قسم السلايدشوأخبار منوعة

دراسة للدكتور حامد الحمود: نحو رؤية لتجاوز مأزق التعليم في الكويت

ما الهدف الأعلى الذي نسعى إليه لنتجاوز مأزق التعليم في الكويت؟

هل الهدف رفع مستوى التعليم؟ أم رفع نسبة المعلمين الكويتيين في التخصصات العلمية؟

هل يريد الآباء والأمهات منهجا يرتقي بأبنائ‍هم ويرفع مستواهم العلمي ويسهل العملية التعليمية؟ أم ان رغبتهم «تطوير المنهج بخبرات محلية»؟

أسئلة نطرحها من واقع المعرفة وتفاعلا مع تصريحات خرجت في الأيام الأخيرة على لسان وزير التربية والتعليم العالي ومدير مكتب البنك الدولي في الكويت ورئيس ديوان الخدمة المدنية.

أرى أن تطوير التعليم يتم بالإعلان عن هدف أكبر وأشمل، يمكن قياسه بصورة دورية، مثلاً أن يعلن أنه بعد ثلاث سنوات سيكون أداء الطلبة في الامتحانات الدولية في مستوى نتائج البحرين، وأنه سيكون في مستوى أذربيجان بعد عشر سنوات.

التقرير التالي يلقي الضوء على أسباب الضياع في تطوير العملية التعليمية والعوائق التي يواجهها المسؤولون.
ثلاثة تصريحات تتعلق بتطوير التعليم في الكويت ظهرت في الأيام القليلة الماضية. الأول لرئيس ديوان الخدمة المدنية، والثاني لوزير التربية والتعليم العالي، والثالث لمدير مكتب البنك الدولي في الكويت. المهندس أحمد الجسار ــ رئيس ديوان الخدمة المدنية ــ وعد برفع مستوى الكويتيين بالتخصصات العلمية الى %75. ووزير التربية، د. محمد الفارس، أعلن «مستمرون في تطوير التعليم». لصحيفة ثم صرح لصحيفة أخرى «الوزارة مجبرة على قبول خريجي كلية التربية الأساسية وإن كان مستواهم العلمي لا يؤهلهم للعمل في التدريس» والذي يوحي بالشكوى من واقع التعليم المر في الكويت أكثر منه ووعد بأنهم «مستمرون في تطوير التعليم».

أما التصريح الثالث فكان للدكتور فراس رعد، رئيس مكتب البنك الدولي في الكويت والذي أعلن فيه ان المناهج الجديدة كويتية، لكن يستعان بخبرات متوافرة عند البنك الدولي. لكني أتساءل ويتساءل معي جميع المهتمين بالعملية التعليمية: هل الهدف الأعلى هو رفع مستوى التعليم في الكويت، أم رفع نسبة المعلمين الكويتيين بالتخصصات العلمية؟ وهل يريد الآباء والأمهات منهجا يرتقي بأبنائهم ويرفع مستواهم العلمي ويسهل العملية التعليمية؟ أم أن رغبتهم هي: «أن يطور المنهج بخبرات محلية».
أسباب الضياع

لا نشك بإخلاص هؤلاء المسؤولين الثلاثة ولا بتفانيهم في العمل. كما أن الأهداف التي وضعوها قد تكون مجدية وترفع من مستوى التعليم، لكن ليست هي الهدف الأعلى. فالهدف الأعلى هو تطوير مستوى التعليم والإعلان عن هدف أعلى يمكن قياسه. نريدهم أن يعلنوا مثلا أنه بعد ثلاث سنوات، سيكون أداء الطلبة الكويتيين في الامتحانات الدولية بما يعادل البحرين، وأنه بعد عشر سنوات، سنكون في مستوى أذربيجان، ولا نطمح أن نكون في مستوى سنغافورة أو اليابان أو فنلندا في العشرين سنة المقبلة. نحن متواضعون، ونعرف إمكاناتنا وظروف مجتمعاتنا. وليسمح لي القارئ أن أخوض بتفاصيل هذه التصريحات، متطرقا الى أسباب الضياع في تطوير العملية التعليمية بما في ذلك العوائق التي يواجهها المسؤولون في تطوير التعليم، والذي سأشرح أنه يرجع الى غياب التفكير والمهج النسقي The System Approach عند وضع الرؤية فالاستراتيجية ثم الخطة.
الجسار والتكويت

مع قناعتي بأن رفع مستوى التعليم في الكويت عمل معقد يحتاج تآزر جهود والتقاء نوايا وأهدافاً لأكثر من وزارة أو هيئة أو مؤسسة، إلا أني دهشت لأول وهلة عندما شاهدت أن العنوان الرئيسي للصفحة الأولى في «الانباء» بتاريخ 2017/9/28 الذي كان «%75 من المعلمين كويتيون خلال خمس سنوات». حتى أنني عندما رأيت صورة رئيس ديوان الخدمة المدنية المهندس أحمد الجسار وسط الخبر. ظننت لأول وهلة أن المهندس الجسار قد تم تعيينه وزيراً للتربية في وقت كنت فيه خارج الكويت. لكن عندما دققت بالمضمون عرفت لأول مرة أنه أصبح رئيس ديوان الخدمة المدنية. وزادني الخبر اطمئناناً عندما قرأت أن «أحمد الجسار يعكف على وضع خطة تكويت التعليم بالتعاون مع الجامعة والبعثات بالتعليم العالي». ومع أنني لم أطمئن «لتكويت التعليم» إلا أن التنسيق مع الجامعة، حول هذا الموضوع من قبل ديوان الخدمة المدنية ضمن المسار الصحيح لتطوير التعليم.
إستراتيجية الوزير

أما الوزير د. محمد الفارس فقد صرح لــ«الشاهد» بتاريخ 2017/9/28: «أن المشروع الوطني المتكامل لتطوير التعليم يدخل ضمن الاستراتيجية الخمسية لتطوير التعليم،، وأنهم مستمرون في تطويره». لكن الوزير عبر عن إحباطه بالعقبات التي تواجه تطوير التعليم لصحيفة أجيال الطلابية بقوله «الوزارة مجبرة على قبول خريجي كلية التربية الأساسية وإن كان مستواهم العلمي لا يؤهلهم للعمل في التدريس». ووضعت «الشاهد» إدخال مفهوم «الكفايات» في كل الصفوف عنواناً جزئياًَ لخبرها وهو مفهوم عسير الهضم على بعض المعلمين، فما بالك على القراء العاديين. ولا شك أن هذه الاستراتيجية التي تحدث عنها الوزير تحدث نقلة نوعية في التعليم في الكويت، لكن لا بد من ربطها بمستهدف أو هدف أعلى يمكن قياسه. فهناك خطط متداخلة ضمن هذه الاستراتيجية تتعلق بتطوير المعلم والمدرسة والمنهج وحتى إدارة وزارة التربية. لكن هل هذه الخطط على المسار الصحيح؟ لنفترض أنها على المسار الصحيح، فكيف سنقيس ذلك بعد سبع سنوات من الآن؟. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى صرح الوزير لــ القبس بتاريخ 2017/10/15 انه لا يملك عصا سحرية لحل أزمة التعليم وهو تعبير يظهر مدى الاحباط الذي يعانيه من المهمة التي أُوكلت إليه. الأمهات والآباء لا ينتظرون عصا سحرية بل يتوقعون منهجا واقعيا غير سحري.
دور البنك الدولي

ونشرت القبس بتاريخ 2017/9/30 ملخصا للمؤتمر الصحافي الذي شارك فيه د. فراس رعد ــ مدير مكتب البنك الدولي في الكويت ومديرة قطاع التعليم لمنطقة الشرق الأوسط ــ صفاء الكوقلي، ورأت المديرة «أن عملية تطوير التعليم تأخذ وقتاً طويلا جدا لتصل الى المستويات المتميزة.. وأن أهم ما قدمه البنك الدولي هو خلاصة تجارب الدول الأخرى الأعضاء فيه منها، ووفر خبراء لتدريب المعلمين على مناهج التعليم الجديدة». وكم كنت أتمنى أن تكون المديرة الكوقلي قد أسهبت قليلا وأن تبوح كذلك قليلا عن مقدار ما استطاعت وزارة التربية بجهازها المتكامل من كسبه من المعارف والخبرات من «خلاصة تجارب الدول» الذي وفره البنك الدولي. ليس من الضرورة أن تحدد رقما دقيقا، سنرضى ان تخبرنا بصورة انطباعية، هل كانت الفائدة المكتسبة قليلة، وسط، أو كثيرة، أم كثيرة جدا. وهل استطاعت الكويت أن تجني من هذا العقد ما كان متوقعا عند توقيع العقد؟ وأن نتساءل عن السبب إن كان الاكتساب متواضعاً. غير المعلن في تصريح المديرة الكوقلي هو أن نقل الخبرات لا يكون عن طريق حقنة أو حبة، تحقق في جسد المعلم ولَّا حبة يبتلعها مدير في وزارة التربية.
منظومة متكاملة

ووفقا لما نشرته «الانباء» بتاريخ 2017/9/28 فإن المهندس احمد الجسار يعكف على وضع خطة تكويت التعليم بالتعاون مع جامعة الكويت ووزارة التعليم العالي، التي لا بد من التحفظ عليها. فمع أن «التكويت» مهم، لكنه لا بد أن يكون مرتبطا بالمستهدف الأعلى الذي هو رفع مستوى التعليم في الكويت. كما أن تصريح المهندس أحمد الجسار لم يشر إلى عامودين مهمين في تطوير التعليم، هما الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتي تخرج المعلمين، والمركز الوطني لتطوير التعليم الذي يرأسه الدكتور صبيح المخيزيم، وأرى أن استراتيجية تطوير التعليم تعتمد على الوزارات أو الهيئات التالية:

1 ــــ وزارة التربية ووزارة التعليم العالي.

2 ــــ ديوان الخدمة المدنية.

3 ــــ جامعة الكويت.

4 ـــ الهيئة العامة للتعليم التطبيقي.

5 ــــ المركز الوطني لتطوير التعليم.

خمس شخصيات وهيئات

وقد يتساءل القارئ: لماذا هذا الدور الكبير لديوان الخدمة المدنية في تطوير التعليم؟ فذلك يرجع إلى أن ديوان الخدمة المدنية هو المحفز الرئيسي من ناحية المكافأة المالية الذي يمكن أن يقنع طالب الثانوية العامة المتفوق علميا بدراسة الفيزياء أو الرياضيات بدل الهندسة، إذا ما تم تقديره ماليا. ومنه يمكن تحفيز المتفوقين في الثانوية العامة في القسم الأدبي لدراسة اللغة العربية، إذا ما حفز ماليا على ذلك. فالنقص في معلمي اللغة العربية من الكويتيين لا يقل كثيرا عن النقص في معلمي الفيزياء والرياضيات.

لذا يمكن التصريح بأن رفع مستوى التعليم في الكويت يرتبط بخمس شخصيات كويتية تقود وزارات وهيئات وهم: الدكتور محمد الفارس، المهندس أحمد الجسار، الدكتور حسين الأنصاري، الدكتور أحمد الأثري، والدكتور صبيح المخيزيم.

لكن هؤلاء الخمسة ومهما بلغ تفانيهم وإخلاصهم، لن يستطيعوا إحداث نقلة نوعية في مستوى التعليم بمنهج قابل للقياس بصورة دورية من دون ضامن بأن جهودهم وجهود العاملين في مؤسساتهم لن تعرقل من قبل سياسيين أو قوى مجتمعية أخرى يكون فيها تطوير مستوى التعليم ليس من ضمن أولوياتها، أو أن هذه القوى المعرقلة ترى أن الأسبقية لمصالحها الشخصية. فهي مع تطوير التعليم بشرط الا يتعارض مع مصالحها السياسية والشخصية الضيقة. وبمعنى آخر لا بد من تحويل موضوع ارتقاء مستوى التعليم الى «هم مجتمعي وإرادة دولة» على حد تعبير استنتجه الزميل هاني الحمادي من لقاء متخصصين تربويين في القبس نشر بتاريخ 2017/10/4. هذا وقبل تحديد الرؤية والاستراتيجية والخطط على القوى الفاعلة في هذه العملية أن تستفيد من التحليل النسقي للموضوع، أو ان تكون مقاربتها ذات طابع نسقي Systematic Approach. وللتوضيح، فليعذرني القارئ أني أصبحت مضطرا لتعريف المقاربة او المنهج النسقي والخوض في تفاصيله قليلا. أي أن أشرح مفهوم المنهج النسقي المستخدم في الإدارة لتحقيق الهدف الأعلى كما تراه نظرية الأنساق.
لماذا المنهج النسقي؟

ونظرية الأنساق ليست منهجا شاملا يغطي تفاصيل العملية الإدارية، لكنها تضع توجها أوسع لتفكيرنا وتجعلنا دوما بعيدين عن ضيق الأفق بإضافة أبعاد جديدة لقدراتنا الإدراكية. وتركز النظرية على علاقة الوحدات المكونة للنسق فيما بينها. والوحدات المكونة للنسق هي وزارة التربية، وديوان الخدمة المدنية، وجامعة الكويت، والتعليم التطبيقي والمركز الوطني لتطوير التعليم. ونظرية الأنساق لا تنتمي الى علم معين، وإنما تطلب تطويرها الاطلاع على الإرث الثقافي لبعض الفلاسفة، إضافة الى أبحاث حول هذا الموضوع في الاقتصاد والفيزياء والرياضيات والعلوم الاجتماعية. ويرى تشيرشمان C.W.Churchman ــ الذي كان أستاذا لبحوث العمليات في جامعة بيركلي ــ في كتابه حول هذا الموضوع، أن الفيلسوف إيمانويل كانط كان رائدا في المنهج النسقي لأنه كان من أكبر دعاة الاسلوب التركيبي التوحيدي الذي يؤلف بين أهداف وحدات النسق لتحقيق الهدف الأعلى. ومنذ منتصف القرن العشرين أصبحت نظرية النسق المفتوح Open System Theory علما قائما بذاته.

وقد شارك علماء الاقتصاد في تطوير نظرية النسق. وحصل الاقتصادي الأميركي الروسي الاصل واسيلي ليونتيف Wassily Leontif على نوبل في الاقتصاد عام 1973 لتطويره نظام المدخلات والمخرجات للقطاعات الاقتصادية المختلفة. فقد قام بجمع المعلومات عن القطاعات الاقتصادية المختلفة، وأوجد علاقة رياضية بين المتغيرات الاقتصادية يمكن من خلالها تقدير ما سيحدث عند إحداث تغيير على متغير في المدخلات على المتغيرات الأخرى، ومن هذا الجدول يمكن التنبؤ مثلا بمقدار الزيادة في سعر سيارة معينة عندما يطرأ ارتفاع يعادل %12 في أسعار الفولاذ المستخدم في صناعة السيارات.

ومن المهم ان يميز بين النسق المفتوح والنسق المغلق. فالإنسان والمجتمع والدولة والشركات والوزارات تعتبر أنساقا مفتوحة، أما ماكينة السيارة فهي نسق مغلق. فالأنساق المفتوحة تعمل على تحقيق أهداف عليا، وتتأثر ببيئتها، كما أن لها القدرة على تصحيح مساراتها من خلال التغذية العكسية Feedback. وهذا لا يحصل في ماكينة السيارة. فالنسق المفتوح مضطر للتكيف مع بيئة للاستمرار في الحياة أو النمو، أما ماكينة السيارة فستتوقف عن الدوران إذا تكيفت مع بيئتها. والأنساق المفتوحة تصنع طاقتها بنفسها إن كان ذلك باستخدام الأكسجين والغذاء كما في الإنسان، أو في المؤسسات الاجتماعية والشركات والدول، حيث يبذل الأفراد الجهد لاستمرارية هذه المؤسسات أو الدول او المجتمعات.
أهم المفكرين

ولكي تكون مفكرا نسقيا، فأنت لست مضطرا لدراسة الفلسفة أو الرياضيات او الفيزياء او الاقتصاد. فتكوين الرؤية الصائبة وبذل الجهود لتحقيق هذه الرؤية هو الذي يحدد إن كان تفكيرك نسقيا أم لا. ولنا في الحديث الشريف عبرة وقدوة:

«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

فجسد الإنسان مكون من أعضاء أو أنسقة أصغر sub-system تعتمد على بعضها لتحقيق الحياة الصحية للإنسان. والحالة المثالية للمجتمع او ان يكون أفراده متعاضدين مثل الجسد. ولكن لتعقيدات الحياة وارتفاع عدد السكان، فإن المؤمنين أو البشر لا يعرفون بعضهم، لكنهم يعملون ضمن مؤسسات اجتماعية (وزارات، شركات وغيرها) لتحقيق أهداف هذه المؤسسات التي بدورها تعمل بتعاضدها على تحقيق الهدف الأعلى للمجتمع هو توظيف قدرات أفراده ومصادره الاقتصادية لتحقيق هذا الهدف الأعلى.

لكن النسق يحتاج الى ضامن ‍‍Guarantor لكي يحمي أو يضمن هذه التفاعلات بين أفراده أو مؤسساته لتحقيق الهدف الأعلى. وبالنسبة للأنبياء، كان الضامن هو الله سبحانه وتعالى. لكن على مستوى المجتمعات الحديثة، فالموضوع أكثر تقيدا، لنأخذ الكويت مثلا ولنفترض أن هذه الأنسقة الفرعية وهي: وزارة التربية، وجامعةالكويت، وديوان الخدمة المدنية، والتطبيقي، ومركز تطوير التعليم قد وضعت استراتيجية لتطوير التعليم تكون أهدافها أو مستهدفاتها قابلة للقياس بصورة دورية، لنقل كل ثلاث سنوات، فمن سيضمن استمرارية المسيرة هذه؟ فقد يتطلب استمرار هذه المسيرة مكافآت المميز من المعلمين، أو رفع مستوى متطلبات القبول في كلية التربية الأساسية، او حتى إحالة كثير من المعلمين الذين يقل مستواهم عن الحد الأدنى المطلوب الى التقاعد. وربما الاستعانة بخبرات خارجية من معلمين مميزين. فهل يمكن تحقيق ذلك؟
لكل منهم هدف

إن ما يحصل حاليا هو أن كل نظام أو نسق فرعي يحدد له هدفا دون ربطه بالهدف الأعلى المحدد برفع مستوى التعليم. فالمهندس أحمد الجسار يهدف الى رفع مستوى معلمي العلوم والرياضيات من الكويتيين الى %75، ووزير التربية يهدف الى تمهين التعليم وتطبيق نظام الكفاءات في التعليم، والبنك الدولي ينقل خبرات الدول الأخرى الى الكويت. لكن أيا منهم لا يعلن ولا يستطيع ان يعلن هدفا استراتيجيا لرفع مستوى التعليم. لأنهم يدركون العقبات التي تواجههم. فظروفهم السياسية والاجتماعية، تمنعهم من التصريح بالمعوقات الحقيقية لتطوير التعليم في الكويت.
معايير الاختيار

تطوير التعليم يحتاج الى أن تتحول مشكلة تخلف التعليم في واحدة من أغنى دول العالم الى «هم مجتمعي وإلى إرادة دولة». لا يكفي أن نشجع الإقبال على مهنة التدريس برفع رواتب المعلمين، ونكون متساهلين في سياسة قبول هؤلاء المعلمين. ونتساهل في تأهيلهم ليشكو الوزير نفسه بأن ليس لديه عصا سحرية وأن الوزارة مضطرة لقبول معلمين من خريجي كلية التربية الأساسية هم أو هن دون المستوى. الدكتور فايز الظفيري ــ الاستاذ بكلية التربية بجامعة الكويت ــ يشكو عبر القبس ضمن ما نشره الزميل هاني الحمادي بتاريخ 2017/10/14 حول التعليم «ان مهنة التعليم تحولت من كونها رسالة الى ارتزاق، لأن نوعية الطلبة المتقدمين أصبحوا كبارا في العلم، حتى ان سكرتارية يعملون منذ سنوات في وزارة التربية التحقوا بالكلية لاستكمال دراستهم فقط من أجل الكادر». والحقيقة اننا جميعا نتوجه الى العمل «لنترزق». أن تطمح سكرتيرة لتتطور لتكون معلمة، هذه ليست مشكلة، بل المشكلة في المعايير الأكاديمية التي اعتمدت في قبولها؟ وما نوعية المنهج الدراسي الذي درسته على مدى اربع سنوات لكي تتأهل لتكون معلمة؟ فكرة تمييز المعلمين برواتب عالية فكرة تستحق التقدير، لكن ليس كل من رغب باستحقاق هذا التمييز يستحق أن يكون معلما. هذا ولا شك انه لو تغيرت معايير الاختيار لكليات التربية، لجذبت شريحة أفضل من خريجي الثانوية العامة. ستتمكن كلية التربية مع ارتفاع معايير قبولها الى جذب نسبة من الراغبين في دراسة الهندسة إليها. فتخصص الهندسة يجذب لمميزاته الوظيفية ولسمعته الاجتماعية، ويمكن أن تتمكن إرادة الدولة والمجتمع من تحويل مهنة مدرس رياضيات وفيزياء ولغة عربية الى مهنة تنافس الهندسة.
النقلة النوعية

إحداث نقلة نوعية في التعليم هو أكبر من مهام وزير حالي او سابق، فيمكن للوزاراء أن يؤثروا ويساهموا في تطوير التعليم، لكن إحداث نقلة نوعية في التعليم يحتاج الى تفكير نسقي ثم تطوير رؤية فاستراتيجية ثم خطط لتنفيذ هذه الاستراتيجية وليس الى وزير وحده. فهذا الوزير مهما كان قديرا ومتحمسا، سيجد نفسه وحيدا، وأن معظم وقته مكرس لأمور ليس لها علاقة بالتعليم. والاستراتيجية تحتاج الى ضامن لكي لا يعرقل تنفيذها. إن مسار تطوير التعليم ورفع مستواه يحتاج الى رعاية ودعم من سمو أمير البلاد ومن ولي عهده الأمين ورئيس مجلس الأمة ورئيس مجلس الوزراء.

فالأمر قد بلغ من التدهور الى أن أغلب المسؤولين الكبار في الدولة أخذوا يرسلوا أبناءهم الى التعليم الخاص الذي أصبح أكثر الاستثمارات ربحية. بمن فيه القائمون على قيادة العملية التعليمية.
بيننا وبين البحرين

هذا ومع الإمكانات المادية الموفرة في البيوت والمدارس ووزارة التربية، إلا أن نتائج الطلبة الكويتيين في امتحانات التيمز التي أجريت في عام 2015 ونشرت نتائجها السنة الماضية وجدنا أن الكويت تخلفت عن دولة البحرين. ففي اختبارات الرياضيات للصف الثامن، كانت نتيجة الكويت 353 نقطة بينما حصلت البحرين على 421، أما الصف الرابع الابتدائي، فحصلت الكويت على 392 نقطة والبحرين على 454 نقطة. لكن دولة مثل سنغافورة، حصلت على 620 نقطة. إن مدارس البحرين ليست أفضل تجهيزا، بل ربما تكون مدارس الكويت أفضل حالا، لذا لابد أن يرجع ذلك لسببين رئيسيين: المعلم والمنهج. فهذان العاملان هما الأهم في تحسين الأداء الأكاديمي للطلبة. والعامل الأول ــ المعلم ــ هو الأهم، هذا ما اثبتته الأبحاث في العالم، ومسألة التكويت يجب ألا تكون على حساب مستوى المعلم. الهدف الذي أعلنه المهندس أحمد الجسار رئيس ديوان الخدمة المدنية برفع نسبة معلمي العلوم والرياضيات من الكويتيين الى %75 هدف جيد. وتمهين التعليم بإصدار رخصة المعلم هذا هدف أسمى كذلك، لكن لا بد من ربط هذين الهدفين بهدف أعلى يمكنه قياس مظهر ارتقاء مستوى التعليم. لا نطمح أن نكون في مستوى سنغافورة. لكن من حقنا أن نطمح بأن نكون في مستوى البحرين خلال ثلاث سنوات ومن حق الشعب الكويتي أن ينظر الى أن تكون المدارس التي يرسلون أبناءهم وبناتهم إليها بمستوى أذربيجان خلال عشر سنوات.

نتفق معك يا معالي الوزير بأنه ليست هناك عصا سحرية لحل أزمة التعليم في الكويت. لكن لا بد أن يعلن الوزير منهجه غير السحري وان يطالب بالصلاحيات لتنفيذه. فمن غير العدل أن يطلب من الوزير إحداث نقلة نوعية في التعليم دون دعم حكومي ومجتمعي. ونريد من الوزير الحالي أول المستقبلي ألا يصرح بعد خمس سنوات انه مضطر لقبول خريجي كلية التربية الأساسية كمعلمين مع أنهم دون المستوى الأدنى المطلوب.
تعلموا في الكويت

الكل يعترف ان مستوى التعليم قد تدهور في الكويت خلالل الــ27 سنة الأخيرة. الأسباب معروفة والعلاج معروف، لكن ليست هناك معالجة حقيقية على مستوى منهجي شامل يستفيد من التفكير النسقي System Approach لتقديم الحلول. تدهور مستوى التعليم في الكويت يرتبط كذلك بتدهور مستوى التعليم في مصر. وبشكل عام، فإنه عندما تتدهور مصر يتدهور العالم العربي. ذكرياتي عن معلمين مصريين وفلسطينيين وسوريين وعراقيين تجعلني أبجل المعلم. لكن هل يبجل الطلبة معلميهم في الوقت الحاضر؟! لا شك في ذلك. لكن ربما النسبة في تناقص خطير. كاتب هذه السطور كان من الجيل الذي عاصر منهجاً أفضل، ومعلمين أفضل وحلماً أسمى. وأنا لست وحيداً في هذا الحكم، مؤخرا كنت مع الدكتور كارم سقا الله الذي يدرس الهندسة الكهربائية في جامعة مرموقة في الولايات المتحدة، وعندما تحدثنا عن التعليم في الكويت، أخبرني ان أساسه العلمي المميز بني في ثانوية عبدالله السالم. أما الدكتورة منال سويرجو وهي أستاذة للفيزياء في جامعة أميركية كذلك تخبرني أنها عندما تخرجت في جامعة الكويت في نهاية الثمانينات، وجدت نفسها أعلى مستوى من زملائها الطلبة في برنامج الدراسات العليا في الجامعة الأميركية التي التحقت بها. وفي النهاية لا بد من الحديث عن مستوى التعليم في الكويت مقارنة بالدول الأخرى.
د. حامد الحمود

[email protected]

hamedalajlan@

القبس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock