ماذا فعلت التربية لمحاربة التنمر في المدارس؟
العربي الجديد
تبدو شخصيتا المتنمِّر والمتنمَّر عليه على طرفي نقيض، الأول يستقوي على الثاني، ويجعله أسير سلطته. لكن الواقع يبيّن أن الاثنين هما ضحيتان لنظام تحكمه علاقات القوي والضعيف، والرابح والخاسر، مع غياب التربية على المساواة واحترام الآخر، وسط بيئات أسرية ومدرسية وسلطوية تشجع على التنمر بطرق مختلفة. وينجح المتنمر من خلال دورة سلوكياته التي تستمر سنوات أحياناً، في إعادة إنتاج المشكلة التي تدور في حلقة مفرغة وهي: (متنمر- ضحية- نظام فاشل). لكن ضعف وعجز الجهات المسؤولة عن كسر تلك الحلقة تجعل المتنمر يبدو كأنه شخصية تأتي من خارج السياق تعبث بأناس تنتقيهم، وتبعث القلق في محيطها. هو ذلك “الشرير” الذي يخترق النظام السائد (في البيت أو المدرسة أو الشارع …إلخ)، ويستحق الإقصاء والاستبعاد، بدل التقرب منه لمعرفة أسباب تنمره، وعلاجها.
ظاهرة التنمر في المدارس ليست معزولة داخل الجسم التربوي، بل تستمد قوتها واستمرارها من العنف والعدوانية المستشرية في البيئة المحيطة بالمتنمرين. فأين تجد المتنمر اسأل عن واقعه الأسري والعلاقات العائلية التي يتربى وسطها، وابحث في أساليب التوجيه والتعامل المعتمدة في مدرسته، ولا تتجاهل تأثير ما يراه أو يسمعه عن البلطجة والبلطجيين إما مباشرة في الحي حيث يسكن، أو عبر الإعلام والإنترنت. ويضاف إلى ذلك كله السمات الشخصية والنفسية التي تساعد على تطوير صفة العدوانية لدى المتنمر.
من هو المتنمِّر؟ ولماذا يتعمد الأذية؟
الاختصاصية الاجتماعية سناء أبو غادر تقول “لكي نطلق على طفل ما صفة المتنمر، علينا ملاحظة سلوكه ومراقبته مدة من الوقت، وحين يثبت أنه يتعمد إلحاق الأذية الجسدية أو المعنوية أو كلتيهما بالآخرين بتكرار، ويمارس سلوكه العدواني مرات تجاه شخص أو أشخاص، عندها نتأكد أنه شخص متنمر، ولكن من يعتدي ويؤذي غيره مرة عابرة لا نصفه بالمتنمر، فالتكرار هو معيار أساس”.
وتشير إلى تصنيف أسباب التنمر إلى “سايكو سوسيولوجي، وأسري، وإعلامي، وتعليمي”. وتقول: “السبب الأول النفس اجتماعي يرتبط بشخصية الطالب، إلى اضطرابه النفسي ربما أو شخصيته العدوانية، أو حب السيطرة والتسلط، اللذين يشعرانه بلذة إذلال وإهانة الآخر، إلى جانب وضع أسرته الاقتصادي والاجتماعي”.
وعن الأسباب الأسرية توضح أن “بعض الأسر تعتبر أن توفير الطعام والشراب والملبس لأطفالها كاف، فتهمل الجانب العاطفي وتستبعده، ومن المؤسف أن بعض الأمهات والآباء لا يراقبون سلوك أطفالهم في البيت أو خارجه أو على الإنترنت، ويلقون اللوم على المدرسة عند معرفتهم بمشاكل أبنائهم السلوكية، في حين أن العدوانية والمشاكسة قد تكون سبيلاً للفت أنظار الأهل وجذب اهتمامهم”.
ولفتت إلى أن “الاطلاع على أحوال التلاميذ خلال إعداد البحث بيّن أن هؤلاء الأطفال أو المراهقين ينسخون ويقلدون شكل العلاقة بين والديهم، ويطبقونه على زملائهم وأساتذتهم أيضاً”.
ورأت أن “غياب الرقابة الإعلامية وتعريض الأطفال والمراهقين لكل أنواع العنف (الحقيقي والافتراضي) وتفاصيله على الشاشات، وتكراره المؤذي، يترجم لدى بعضهم بسلوك عدواني”، مضيفة أن “أساليب التعليم التقليدية المرتكزة على العقاب المهين والمؤذي للتلاميذ، تزيد من عدوانية أصحاب الشخصية المتنمرة”.
كيف يتنمّر الطالب على زملائه؟
تقول الاختصاصية الاجتماعية وداد نعيم “المتنمر يظهر عادة على رأس مجموعة من الطلاب في المدرسة. يصرخ بهم ويوجه لهم كلاماً غير لائق، ويعنفهم باللكم والضرب والدفع، ولا يبدر منهم أي اعتراض أو مواجهة، بل يبدو عليهم القبول بسلوكه”، مشيرة إلى عبارات ومفردات يوجهها للضحية للإغاظة والتحقير ومنها السباب والشتائم، والكلام الذي لا يتناسب مع عمر المتلفظ بها.
والمتنمر لا يكتفي بالكلام بل يخاطب ضحيته بلغة الإشارات أيضاً، وتشير نعيم إلى أن “الإشارات تحتل حيزاً كبيراً من سلوك المتنمر، إشارات باليد والوجه والجسد، مثل العبوس للتخويف أو التوعد والإيماء بالتهديد، أو إشارات باليد تحمل دلالات جنسية بذيئة، خصوصاً تجاه الضحية الفتاة، لتهديدها وتخويفها”.
أما الاختصاصي الاجتماعي قاسم يوسف حديفة فيقول: “كان من السهل التعرف على المتنمرين في المدارس خلال عملنا الميداني على البحث، وتبيّن لنا أن الظاهرة موجودة، ومن التلاميذ من يتعرض للعنف اللفظي والجسدي، ويؤثر على أدائه المدرسي وعلاماته”.
ولفت حديفة إلى أن “التنمر ليس محصوراً بالذكور، وإنما لاحظناه لدى الفتيات أيضاً، بتركيزهن على إبراز مظهرهن الخارجي وجمالهن، وسلوك المتنمرات لم يكن خفياً بل واضحا”.
أبو غادر تعتبر أنه إلى جانب “التنمر المباشر الذي يهدف إلى استفزاز وإزعاج الآخرين بشتى الأساليب ومنعهم من التركيز، هناك تنمر غير مباشر عبر رسائل شفهية أو مكتوبة يبعثها المتنمر للمعتدى عليه عبر آخرين (وسطاء) للتخويف، وإطلاق شائعات وأخبار ملفقة بهدف الحط من قدره، وتشويه صورته أمام الغير، وعزله اجتماعياً”.