المستوى، وكذلك الأمر في الاردن، الا ان الطامة الكبرى كانت ان بعض التخصصات تفتح شعبا خاصة بالطلبة الكويتيين لتسهيل التدريس عليهم، الامر الذي يجعل من الصعب الوثوق بمستوى تلك الجامعات، بينما في البحرين فقد كان من ضمن ملاحظات الوفد ان عدد الساعات الدراسية لبعض الجامعات اقل من الساعات المعتمدة فضلا عن التساهل مع الطلبة.
وجاءت الخطوة الجريئة التي اتخذتها الصبيح وقتها، حيث اصدرت قرارات بوقف الدراسة في الفلبين، وبعض الجامعات في الهند ومصر والأردن والبحرين، وايقاف الدراسة في كل جامعات اوكرانيا وسلوفاكيا وبلغاريا، اضافة الى اغلاق المكتب الذي كان قد وضع اعلانات دراسة في الفلبين.
ووفق مصادر مطلعة، لم تكن تلك القرارات لتمر بسلاسة، فكما كان لها مؤيدون في مجلس الامة آنذاك، كان لها معارضون ايضا، غير ان صوت محاربة الفساد في التعليم كان اعلى لوقف التعليم في الجامعات الركيكة.
وبالرغم من توالي الاسماء على قيادة «التعليم العالي»، شهدت معركة الشهادات الوهمية والمزورة والركيكة فترات ناجحة واخرى فاترة، بناء على معطيات وظروف كل مرحلة، فنجد ان ارسال الوفود للجامعات في الخارج استمر، كما استمر اصدار بعض القرارات الاصلاحية بهدف حفظ جودة التعليم، واستمرت جهود محاربة الشهادات الوهمية والمزورة، الى ان وصلت التركة الى وزير التربية والتعليم العالي د.حامد العازمي، لفتح ملف الشهادات المزورة على مصراعيه، بتحويل 45 شهادة مزورة حتى الان الى النيابة العامة، الى جانب تحويل الموظف المتورط بالتزوير، ولا يزال البحث مستمرا لتطهير التعليم من المزورين.
الحمود: ضغوط من مدافعين عن خريجين «وهميين»
أكدت وزيرة التربية، وزيرة التعليم العالي السابقة، د. موضي الحمود، ضرورة تقديم الدعم الكامل للوزير الحالي د. حامد العازمي، فيما يتعلق بملف الشهادات المزورة والوهمية، مشيدة بالدعم الحكومي والنيابي الذي يحظى به الملف مؤخرا، وقالت: على ايامنا عاصرنا شراسة بالدفاع عن خريجي بعض الجامعات الواهية ومحاربة اصلاح التعليم وتعرضنا لضغوطات.
وشددت الحمود على ان عدم استقرار الحكومات وتغيير الوزراء، ومنهم وزير التربية والتعليم العالي، يتسبب في عدم استكمال الاجراءات، فكل وزير يبدأ بعمل فتنتهي فترته وتتراكم الأمور دون معالجتها بالكامل، داعية الى استقرار وزارتي التربية والتعليم العالي على وجه الخصوص لما لهما من خصوصية في البلاد.
واستذكرت الاجراءات التي اتخذتها اثناء توليها قيادة الوزارة في مجال محاربة الشهادات الوهمية والمزورة، مبينة انها استلمت بعد نورية الصبيح، التي أوقفت التعامل مع جامعات في الفلبين والهند ومصر والاردن وغيرها، واكملت ما بدأته الصبيح بإرسال وفود اخرى الى دول عديدة منها اليونان.
وقالت ان الوفد الذي زار الفلبين حاول مساعدة الطلبة المتواجدين هناك للتحويل الى جامعات اخرى، وتم ايقاف تام للالتحاق بالجامعات الفلبينية والهندية غير المعتمدة وقتها، كما زار الوفد مصر واستكمل وقف الالتحاق ببعض الجامعات هناك، وطلب من طلبتها التحويل الى جامعات معتمدة.
وكشفت ان من الخطوات الاصلاحية في مجال محاربة الشهادات الوهمية كان اصدار مرسوم بانشاء الجهاز الوطني للاعتماد الاكاديمي وضمان جودة التعليم عام 2010 بعد ان رفعت هي طلبا بذلك الى مجلس الوزراء.
وبينت الحمود ان من الخطوات الاخرى اصدار قرار ضرورة وجود تسلسل دراسي لأربع سنوات في المرحلة الثانوية في حال كان الطالب حاصلا على الثانوية من خارج الكويت، وعدم قصرها على العام الاخير فقط، سواء للحصول على البعثات او لاعتماد الشهادة الجامعية.
واشارت الى وجود خلط حاليا بين الشهادة الوهمية أو المزورة، وبين الحصول على شهادة بالنسبة للموظفين دون تفرغ دراسي، ذلك ان كل حالة تختلف عن الاخرى وجميعها بحاجة الى معالجة جذرية، وقالت: في كل دول العالم يوجد طلبة يلتحقون بجامعات غير معتمدة، لكن الاشكالية تقع عند اعتماد الجهات الرسمية لتلك الشهادة، لافتة الى ان الخلل لا تتحمله «التعليم العالي» وحدها بل جهات اخرى كديوان الخدمة المدنية.
المليفي: التزوير إما لـ«الإهمال» وإما لـ«التواطؤ»
شدد وزير التربية وزير التعليم العالي الاسبق، د. أحمد المليفي، على انه لم يشهد عمليات تزوير في فترة توليه الوزارة، إلا حالة واحدة كُشفت قبل إصدار المعادلة، بعد مخاطبة المكتب الثقافي في البلد المعني الصادرة منه الشهادة.
ولفت المليفي، الى أن إجراءات المعادلة التي تتطلب مخاطبة المكاتب الثقافية قبل اعتماد أي شهادة، تصعب عملية التزوير، حيث لا تُعتمد شهادة ما لم يكن لها مرجع في المكتب الثقافي، مبيناً أن حالات التزوير المكتشفة حاليا إما بسبب الاهمال او التواطؤ، إذ لا يمكن للموظف ان يدخل الشهادات المزورة من دون مساعدة من موظف آخر في المكتب الثقافي المعني.
واستذكر مساعيه إبان توليه حقيبة التعليم العالي لتحويل العمل آلياً، وتقليص إجراءات المعادلة من 6 أشهر الى اسبوعين، الى جانب خطوات جادة لتحويل جميع الاجراءات، ومتابعة الطلبة بالخارج آلياً، عبر تطبيق على الهاتف الذكي، وتم تشكيل لجنة لاعتماد البرنامج، الا ان المشروع لم يتم.
وبيّن المليفي ان فتح الملف مجددا يعطي فرصة لمجلس الخدمة المدنية لمراجعة وتعديل القوانين واللوائح الخاصة في البعثات والكوادر المتعلقة بالمؤهل ونوعيته، فالمؤسسات الحكومية لا تحتاج إلى الشهادات العليا ــ الماجستير والدكتوراه ــ لذلك يجب الغاء الابتعاث لها، كذلك البدلات والتركيز على الدورات الفنية والتخصصية، أما بخصوص الكوادر الخاصة ببعض المؤهلات، مثل الطب، القانون، الهندسة، المحاسبة والكمبيوتر، فيجب أن يربط الكادر باجتياز اختبار الكفاءة للتأكد من حقيقة التأهيل العلمي للمتقدم، مبينا انه بذلك يمكن قطع المحفزات للحصول على شهادة مزورة أو شهادة لا تعكس المستوى العلمي لحاملها.
حوّل 259 شهادة إلى النيابة
العيسى: سحب الاعتماد من «جامعات الأرياف»
قال وزير التربية، وزير التعليم العالي الأسبق، د. بدر العيسى، ان جهود ضبط جودة التعليم ومكافحة الشهادات الوهمية والمزورة بدأت منذ سنوات بجدية، لكنها بدأت تأخذ منحى اكثر دقة وحزما مؤخرا بعد كشف حالات التزوير الاخيرة واحالة متهمين الى النائب العام، مشددا على انه بحكم توليه حقيبة الوزارة كان يلمس الاهتمام الحكومي بالتعليم وجودته لما له من أثر في تنمية المجتمع وتحقيق رؤية الكويت.
واستذكر العيسى محطات بارزة في مسيرته الوزارية بشأن محاربة الشهادات الوهمية، لافتا الى انه سبق ان احال 259 شهادة وهمية الى النائب العام بعد نشر تقرير عن اصحاب الشهادات الوهمية في مجلة نيوزويك.
وقال ان من بين المحطات ايضا تشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن شهادات اساتذة في التطبيقي، على إثر وجود خريجين من الجامعة الأميركية في أثينا التي تبين انها وهمية.
واضاف انه حرصا على جودة التعليم عمّم تجربة فحص الشهادات على مؤسسات التعليم العالي الاخرى، وشكّل لجنة لفحص شهادات اعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت من غير المبتعثين، للتأكد من صحتها، وخرجت بتقريرها مؤخرا بعد فحص الشهادات كافة.
وقال انه سبق ان احال شبهات تزوير في المعادلات الى النيابة، بفضل اكتشافها من قيادات «التعليم العالي» في حينها، مؤيدا الجهود الحثيثة التي استمرت بها الوزارة في فحص وتدقيق الشهادات للوقوف على صحتها، مؤكدا انه يثق بحزم واصرار كل من وزير التعليم العالي د. حامد العازمي، ووكيلة الوزارة
د. صبيح المخيزيم، في مكافحة الشهادات المزورة وتطهير المجتمع من هذه الآفة.
وقال: ان حالات التزوير والشهادات المشبوهة ستستمر طالما ان هناك نفوسا ضعيفة جعلت من هذا الأسلوب ثقافة تنخر المجتمع دون تفكير في ضررها، والحل ممكن ان يكون في مسارين أساسيين، اضافة الى ما تقوم به الوزارة من جهود مضنية، وهما تطبيق جزاءات صارمة على الذين يحصلون على مؤهلات علمية غير قانونية، وسحب الاعتماد وعدم التعامل مع الجامعات التي تصدر منها تلك المؤهلات، خصوصا الجامعات المنتشرة في «أرياف» الوطن العربي التي تغذي مجتمعنا بتلك الشهادات الوهمية، متمنيا من الجهات الحكومية والخاصة كافة، تشكيل فرق عمل تساند «التعليم العالي» في كشف هذا النوع من المؤهلات.
القبس