طفلك صادق دائمًا؟ ربما عليك تعليمه بعض الكذب.. هذه الدراسة تشرح السبب
هل ينبغي على الآباء أن ينزعجوا، إذا ما بدأ أطفالهم في اقتراف الكذب؟ في الأغلب ستكون الإجابة على هذا السؤال: نعم؛ فكما نعلم؛ الصدق واجب أخلاقي نسعى لغرسه في أطفالنا منذ الصغر عبر القصص التي تحكي عن «بينوكيو» و«الصبي الذي قلّد صوت الذئب»، والتي توضح العواقب الوخيمة للكذب، إذ يُنظر إلى الأطفال الذين يكذبون بكثرة، أو يبدأون في انتهاج الكذب في سن مبكرة، على أنهم مصابون بمشاكل سلوكية تتعلق بالنمو، أو أن كذبهم هذا دلالة على مشاكل مستقبلية.
لكن المثير للدهشة، أن الأبحاث تقول عكس ذلك؛ فالكذب ليس أمرًا طبيعيًا يكتشفه الأطفال في عمر الثانية وحسب، بل يُعد أيضًا علامة من علامات الذكاء؛ وذلك بحسب مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، للكاتب والمؤلفأليكس ستون.
اقرأ أيضًا: مترجم: 7 مهارات لسوق العمل لا تُكسبها المدارس.. على الوالدين تعليمها لأطفالهم
ففي تجربة صممها عالم النفس مايكل لويس في منتصف الثمانينات، وأُجريت على مئات الأطفال، طلب الباحثون من الصغار عدم اختلاس النظر إلى اللعبة المخبأة وراء ظهورهم، ثم خرج الباحثون من المكان، وعادوا بعد دقائق وسألوهم إن كانوا قد اختلسوا النظر.
وأسفرت النتائج عن أن غالبية الأطفال استرقوا النظر بعد ثوانٍ من مغادرة الباحثين للغرفة، وأن معظمهم قد كذبوا بشأن ذلك عند سؤالهم، فثُلث الأطفال في عمر سنتين، و نصف الأطفال في عمر ثلاث سنوات، و80% من الأطفال البالغ أعمارهم أربع سنوات فأكثر، أنكروا أنهم اختلسوا النظر إلى اللعبة المخبأة، بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو حتى دياناتهم.
وبحسب المقال: فإن العديد من الدراسات التي استخدمت نموذج التجربة ذاته، أظهرت أن الأطفال «جيدين» في الكذب بشكل ملحوظ، إذ تم عرض مقاطع مصورة للتجربة على مجموعة من البالغين، ضمّت: موظفي خدمة اجتماعية، ومعلمين في مدارس ابتدائية، وقضاة، وضباط شرطة، وطُلب منهم تمييز من يقول الصدق من الأطفال عمن يكذب، وكان المثير للدهشة، أن أيًّا من البالغين – حتى آباء الأطفال – لم يستطيعوا كشف الكاذبين.
اقرأ أيضًا: نيويورك تايمز: تربية طفل ذي أخلاق
لماذا يبدأ بعض الأطفال الكذب مبكرًا.. وما الذي يفصلهم عن أقرانهم الأكثر صدقًا؟
الإجابة – بحسب الدراسات التي استند إليها المقال – بسيطة ومختصرة، وتنحصر في أنهم أكثر ذكاءً؛ إذ وجد البروفيسور لويس أن الأطفال الذين كذبوا بشأن اختلاس النظر للعبة المُخبأة، كانوا أعلى بمقدار 10 نقاط في اختبارات معدل الذكاء اللفظي، مقارنة بأقرانهم الذين لم يكذبوا، لكنه عاد وقال إن الأطفال الذين لم يختلسوا النظر وانصاعوا لطلب الباحثين، كانوا الأذكى على الإطلاق، بيد أنهم كانوا فئة نادرة.
وبيّنت أبحاث أخرى أن مهارات الأداء التنفيذي (مَلَكات تُمكننا من السيطرة على دوافعنا والتركيز على أداء المهام المطلوبة)، كانت أفضل عند الأطفال الكاذبين، فضًلا عن قدرتهم على رؤية العالم من منظور الآخرين، الأمر الذي يُعد مؤشرًا حاسمًا على التطور المعرفي. ويستنتج المقال من هذه الأبحاث؛ أن الأطفال الذين يعانون من فرط النشاط ونقص الانتباه (ضعف الأداء التنفيذي) واضطرابات طيف التوحد (نقص التطور المعرفي) لديهم مشكلة مع الكذب؛ فيما أظهرت دراسات أخرى خاصة بمرحلة ما قبل الدراسة أن الأطفال الكاذبين لديهم مهارات اجتماعية عالية، وقادرون على التكيف.
اقرأ أيضًا: مترجم: 9 طرق لتأديب الأطفال بلا إهانة
وبحسب عالم النفس «كانج لي»، والذي قضى عقدين من الزمان في دراسة كذب وخداع الأطفال، فيجب على الآباء الاحتفال إذا اكتشفوا أن طفلهم في عمر سنتين إلى ثلاث يكذب. أما إذا تخلف ابنك عن الكذب، فلا تقلق؛ يُمكنك أن تساعده في تنمية مهارته عن طريق الألعاب التفاعلية، وتمرينات تبادل الأدوار القادرة – بحسب البروفيسور كانج لي – على تحويل الطفل الصادق إلى كاذب في غضون أسابيع، إذ إن تعليم الأطفال الكذب يُحسّن معدلات ذكائهم، ويرفع درجاتهم في اختبارات الأداء التنفيذي. وبعبارة أخرى: الكذب جيد للعقول، وذلك بحسب البروفسيور.
أما بالنسبة للآباء؛ فإن النتائج تُظهر بعض التناقضات، فنحن نريد أن يكون أبناؤنا أذكياء للدرجة التي تُمكنهم من الكذب، لكن نود أن تمنعهم أخلاقهم من ذلك. ومن المفارقات الأخرى؛ أن سلامة الأطفال قد تتوقف أحيانًا على قولهم الصدق، مثل إجاباتهم عند تعرضهم لحادث تحرش أو سوء معاملة، فكيف نخرج من هذا المأزق ونُربي أطفالًا صادقين؟
في المطلق يرى علماء النفس أن سياسة الجزرة أفضل من العصا، فالبحوث تبين أن العقوبات القاسية كالضرب، تعمل قليلًا على تقليل الكذب، لكنها قد تأتي بنتائج عكسية.
اقرأ أيضًا: مترجم: خمسة أسباب لأزمة التربية الحديثة
ففي دراسة اشترك فيها البروفيسور كانج لي، مع عالمة النفس التنموي فيكتوريا تالوار، للمقارنة بين سلوكيات قول الحقيقة والكذب، وأُجريت على تلاميذ رياض الأطفال في مدرستين بغرب أفريقيا، استخدمت واحدة منهما أساليب العقاب البدني، واستخدمت الأخرى التوبيخ اللفظي والتهديد بالتحويل إلى مكتب مدير المدرسة، اتضح أن التلاميذ في المدرسة التي تعتمد أسلوبًا قاسيًا، كانوا يقترفون الأكاذيب، وبارعون فيها مقارنة بأقرانهم الآخرين، ويقول الباحثان: إن أساليب من نوعية «إذا قلت الحقيقة، سأكون فخورًا بك»؛ تُعزز من قول الصدق.
وأظهرت عدة دراسات، أن الأطفال في عمر الـستة عشر، كانوا أقل كذبًا، سواء بشأن أفعالهم أو أفعال غيرهم، إذا ما تعهدوا بقول الحقيقة، وأن هذه النتيجة ظلّت ثابتة، عندما تم تعميمها بشكل واسع، وعلى نطاق كبير ووجدت عالمة النفس أنجيلا إيفانز، أنه عند تطبيق التجربة الأولى المذكورة في البداية، على مجموعة من الأطفال، تعهدت بعدم اختلاس النظر إلى اللعبة المخبأة خلف ظهورهم، فإنهم التزموا بالوعد، بالرغم من عدم قدرة الأطفال في هذا العمر المبكر على استيعاب كلمة «تعهد»، لكنهم على الأقل أدركوا معنى «سأقول الحقيقة»، الأمر الذي يشير إلى أن الأطفال في نهاية سن الطفولة، قادرين على فهم أهمية الالتزام بالوعد الشفهي لأي شخص.
اقرأ أيضًا: كيف يمكنك أن تكتشف أن طفلك أذكى مما تظن؟
أما بالنسبة لقصص الطفولة التي تتحدث عن عواقب الكذب، فقد وجد البروفيسور كانج لي، أن قصص مثل «بينوكيو» و«الصبي الذي قلّد صوت الذئب»، لا تُثني الأطفال عن الكذب، في حين أن قصص مثل: «جورج واشنطن وشجرة الكرز»، تُعزز من قولهم الصدق وانتهاجهم للسلوك النزيه، فوفقًا للبروفيسور «لي» وزملائه، فإن التأكيد على فوائد الصدق، بدلًا عن ذِكر عواقب الكذب، هو مفتاح السلوك الجيد.
ويختتم الكاتب أليكس ستون تقريره بالقول: إن الحافز المالي قد يدعم قول الصدق، وأن الصدق يمكن شراؤه بالمال؛ ففي تجربة أجراها البروفسيور «لي» وزملاؤه، ضمّت مجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والسادسة، كذب أربعة من خمسة أطفال، عندما لم يكن هناك مقابل مالي للصدق، وكان مقابل الكذب دولارين، فيما ارتفع عدد الصادقين عندما أُخبروا أنهم سيحصلون على ثلاثة دولارات، إذا قالوا الحقيقة. ويؤكد البروفسيور «لي» أن الأطفال أذكياء للغاية، وأن ميلهم للكذب يُعد اختيارا تكتيكيًا في حال عاد عليهم بمنفعة.
المصدر: ساسة بوست