أخبار منوعة

لغتك الأم تظل معك حتى لو هاجرت لسنوات.. حقائق علمية عن فقدان اللغة

انتقلت ناتاشا مومبي ناكوندي إلى المملكة المتحدة حينما كانت في السادسة من عمرها، كانت حينها تتحدث لغتين مختلفتين “البيمبا والنيانجا”، لكنها أُجبرت على التحول للحديث بالإنكليزية، بمجرد هجرتها إلى بريطانيا. بعد عودتها إلى زامبيا في 2008، (بعد 20 عاماً تقريباً) أدركت مدى تدهور لغتيها الأصليتين.

قالت نيكوندي لموقع Quartz “لساني لم يستطع التعامل مع الكلمات وتكوينها، كان بإمكاني أن أفهم بوضوح ما يقوله الناس لي، لكن لم أستطع صياغة جملة”، تعمل نيكودي ناشطة نسوية، كمنسق إقليمي في مؤسسة Edge Fund وشريك مؤسس في GLC story.

اتهمها الناس أنها تفعل ذلك عن قصد، البعض قال إنها عادت إلى زامبيا من بريطانيا، وتشعر بشعور جيد حيال التحدث بلغاتها المحلية، البعض قال إنها كسولة وحسب، لكن نيكوندي بعيدةً عن ذلك كله.

إن خسارة اللغة المحلية هي ظاهرة تعرف بـ”اضمحلال اللغة الأولى”، وعلى الرغم من كونها ظاهرة تثير الدهشة وأحياناً الغضب، إلا أن اضمحلال اللغة الأولى أصبح ظاهرة شائعة جداً بين الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يتنقلون حول العالم.

قالت مونيكا سكيمد، الباحثة فى اضمحلال اللغة بجامعة إسكس “إن الاضمحلال يبدو سلبياً جداً، إنه يستدعي الصورة الذهنية لطحن شيء وإخفائه، نحن لا نفكر فيما يحدث بالفعل”.

لا تؤمن سكيمد بأن اللغة الجديدة تقضي على اللغة الأم، إنها تظل موجودة، لكنها مدفونة ونائمة فحسب.

ويشير الكم الأكبر من البحوث إلى أن العديد من الحالات يمكنها التغلب على تلك المشكلة.

اللغة الأم

يقوم المراهقون في بريطانيا بشرح وتحليل العشرات، وربما أكثر من القصائد حينما يدرسون الأدب الإنكليزي أو اللغة في المدرسة.

فبينما يختلف تدريس بعض القصائد قليلاً من فصلٍ دراسي إلى آخر، فإن البريطانيون يتذكرون القصيدة القصيرة التي كتبتها سوجاتا بهات بعد المحرقة “Search for My Tongue”. كُتبت هذه القصيدة باللغتين الإنكليزية والكجراتية (لغة هندية)، تُلخص القصيدة مسألة الخوف من فقدان اللغة المحلية.

تقول نيكوندي “أستطيع طهي الطعام الزامبي، لقد عِشت في زامبيا، أشعر أنني مُتصلةٌ بها، إنها موطني. إلا أن عدم امتلاكي اللغة هو ما يشعرني بالانقطاع التام عنها”.

ليس بإمكانك ملاحظة فقدان الطلاقة في لغتك المحلية إلا حينما يكون الوقت قد تأخر تماماً. لن تلاحظ كم أن مفرداتك قد اندثرت إلا إذا أُجبرت فجأة على التحدث بلغتك المحلية، إما أنك سافرت إلى موطنك أو جاء شخص تحبه لزيارتك. لكنك حالما تلاحظ سيكون الأمر قد انتهى، سيُثقلك الشعور بالفقدان والخسارة أكثر وأكثر.

قالت طالبة الدكتوراه بجامعة بيركبيك في لندن، والكاتبة المسرحية جاسويندر بلاك-ويل: “أذكر الكثير من الحوادث التي لم أستطع فيها أن أقوم بصياغة جملة”. وأضافت أن الكلمات تقف على حافة لسانك، تشعر أنك قريب جداً من التعبير عنها، لكنها ليست في متناول يديك. تقول: “أنت لا ترغب في أن تستدير نحو جدتك، وأن تقول لها بضع كلمات قليلة غير مترابطة”.

لقد اتخذ والدا جاسويندر قراراً واعياً بتقوية قدرتها على التحدث بلغتين في إنكلترا، فقد أرسلوها إلى مؤسسة “Punjapi Child minders”، بينما هي تحضر دروس الإنكليزية في المدرسة. كانت تتحدث اللغتين بطلاقة حتى سن الخامسة عشرة، حينها -كما قالت- لم تستطع أن تتحدث البنجابية ثانية. لم تكن متأكدة من السبب وراء حدوث ذلك، أو حتى الكيفية، إلا أنه في مكان ما بين الحادية عشرة والرابعة عشرة من عمرها، تلاشت قدرتها على تحدث البنجابية.

حقائق علمية عن فقدان اللغة

عندما يبدأ الناطقون بالعربية بتعلم اللغة الإنكليزية، عليهم أن يبذلوا مجهوداً عقلياً في تكوين جملتهم الإنكليزية ببناء للجملة، مختلف عن بناء جملتهم العربية التي اعتادوا عليها. عندما يكون عليهم التركيز على قول “الخبز” و”الحليب” باللغة الإنكليزية فإن عليهم أن يشكلوا حاجزاً في أذهانهم، ليوقفوا استخدام النسخة العربية من الكلمات. ولكن إذا كانوا يريدون أن يقولوا الكلمات باللغة العربية، فعليهم أن يتحكموا في إيقاف هذه الآلية العقلية.

ويؤدي ذلك إلى حالة يصعب فيها تذكر حتى الكلمات الشائعة في لغتهم الأصلية. فهذا الحاجز العقلي أصعب من التحكم فيه عندما يحاول المتكلم التعبير عن الكلمات أو الجمل بصوت عالٍ، مقارنة مع مجرد فهم ما يقوله شخص ما. لذلك يمكن للكثيرين فهم لغة ما مع عدم القدرة على التحدث بها.

ولا يحدث نسيان اللغة الأولى فقط للأطفال. ستيفي غراف، النجمة الرياضية الأكثر شهرة في ألمانيا كانت مثالاً مؤسفاً لهذه النظرية. في عام 2007، اعترفت غراف أنها تكافح من أجل التحدث باللغة الألمانية. وأعلنت هذا الأمر بشكل محرج أثناء حصولها على جائزة وسائل الإعلام الألمانية للمشاركة الإنسانية.

نضال غراف في التحدث باللغة الألمانية يعتبر غريباً، بحسب ما حدث في تاريخ حياتها، فلقد وُلدت في ألمانيا في عام 1969، وقضت هناك طفولتها وجزءاً مؤثراً جداً من حياتها كفتاة بالغة، وكذلك السنين التي قضتها في مهنة التنس (وسرعان ما صارت واحدة من أكثر النساء تأثيراً في ألمانيا).. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة في عام 2000 مع زوجها، حيث ربت أولادها. ولكن عندما عادت، كانت تتحدث الإنكليزية بطلاقة، بينما كانت تكافح لتجميع الجمل الألمانية معاً بشكل صحيح.

العودة للأساسيات

لا شيء يضيع، وعلى الرغم من ذلك.. فإنه حسب عمرك، يمكنك استعادة إتقان لغتك الأولى.

إذا كان الطفل يكبر وهو يتحدث لغة واحدة، ففي عمر السادسة لا بد أن يكون قد اكتسب القواعد النحوية لتلك اللغة. وأكملت شميد أنه في الفترة التي تتراوح بين عمر السادسة و11 و12 سنة، تترسخ اللغة في ذهن الطفل، “كل هذه الأمور تستقر وتثبت في هذا العمر”، كما تقول شميد. خلال تلك الفترة في حياتك، ستتقن لغتك وتختزنها داخلك في مكان لا يمكن محوه.

ولكن لهذا السبب أيضاً، قد يناضل الأطفال أقل من 12 عاماً من أجل يحتفظوا بسمات الناطقين الأصليين للغة إذا ما انتقلوا لمكان آخر. قد يتبقى لديهم بعض المعرفة بلغتهم الأولى، لكنهم حين ينطقونها ستكون مصحوبة بلكنة أجنبية، مع أخطاء نحوية هنا وهناك.

وعلى المتكلم أن يتغلب على الآليات العقلية التي تجعل لغةً ما تغلب على الأخرى في حديثه، وتحقيق ذلك يحتاج الممارسة والتدريب المستمر. وهذه الممارسة قد تعني بالنسبة للبعض الذهاب إلى دروس لتعلم قواعد اللغة والمفردات الأكثر تعقيداً التي يكافحون من أجل تذكرها.

مشاعر الشخص تلعب دوراً

تعتبر فترة الدراسة الجامعية بداية قاسية لحياة الراشدين، فعلى الشباب فيها أن يشقوا الطريق لأنفسهم لاختيارهم حياتهم المهنية، وما يريدون أن يكونوا عليه في مستقبلهم، والأصدقاء الذين يريدون أن يحيطوا أنفسهم بهم، مع مصاعب الإيجار، والفواتير، ودراستهم. ولكنها أيضاً المرحلة التي تشكل بها حياة جديدة لنفسك يغرق فيها ماضيك بهدوء.

كشف الباحثون أن مشاعر الشخص تجاه اللغة التي يتحدثها تلعب دوراً في تعلمها، أو بعبارة أخرى كلما كنت تشعر بالإيجابية تجاه لغة ما كان من السهل عليك أن تتحدث بها أو تسترجعها.

كشفت دراسة أجريت في عام 2002 عن اللاجئين الألمان من اليهود، أن هناك علاقة بين كمية الاضطهاد الذي تعرضوا له أثناء الحكم النازي وبين مقدار اللغة الألمانية التي لا يزالون قادرين على تحدثها.

لقد أصاب الباحثة الذهول عندما اكتشفت عدداً من العوامل الأكثر وضوحاً التي لم تؤثر بشكل مباشر على الإبقاء على لغتهم الأم، مثلما كان من المتوقع، مثل العمر الذي كان عليه اللاجئون حينما غادروا ألمانيا، وكمية اللغة الألمانية التي تَحدثوها بمجرد مغادرتهم، وما إذا كان شريكهم يتحدث الألمانية أم لا.

إن إعادة تعلمك وتمكنك من لغتك الأم أمر ليس بالسهل. إنه يمكن أن يستغرق منك سنوات، وقد لا يبدو حديثك مثل ما كنت عليه في الصغر. لكنها رحلة تستحق المُضي فيها. خلال الرحلة ستجد نفسك مثل الغريب الذي حاوطته لغته الأم من جديد.

بإمكان الجميع أن يتحدث لغة أجنبية بشكل جيد في 4 أسابيع، بحسب ليو أندرس (64 سنة)، الذي عمل لمدة 15 سنة كاملة على إنشاء برنامج خاص لدراسة اللغات عبر الإنترنت. طريقة ليو أندرس هي دراسة اللغة الجديدة يومياً لمدة 30 دقيقة فقط في اليوم، وتبيَّن أن الطريقة فعالة جداً. كما أن اتباع هذا الأسلوب يسمح بتعلم لغتين أو أكثر بسهولة، وفقًا لتقرير لصحيفة Fatti Quotidianiالإيطالية.

لكن من السذاجة الاعتقاد أن الشخص مزدوج اللغة هو الذي يتحدث لغتين بطلاقة، بالإضافة إلى اللغة الأم. إن هذا النوع من التوازن في التحدث بطلاقة يحدث نادراً.

المصدر:

هاف بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock