مترجم: هل تصبح أكثر عقلانية؟ تعرف على تأثير تعلم لغة ثانية على طريقة تفكيرك
يستخدم حوالي نصف سكان العالم لغة ثانية في حياتهم اليومية. وتعد بعض المناطق في العالم، مثل سويسرا وسنغافورة، مناطق ثنائية اللغة حيث يتحدث الجميع تقريبًا لغتين أو أكثر. ومع ذلك، حتى في أكبر المدن في أمريكا، هناك عدد كبير من السكان الذين يتحدثون لغة أخرى غير الإنجليزية مع العائلة والأصدقاء.
يقول البروفيسور ديفيد لودن في مقاله بموقع «سايكولوجي توداي» إن الرأي الشائع عن تحدث الشخص ثنائي اللغة لغتين بطلاقة مثل اللغة الأم يُعد رأيًا ساذجًا، إذ إن هذا النوع من ثنائية اللغة المتوازنة نادر الحدوث. وفي الغالبية العظمى من الحالات، تجد أن اللغة الأم هي المهيمنة، ويتحدث الأشخاص اللغة الثانية مع بذل بعض الجهد. وهذا هو نوع ثنائية اللغة الذي ذكره العالم النفسي الإسباني ألبرت كوستا وزملاؤه في مقال صدر مؤخرًا في دورية Current Directions in Psychological Science.
اقرأ أيضًا: مترجم: 10 طرق لتسهيل عملية تعلم اللغات
كوستا وزملاؤه يعملون في برشلونة، وهي منطقة أخرى مليئة بثنائيي اللغة إذ العديد من الناس يتحدثون الإسبانية والكتالونية. وكان الفريق مهتمًا بمعرفة ما إذا كان التحدث بلغة ثانية يؤثر على قدرات الناس على اتخاذ القرارات. قد تعتقدون أن التحدث بلغة ثانية مُجهد جدًا، وأنه سيصعب عمليات اتخاذ القرار. ولكن هذا ليس ما وجده كوستا والآخرون.
وينوه لودن قائلًا: «دعونا نوضح أولًا أننا لا نتحدث عن كيفية تأثير لغة معينة على عمليات التفكير. فعلماء النفس كانوا يعتقدون أن التفكير مجرد كلام يدور بداخلنا. وبما أن كل لغة ترى العالم بطريقة مختلفة، فإنهم كانوا يعتقدون أن اللغة التي تتحدث بها تقيد الطريقة التي تفكر بها. وتعرف هذه الفكرة بالحتمية اللغوية، ودُحضت هذه الفكرة تمامًا، بالرغم من الهراء الذي لا يزال يُتداول على الإنترنت، مثل أن لغة الإسكيمو لديها 200 مرادف لكلمة الثلوج، وهو أمر غير صحيح».
بدلًا من ذلك، يجب النظر في كيفية اتخاذ الناس القرارات أثناء استخدام لغتهم الثانية – مهما كانت تلك اللغة -. لذا فإن السؤال البحثي هو: هل محاولة التحدث بلغة ثانية يؤثر على قدرة الشخص في اتخاذ قرارات جيدة؟ والجواب على هذا السؤال هو نعم، ولكن بطرق غير متوقعة – يقول التقرير -.
تدارس الباحثون اتخاذ القرار بلغة ثانية في ثلاثة مجالات، وتحديدًا القرارات المتعلقة بالخسائر والمكاسب والمخاطر، وبالسبب والنتيجة، وبالقضايا الأخلاقية. نحن نعلم الكثير عن كيفية اتخاذ الأشخاص لقراراتهم في هذه الأمور – يقول الكاتب – لذلك دعونا نقارن هذه البيانات بالأداء أثناء التحدث بلغة ثانية.
اقرأ أيضًا: إذا كنت أتقنت الإنجليزية جيدًا.. هذه أسهل 10 لغات يمكنك تعلمها
الخسائر والمكاسب والمخاطر
لنفترض أني أعطيتُك دولارًا ولعبنا لعبة صورة أم كتابة، وإذا خسِرت تعطيني الدولار مرة أخرى. ولكن إذا فُزت، فسوف أُعطيك أنا دولارًا ونصفًا، وبذلك سيصبح معك دولاران ونصف. هل ستقامر؟ على الأغلب لا. معظم الناس يفضلون المحافظة على الدولار الذي معهم، عن المخاطرة للفوز بدولارين ونصف.
تُظهر الكثير من الأبحاث أن الناس يعظِّمون تقييم الخسائر أكثر من المكاسب، في عملية تعرف باسم النفور من المخاطرة. ومع ذلك، من وجهة نظر رياضية، هذا رهان جيد، لأن القيمة المتوقعة للمقامرة هي دولار وربع مقابل النتيجة المؤكدة من دولار. ومن المرجح أن النفور من المخاطرة هو حدس فطري يؤثر على عملية اتخاذ القرار.
عندما طرح كوستا وزملاؤه هذه المشكلة على المشاركين الذين يتحدثون بلغتهم الثانية، اختفى إحساس العزوف من المخاطرة، وقبلوا بالرهان. على ما يبدو، أن استخدام هؤلاء الناس للغتهم الثانية كان مجديًا، فلم يعتمدوا على الحدس، ولكن اعتمدوا على المنطق. وبالتالي، على الأقل من وجهة نظر منطقية، اتخذوا قرارًا أفضل عند استخدامهم لغة غير لغتهم الأم.
اقرأ أيضًا: أبرز دراسات علم النفس والدماغ في 2016: الشك الديني مفيد والحشيش يعالج ألزهايمر
السبب والنتيجة
نحن البشر نريد أن يكون لدينا سبب لحدوث الأمور، لذلك غالبًا ما نخلق تفسيرات سببية حتى لو لم تكن بينها وبين الأحداث أي علاقة. وتنشأ الخرافات بهذه الطريقة. لاعب البيسبول الذي يرفع بنطاله، ويبصق التبغ بعد مضغه، ويرسم إشارة الصليب، في هذا الترتيب، قبل الاستعداد لضرب الكرة بالمضرب يعتقد حقًا أن هذه التصرفات سوف تزيد من فرصة ضرب الكرة.
لاعب بيسبول يبصق التبغ بعد مضغه
في المختبر، من السهل جدًا أن يعتقد المشاركون بأنهم يسيطرون على سلوك الجهاز – مثل نمط من الأضواء الوامضة – عندما يتعلمون النمط. وبعبارة أخرى، هم يتبعون الجهاز ويعتقدون أنهم يتحكمون فيه.
وعادة ما يقع الناس فريسة لجميع أنواع المغالطات المنطقية بشأن العلاقات السببية. ومع ذلك، عندما يحتاجون إلى التعامل مع مثل هذه الحالات أثناء استخدام لغتهم الثانية، يكونون أقل عرضة للوقوع في هذه الأخطاء في تفكيرهم.
القضايا الأخلاقية
التفكير الأخلاقي هو مجال هيمنة الحدس والعاطفة على عمليات صنع القرار لدينا. في واحدة من المعضلات الأخلاقية الشهيرة: أن تتخيل نفسك على جسر مشاة فوق خط الترام. ويوجد خمسة عمال على طريق الترام، والترام متجه نحوهم. ويوجد رجل ضخم يقف على الجسر فوق المسار مباشرة. وإذا دفعته من على الجسر، سوف يتوقف الترام ويموت الرجل الضخم. ولكن سوف تنقذ حياة العمال الخمسة. هل يمكنك أن تفعل ذلك؟
قلة من الناس يمكن أن يفعلوا ذلك، يبررون الفعل من منظور نفعي باعتباره أعظم فائدة لأكبر عدد. ومع ذلك، الأغلبية ترفض فعل ذلك، وترد من منظور أخلاقي مطلق: القتل خطأ، حتى لو كان سينقذ المزيد من الأرواح. مرة أخرى، عندما يستخدم الناس لغتهم الثانية، ينتقل تفكيرهم من وضع حدسي إلى وضع عقلاني (في هذه الحالة، النفعية). من المرجح أن يقولوا أنهم سيدفعون الرجل الضخم من فوق الجسر لإنقاذ العمال الخمسة.
كيف تتحول أنماط التفكير؟
ويقول لودن في جميع الحالات الثلاث – تقديرات الخطر، والسببية، والأخلاق – نرى التحول من التفكير الحدسي إلى التفكير العقلاني عندما يستخدم الناس لغتهم الثانية. في البداية، هذه النتيجة غير متوقعة، لأن التفكير العقلاني نفسه يحتاج لبذل جهد أكبر من التفكير الحدسي. عمومًا، عندما نحاول الانخراط في مهمتين ثقيلتين في نفس الوقت، يكون أداؤنا سيئًا فيهما.
ومع ذلك، فإنه من المهم أيضًا أن نفهم ما هو سبب المجهود الكبير الذي يُبذل عند التفكير العقلاني أو التحدث بلغة ثانية؟ إنها ليست لكثرة استدعاء الموارد المعرفية، كما يحدث عند القيام بالحساب الذهني أو سرد الحروف الأبجدية بترتيب عكسي.
إنما ما يجعل التفكير العقلاني أو استخدام لغة ثانية صعبًا هو الحاجة المستمرة لمنع أنماط متأصلة في السلوك. عندما نتكلم بلغة ثانية، نحن بحاجة إلى تثبيط لغتنا الأم. وعندما نفكر بعقلانية، نحتاج إلى كبح حدسنا الطبيعي.
وينوه لودن إلى أن أبحاث تصوير المخ تظهر نشاط مناطق الدماغ نفسها – في قشرة الفص الجبهي – عند استخدام اللغة الثانية وأثناء التفكير العقلاني. ويبدو أن المتحدثين لغة ثانية يفعّلون مركز التثبيط في الدماغ، ما يثبط الحدس والعواطف، أيضًا. ونتيجة لذلك، يتخذون قرارات أكثر عقلانية عندما يستخدمون لغتهم الثانية.