النحاة سيخسرون والعامية ستنتصر.. الحظ أقوى منهم واللغة ستتغير مهما قاوموا.. قصة تطوُّر الإنكليزية العجيبة
شئنا أم أبينا، تطرأ على اللغة تغيرات مع الزمن، ومهما حاول بعض النحاة مقاومة التغيير فإنه سيتم، ولكن الغريب أن العوامل التي تؤثر في هذا التغيير بعضها يرجع للحظ وعوامل عشوائية تتحدى مفاهيم النحو عّن تطور اللغة.
تغييرات كثيرة حدثت للغة الإنكليزية، يقول باحثو التذبذب في نحو وقواعد اللغة الإنكليزية إن سببها -على الأرجح- يرجع للحظ، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
مثل التغير في تهجئة كلمة (Spilt) بمعنى (سكب) لتصبح في يومنا هذا (spilled)، ويرى الباحثون أن لا فائدة تُرجى من أي مقاومة لعملية التغيير هذه.
وقد رصد الباحثون العوامل التي تؤدي إلى هذه التغييرات، فتبينوا أن بعضها عوامل نظامية وأخرى تعود للصدفة.
إليك أهم هذه العوامل التي تؤدي إلى تغييرات في اللغة.
لطالما عقد الباحثون مقارنات بين تطور اللغة والتغييرات التي تطرأ عليها، ولاحظ الخبراء أن رغبات متحدثي اللغة -بإضفاء صيغة التأكيد مثلاً على كلماتهم- قد تعمل عملاً أشبه بـ”الانتخاب الطبيعي” فتَثْبُتُ صيغٌ نحوية وصرفية معينة على مر الأجيال، فيما يتم إقصاء واستبعاد أخرى فتضمحل وتختفي من اللغة عبر الزمن.
الصدفة العشوائية
غير أن دراسة جديدة أظهرت أن ثمة آلية تطورية أخرى قد يكون لها دورٌ هام في عملية التغير: إنها الصدفة العشوائية؛ إذ يقول أصحاب الدراسة إن بحثهم يُثري فهمنا لطريقة تغيُّر اللغة عبر القرون.
يقول الأستاذ جوشوا بلوتكين، المشارك في كتابة البحث (من جامعة بنسلفانيا الأميركية): “سواء أكانت الصدفة العشوائية أم كان الانتخاب الطبيعي، فإن إحدى حقائق اللغة الإنكليزية –وغيرها من اللغات بالفعل- هي أن اللغة تتغير. قد يكسب النحويون الجولة طيلة عقد من السنين، ولكن حتماً بعد مرور قرن سوف يجدون أنفسهم على الطرف الخاسر”.
وفي البحث الذي نشره بلوتكين وزملاؤه في مجلة Nature، وصفٌ للتغيرات التي طرأت على أنواع من القواعد النحوية عبر الأجيال.
فمثلاً، نظر الفريق إلى التغيرات في الإنكليزية الأميركية بتفحص أكثر من 100 ألف نص، بدءاً من عام 1810 وصاعداً، مركِّزين في بحثهم على استخدام صيغة الفعل الماضي الإنكليزي (-ed) مقارنة بصيغه الشاذة، مثل الفعل (spilled) وتهجئته القديمة (spilt) بمعنى (سكب).
نتيجة البحث خرجت بـ36 فعلاً، لكل منها صيغتان ماضيتان على الأقل، مثل الأفعال (quit/quitted) بمعنى (ترك أو استقال) و(leaped/leapt) بمعنى (قفز).
لكن فريق الباحثين قال عن معظم تلك الأفعال الـ36، بما فيها (spilled/spilt)، إن مسألة اضمحلال صيغة وثبات أخرى ليست تماماً راجعة إلى الانتخاب، وإنما هي على الأرجح مسألة حظ عشوائي عندما سمع الأشخاص إحدى الكلمتين فدونوها وكتبوها.
يقول بلوتكين: “للحظ دور هام حتى في عملية تطور اللغة، تماماً مثلما هو الأمر في التطور الطبيعي البيولوجي” .
وأضاف أن تأثير هذا الحظ العشوائي في اللغة لم يكن من قبلُ يحظى بتقدير كامل.
ففي حالة 6 أفعال من قائمة الـ36، كان ثبوت إحدى صيغتي الفعل الماضي واضمحلال أختها أمراً من الواضح أنه ليس صدفة فحسب؛ بل أغلبه اختيار فاعل أشبه بالانتخاب الطبيعي.
ففعل (woke) الماضي بمعنى (استيقظ)، كان اختياره وتفضيله أكبر من صيغة (waked)، وكذلك فعل (lit) بمعنى (أشعل) كان أكثر تفضيلاً من أخيه (lighted)، وكذلك كانت الغلبة لفعلي (نسج-wove) و(seaked-تسلل خارجاً) على كل من (weaved) و(snuck) على التوالي.
كذلك، كشفت الدراسة أن فعل (smelled) بمعنى (شم) هو أكثر شيوعاً من (smelt)، وأن (dove) بمعنى (غاص/غطس) أكثر شيوعاً من (dived)، إلا أن البريطانيين يفضلون الصيغة الأخيرة على الأولى.
تقلُّص الصيغ النظامية لصالح الشواذ!
ولكنَّ ثمة أمراً غريباً، “فالسائد هو أن اللغة إن كانت تتغير، فالمفروض بشكل عام أن تتغير نحو الصيغة النظامية؛ لأنها أسهل تذكراً”، حسبما قال بلوتكين، بيد أن 4 من تلك الأفعال الـ6 المذكورة آنفاً تُظهر صعوداً في استخدام الصيغة الشاذة غير النظامية من الفعل الماضي.
يرى الباحثون أن سبب ذلك قد يعود جزئياً إلى أن الكلمة قد تشبه غيرها من الكلمات الشائعة في العصر، فمثلاً إن شيوع استخدام فعل (dove) في الأميركية أكثر من (dived) يتزامن مع التطور الحاصل في صناعة السيارات، ولهذا فإن التشابه بين فعلي (dive-يغطس) و (drive-يقود السيارة) أدى إلى تفضيل صيغة (dove)؛ لأنها تشبه فعل (drove) صوتياً، حيث الاثنان يصفان حركة جسم وانتقاله من مكان إلى مكان.
وأضاف فريق البحث أن الشك يخامرهم بأن تأثيراً مشابهاً قد يكون السر في تفضيل وثبات عدد من الأفعال، يبدو أن الحظ وحده يقرر مصيرها.
ويضيف فريق البحث أن الكلمات النادرة قد تتنوع عبر الزمن وتخضع هي الأخرى للحظ العشوائي.
وتستكشف الدراسة التغيرات التي طرأت على صيغة النفي في جمل مثل (لا أقول) من خلال نصوص إنكليزية بين القرنين الـ12 والـ16، حيث اكتشفت الدراسة أن مكان أداة نفي (not) قد تغير أكثر من مرة عبر العصور بسبب الانتخاب، وربما كان سر ذلك هو الرغبة في التوكيد.
يقول بلوتكين: “في أحد العصور، ساد استخدام النفي المزدوج لنفي الأشياء مثلما هو الحال في اللغة الفرنسية اليوم”.
الأستاذة د. كرستين كسكلي، من مركز تطور اللغة في جامعة إدنبره بأسكتلندا، وافقت على القول إن التشابه في أفعال شاذة شائعة قد يؤثر في صعود أو هبوط إحدى صيغ الفعل الماضي.
لكنها كذلك رأت أن ثمة ضغوطاً أخرى تؤثر في تفضيل صيغة للماضي على الأخرى. والأكثر -حسب كسكلي- أنه ليس واضحاً إن كان من الممكن تطبيق نتائج هذا البحث الأخير على بقية اللغات.
وتختم بالقول: “الإنكليزية عجيبة!”.
المصدر:
هاف بوست