دراسة: المجتمع الكويتي يدعم مواهب ذوي الإعاقة
المجتمع المتحضّر يبصر الموهوبين، ويحتضن المتميزين، ويفتح عينيه على أصحاب المنجزات، ويساند أبناءه الصاعدين، وعلى النقيض من ذلك يتسبّب التهميش في خلق حالة من الإحباط، كما أن عدم تقبّل المجتمع إعاقة أخرى.
هذا ما أكدته أستاذة علم النفس في جامعة الكويت الخبيرة الاستشارية في مجال التدريب والإعاقة د.أمثال الحويلة، لافتة إلى أن الدعم الاجتماعي والنفسي له تأثير إيجابي في الصحة النفسية للأفراد المعاقين بصرياً.
وأشارت الحويلة في دراستها السيكولوجية ــــ التي حصلت القبس على نسخة منها ــــ حول «تأثير الرضا عن الحياة في درجة كل من الاعتقاد بالكفاءة الذاتية، والاكتئاب والوحدة النفسية لدى عيّنة من ذوي الإعاقة البصرية في الكويت»، إلى أن هذا النوع من الإعاقة قد يسهم في شيوع الاختلالات النفسية وانخفاض الرضا عن الحياة.
وذكرت الحويلة أن ضعف التوافق لدى المكفوفين مشكلة، مشدّدة على أهمية دور الأسرة في إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية، وتعزيز الثقة بالنفس.
واعتمدت الباحثة في دراستها، التي شملت عيّنة من المواطنين، قوامها 100 كفيف كويتي، بواقع (56 ذكرًا، و44 أنثى)، تتراوح أعمارهم بين 32 و50 سنة، ويتراوح مستواهم التعليمي في ما بين متوسط، وفوق متوسط، وجامعي، اعتمدت على المنهج الوصفي في توضيح تأثير الرضا عن الحياة في درجة كل من الاعتقاد بالكفاءة الذاتية، والاكتئاب والوحدة النفسية لدى عيّنة من ذوي الإعاقة البصرية في الكويت..
تقدير الذات
وأشار الدراسة إلى شيوع بعض الاختلالات النفسية المتمثّلة في خفض تقدير الذات، ومركز الضبط، والاكتئاب، والقلق، والكآبة، والشعور بالوهن، والهوس بين الراشدين من ذوي الإعاقات البصرية.
وبيّنت أن الإعاقة البصرية تسهم إسهامًا ملحوظًا في انخفاض نوعية الحياة، حيث تؤدي الاختلالات البصرية إلى زيادة أعراض الاكتئاب، وانخفاض الرضا عن الحياة، مما ينعكس ذلك على تدني نوعية الحياة، وهذه النتيجة تشيع بين الإناث والذكور من ذوي الإعاقة البصرية.
وأظهرت النتائج فروقاً بين الذكور والإناث من ذوي الإعاقة البصرية في المجتمع الكويتي من حيث: الاعتقاد بالكفاءة الذاتية والاكتئاب، حيث جاءت مجموعة ذوي الإعاقة البصرية الإناث مرتفعة الاعتقاد بالكفاءة الذاتية، والاكتئاب مقارنة بالذكور، في حين اختفت الفروق بين المجموعتين في الرضا عن الحياة، والشعور بالوحدة النفسية بتباين كل من العمر، والمستوى التعليمي، والحالة الاجتماعية والمهنية
كما أوضحت الدراسة أن الإعاقة البصرية تؤثر في الفرد المعاق، وتجعله مُعطلاً في جانب من جوانب شخصيته، وذلك تبعًا لنوع الإعاقة، ملمحة إلى تفاوت الآثار الناجمة عن الإعاقة وفق نوعها وشدتها وزمنها وموضعها.
سمات شخصية
وزادت بالقول: الفرد المعاق بصريًا تظهر عليه عدة سمات شخصية غير سوية كالانطواء، والميل إلى الانسحابية، والإصابة بالاضطرابات النفسية، وعدم الانتماء، وعدم الشعور بالحرية، والإحساس بعدم القيمة والوحدة النفسية، مضيفة «ويبدو أن مستويات الضغوط النفسية التي يعانيها كل الأفراد المعاقين بصريًا تتباين وفقًا لخصائص الفرد من حيث عمره وجنسه وفئة إعاقته وشدتها وخصائصه السلوكية والخدمات المتوافرة له».
ولفتت إلى أن الإعاقة البصرية تحد من مشاركة المعاق بصريًا وتفاعلاته مع الآخرين واندماجه في المجتمع، مما يؤثر في توافقه الاجتماعي، وفق مدى اكتسابه المهارات الاجتماعية الضرورية اللازمة لحياته ولتقديره لذاته، كذلك تؤثر تأثيراً غير مباشر في تكوين شخصيته، فهي تشكّل اتجاهاته نحو نفسه ونحو الآخرين، وأيضا مفهومه لذاته.
وأرجعت الدراسة سبب المشكلات السلوكية، لا سيما الاجتماعية إلى الإعاقة، كما أن الإحباط الذي يعانيه الأفراد المعاقون نتيجة لعدم فهم الآخرين لهم يؤدي إلى ظهور مشكلات انفعالية أكثر لديهم، من بينها السلوك العدواني.
ولاحظت أن الفرد الذي يتعرّض للقسوة والشعور بالرفض والإهمال، والحرمان، وتغيير القائمين عليه بالرعاية يكون أكثر عدوانية، ومن ثم يتضح مدى المعاناة والضغوط والشعور بالمشقة النفسية المترتبة على الإصابة بالإعاقة البصرية، وانعكاس ذلك على سمات شخصية المعاق، وسوء توافقه مع البيئة والمحيطين به، وهذا يُمثل خطوة أساسية لتدني نوعية الحياة».
إرشاد نفسي
وبينما شدّدت الدراسة على حاجة فاقدي البصر إلى جلسات الإرشاد النفسي لتخفيف حدة الضغوط التي يواجهونها وإعادة تأهيلهم فضلا عن ضرورة تقديم البرامج النفسية الإرشادية للآباء والأمهات لتوجيههم وتدريبهم على تربية أبنائهم والتعامل معهم بطريقة سوية، لفتت إلى شيوع الأعراض الاكتئابية بشكل دالٍّ بين كل من الأفراد ذوي ضعف البصر، وآبائهم وتدني جودة حياة الأسر التي فيها أبناء من ذوي الإعاقات البصرية.
المكفوفون على مقاعد الدراسة.. مهارات وتحدِّيات
أظهرت الدراسة أن التوافق الاجتماعي للتلاميذ المعاقين بصرياً يمثل تحدياً لنموهم، حيث تظهر مشكلاتها في مرحلتي الطفولة والمراهقة مع الإعاقة البصرية، إضافة إلى وجود مشكلات في المهارات الاجتماعية اللفظية وغير اللفظية التي تظهر في المدرسة، ولكن مع التقدم في العمر والإنجاز الفعلي في حياتهم يحدث التحسن في مستوى التوافق.
وخلصت الدراسة إلى أن المجتمع مسؤول عن رعاية الطفل الكفيف ومساندته من النواحي الصحية والتعليمية والاجتماعية والتدريبية، فالكفيف في حاجة إلى معلومات تصل إلى عقله وترفع قدرات تفكيره.
وذكرت أن تعليم الكفيف ليس مشكلة إذا استطعنا أن ندربه على استخدام باقي حواسه مثل: السمع واللمس، وكذلك اختيار أنواع الخبرات التعليمية التي تناسبه وتناسب ميوله وهواياته، كما أنه يجب على الكفيف نفسه أن يحقق مستوى ناجحا للحركة في المكان كلما شعر أنه يؤدي دورا مميزا.
وأوصت الدراسة بضرورة التدخل المبكر مع الأفراد المصابين بالإعاقة البصرية لتعليمهم وتدريبهم على الطرق والفنيات المعرفية والسلوكية للتوافق مع مصادر الضغوط الناتجة عن إصابة الإعاقة البصرية.
ودعت إلى وضع برامج تؤدي إلى تعديل الأفكار والمفاهيم الخطأ لدى أفراد المجتمع عن الإعاقة البصرية، وعن إمكانات وقدرات المعاق بصرياً، إضافة إلى رفع الروح المعنوية وإشعارهم بالحب والحنان وتشجيعهم على الاعتماد على أنفسهم.
ذوو الإعاقة يحددون مطالبهم في يومهم العالمي:
دمج مجتمعي.. كوادر طبية متخصصة.. وتفعيل القانون
شدد ذوو الاحتياجات الخاصة وأهاليهم على ضرورة استغلال الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة في تفعيل القانون بحذافيره، وتكريس الحقوق المشروعة التي كفلها الدستور.
وحددوا أبرز المطالب في هذه المناسبة ومنها: تعزيز الوعي بقضايا الإعاقة وتطبيق الدمج في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلا عن ترسيخ مفهوم تكافؤ الفرص بين أبناء هذه الفئة ونظرائهم من غير ذوي الإعاقة، وعن إشراكهم في الخطط والبرامج التنموية.
وطالب بعض ذوي الإعاقة في تصرحات لـ القبس بضرورة توعية المجتمع بثقافة الاندماج وأن يقتنع الجميع أن هذه الفئة جزء مهم من المجتمع وتجب مساواتها بالأصحاء، ويجب على الدولة والحكومة رعاية هذه الفئة وتنفيذ الاتفاقيات الدولية بجدية.
ولفتوا إلى معاناتهم في المستشفيات الحكومية، حيث لا توجد غرف طوارئ خاصة تستوعب كل أنواع الإعاقة، كذلك عدم وجود كوادر طبية متخصصة في رعاية ذوي الإعاقة والامراض المزمنة المصاحبة لها بسبب الجلوس الطويل على الكرسي المتحرك أو السرير الطبي من تقرحات وتخثر الدورة الدموية، كذلك توجد أجهزة طبية لدى بعض المعاقين تكون دائمة في الجسم وتحتاج لرعاية خاصة ومراقبة دورية وتبديل دوري لهذه الاجهزة .
وأشاروا إلى الحاجة لمستشفى متخصص لذوي الاعاقة يكون مجهزا بأحدث الأجهزة المتطورة مع وجود أطباء متخصصين لمختلف الإعاقات، إلى جانب توفير عدة مراكز طبية للعلاج الطبيعي متخصصة لعلاج مختلف الاعاقات في جميع المحافظات وتسهيل عملية الوصول إليها.
وتختلف احتياجات الاعاقة الذهنية عن غيرها من الاعاقات بحسب ما ذكره أولياء أمورهم الذين نوهوا بحاجة المعاقين ذهنياً إلى الإرشاد والتوجيه المستمر، كما اشتكوا من عدم اكتمال الرعاية الطبية لهذه الفئة في ظل عدم وجود العدد الكافي من الكوادر الطبية المتخصصة في تشخيص حالتهم الصحية.
وأشار أولياء الأمور إلى معاناة أبنائهم بعد بلوغهم سن الـ21 عاما، مؤكدين أنهم بحاجة إلى أندية تربوية وترفيهية لحمايتهم من العزلة والسمنة والاكتئاب، مطالبين بصرف اللوحات المرورية لأبنائهم على غرار ذوي الإعاقة الحركية، لا سيما لفئة متلازمة الداون التي تعاني من السمنة وعدم القدرة على الحركة بشكل طبيعي.
كما طالبوا بتوفير مكتب خدمة اجتماعية لمتابعة أحوال المعاقين ذهنيا وحمايتهم من الاستغلال، فيما طالب الصم بتوفير مترجم لغة إشارة في مرافق الدولة لتسهيل التواصل معهم.
155 مليون كفيف وضعيف بصر
استعانت الباحثة د.أمثال الحويلة بإحصائية حول تزايد معدلات انتشار الإعاقات البصرية في أنحاء متفرّقة من العالم، سواء من المجتمعات المتقدمة أو النامية، حيث تقدّر مؤشرات هيئة الصحة العالمية عدد المكفوفين وضعاف البصر بنحو 155 مليون شخص حول العالم.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة انتشار العمى تختلف من دولة إلى أخرى، وأن حوالي %80 من المعاقين بصريًا يوجدون في دول العالم الثالث وتزداد نسبة انتشار الإعاقة البصرية مع تقدّم العمر وتزداد في الدول التي تفتقر إلى الرعاية الصحية المناسبة.
وألمحت الدراسة إلى شيوع الاضطرابات النفسية بين ذوي الإعاقات البصرية؛ كاضطراب ما بعد الصدمة بنسبة %59، والاكتئاب بنسبة %46.4، والقلق بنسبة %35، والمشقّة النفسية بنسبة %36، وسوء استخدام الكحول بنسبة %26.
وبيّنت الدراسة أن ذوي الإعاقة البصرية يتّرتب على وجودهم مشكلات مدرسية وأسرية وسلوكية ونفسية إضافة إلى إهدار الطاقات التي توجّه من أجل عملية التعليم والتعلم، محذّرة من أن فعاليات التدخل العلاجي تتضاءل إلى حد كبير مع تأخّر الكشف عن ذوي الإعاقة البصرية، مما يؤثر فيهم نفسياً، وينعكس ذلك على التحصيل الدراسي والمدرسي.
دعم ومساندة
أكدت الباحثة د. أمثال الحويلة احتضان المكفوفين، والعمل على مساندتهم ودمجهم في المجتمع، وتطوير المناهج الدراسية الخاصة بهم.
ولفتت إلى أن الوقت حان لتوعية أولياء الأمور بكيفية التعامل مع أبنائهم المعاقين بصرياً، وتقبّل هذه الإعاقة، مشيرة إلى أن عدم الدمج والتهميش والإهمال الأسري على رأس العوامل التي تزيد المتاعب النفسية لدى هذه الفئات، وكلما زاد التكيف مع المجتمع ظهرت الإبداعات والقدرات.
مراكز إرشادية وعلاجية للأسر
أشارت الدراسة إلى أهمية إنشاء مراكز إرشادية وعلاجية للتوعية بخصائص الأفراد المعاقين بصرياً، وأساليب رعاية نموهم النفسي والاجتماعي، وحل المشاكل التي تواجههم وتعوق دمجهم السوي في المجتمع وتفاعلهم الإيجابي. وألقت الضوء على أهمية توفير الخدمات النفسية وتفعيل دور الاختصاصي النفسي في تنظيم الدورات التدريبية وورش العمل لتوعية الآباء والأمهات
المصدر:
القبس