د. دلال الردعان: عزوف طلبة التربية عن التدريس إهدار للمال العام
- المعلمون الوافدون يلعبون دورا واضحا في تدني مستوى التعليم
- نتائج الشهادات المزورة لن تعلن لان أصحابها متنفذون
- المدارس أصبحت بيئة طاردة يتذمر منها الطالب وولي الأمر والمعلم
- اتجاه المعلمين للعمل الإداري ظاهرة خطيرة لم يسلط عليها الضوء
- نخرج مئات المعلمين الكويتيين سنويا ونشكو النقص ونستورد من الخارج
- من يتم طردهم من المدارس يصبحون فريسة سهلة لعصابات الارهاب
- الكويت تنفق المليارات على التعليم ولا تحصل على تصنيف في الأمم المتحدة
قالت أستاذ علم النفس في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب دلال الردعان ان أزمة التعليم في البلاد تتطلب ان نلتفت اليها بجدية قبل فوات الأوان اذا كنا نطمح في تطوير التعليم ،خاصة ان الكويت من اكبر الدول الأكثر إنفاقا على التعليم في مقابل تراجع ملحوظ في المخرجات التعليمية والدليل على ذلك ان وزارة التربية تنفق على التلميذ الواحد في المدرسة الحكومية اكثر من ضعف ما تنفقه المدرسة الخاصة.
وأكدت الردعان ان الكويت تعاني من نقص حاد في المعلمين الكويتيين في التخصصات العلمية لأنه ال يوجد خطط مدروسة وواضحة لاحتياجات سوق العمل ومن خلال ذلك يتم تكدس الخريجين في تخصصات متوفرة وعدم تخريج معلمين في التخصصات التي تحتاجها الدولة.
لافتة إلى ان الكويت لا توجد لديها استراتيجية واضحة في التعليم رغم المليارات التي تصرف على هذا القطاع لان وزارة التربية تعاني من غياب الرؤية.
وفيما يلي تفاصيل الحوار الذي دار معها..
في البداية ما رأيك في قضية الشهادات المزورة التي انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة؟
الشهادات المــزورة أوالمضروبة ليست قضية حديثة العهد على الوسط الأكاديمي
حيث اثيرت هذه القضية منذ زمن ولكن لم يتخذ فيها أي قرار جاد للان فتعلوا الأصوات ثم تصمت أمام محاولات التكتم على اسماء اصحابها لاسباب ومصالح قد تكون شخصية او عدم الرغبة بالمساس بهامات علمية ورجالات دولة وشخصيات
من اصحاب هذه الشهادات في اوساط المؤسسات الاكاديمية والحكومية.
والمعضلة في هذه القضية هي حصول اصحابها على حقوق وامتيازات وترقيات
ومناصب قيادية داخل الكويت وخارجها من غير وجه حق جعلتهم يصفون جنب الى جنب مع اصحاب الكفاءات والحاصلين على شهاداتهم الاكاديمية بكل جدارة وجهد .
وفي كل مرة يتولى وزير للتربية والتعليم الحقيبة الوزارية ويثار هذا الموضوع
من قبل مكافحين للفساد تشكل اللجان وتبحث ولا تخرج بنتائج او بالأحرى يتم التكتم على النتائج حتى يأتي وزير اخر وهكذا.
ولقد قام وزير التربية والتعليم العالي حاليا وبعد ضغوط اهل الصالح بفتح هذا
الملف وحوله النيابة لإحقاق الحق والعدالة في هذه القضية وأتمنى ان لا يرضخ للضغوط النيابية وغيرها ويعود الملف للإدراج مرة اخرى لان هذه القضية ستمثل رادعا للفاسدين وحماية لحقوق الاكاديميين وعدم المس بنزاهتهم وحقوق أبنائنا المتعلمين اولا في تلقي تعليم ذي جودة وأمانة ونزاهة.
شهدت الساحة التربوية مؤخرا هجوما حـادا على المعلمين الوافدين وهناك من حملهم مسؤولية تردي مستوي التعليم في البلاد ما رأيك؟
لا اعتقد أن المعلمين الوافدين هم السبب في تدني مستوى التعليم ولكن للمعلم الوافد
دوره واضحا في هذا التدني اولا من ناحية الدروس الخصوصية فهذه الثقافة لم تنتشر الا بعد قدوم المعلم الوافد ونحن نعلم ان هناك معلمون وافدون يجبرون الطلبة على الدروس الخصوصية بل ويتقاعسون عـن الاتقان في عملهم التدريسي حتى يقل
استيعاب الطالب وفهمه للمقرر فيسعى للدروس الخصوصية حتى يتمكن من اجتياز المقررات بنجاح، لكن يظل المعلم الوافد وغير الوافد يتحمل مسؤوليته في تدني مستوى التعليم سواء بعوامل وظروف ساهمت في ذلك كانت مفروضة عليه او بسبب تقاعس وقصور في عمله كمعلم وهنا اشدد على دور الرقابة في المدارس في تقييم المعلمين لآرائهم واسباب قصورهم وان يكون منح الاعمال الممتازة ليس على انجاز المعلم الشخصي بل على تقييم اداء الطلبة وانجازهم وتحصيلهم الاكاديمي فيقيم المعلم على ذلك ويمنح التقدير المادي والمعنوي بناء على ذلك من يلاحظ المشهد التربوي والتعليمي في الكويت يجد انه على الرغم من الجهود التربوية الكبيرة والتوظيفات المالية الضخمة التي تخصصها الدولة للتعليم و كثرة المؤتمرات والدراسات التي تناولت قضية تطوير التعليم نجد ان الانجازات في مجال التعليم مازال جزئيا بل ومحدودا ويشير الى تدهور مخيف فيما يخص المخرجات والكل يعلم أن مستوى التعليم تدنى عما كان عليه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ويلاحظ تنامي اقبال الكويتيين وخصوصا الطبقة الوسطى منهم على التعليم الخاص بسبب عدم الشعور بالرضا عن اداء المدرسة الحكومية من قبل أولياء الامور لان المدارس “تحولت لبيئات طـاردة يتذمر فيها الطالب والمعلم وولي الامر كذلك.
من وجهة نظري اعتقد ان المدرسة الحكومية في الكويت تستطيع ان تعطي اكثر وان تنجز اكثر فلماذا لم تنجز هذه المدارس؟ هل نقص في الانفاق على التعليم؟ أم نقص في المباني والتجهيزات؟ أو نقص في عـدد العاملين في المدرسة من معلمين وإداريين وموظفين؟ هل تكمن الازمة في هيكل التعليم أم العمل التدريسي؟ أم نقص اعداد وتدريب المعلمين؟ أم في دافعية الطالب؟ أم هي قلة كفاءة المعلم؟ أم ضعف تنظيم العمل في المدارس؟ أم هو ضعف في الخدمات النفسية والتربوية وفي الواقع ان الكويت دولة غنية وعدد سكانها قليل وهذا من المفترض ان يجعلها رائدة في مجال التعليم بل وان تقدم افضل نموذج في المنطقة العربية خاصة وأن لها تجربة طويلة وسابقة ورائدة في هذا المجال في الستينات رغم أن الكويت تصرف مليارات على التعليم لا نجد لها نتائج تصنيفية يفي مؤشرات للأمم المتحدة والعالمية في هذا
المجال.
كما ان الكويت تعد من طليعة الدول الاكثر انفاقا على التعليم في مقابل تراجع ملحوظ في المخرجات التعليمية.
واحد الإحصائيات تقول: ان وزارة التربية تتفق على التلميذ الواحد في المدرسة الحكومية اكثر من ضعف ما تنفقه المدرسة الخاصة في الكويت.
من وجهة نظرك ما أسباب تراجع مستوى مخرجات التعليم في البلاد؟
لدينا أزمة تعليم تتطلب ان نلتفت اليها بجدية قبل فوات الاوان وإنا كنا نطمح بتطوير التعليم اعتقد ان من الاسباب التي تقف وراء ازمة التعليم هو اهمال الركائز عند تقديم أي دراسة لإصلاح التعليم وهي التلميذ والمعلم والمنهج يجب ان نركز على دراســة جوانب الخلل في العلمية التعليمية من خلال هذه الركائز الـ 3 وخاصة الطلبة في دول الغرب دائما يستمع الباحثون لآرائهم في رسم أي استراتيجية ويستمعون لاحتياجاتهم وأرائهم وتصوراتهم للحلول كما يجب الاستماع إلى آراء وأوضاع المعلمين من الكويتيين وغيرهم وأيضا تطوير المناهج بعد تقييمها بما يتواكب مع التطور العالمي للتعليم لاسيما ان المخرجات التعليمية لا تتناسب مع الحاجة الفعلية لسوق العمل فنحن نخرج اعدادا كبيرة مـن المعلمين سنويا ونشكو نقص معلمين ونستورد من الخارج سنويا هناك خلل واضح للعيان في قلة الدراسة والتنسيق للاحتياجات الفعلية لوزارة التربية.
ما المميزات التي يتمتع بها المعلم خريج كلية التربية عن غيره ممن يدرسون نفس التخصص في كليات أخرى؟
لا يتميز طالب كلية التربية عن غيره من الطلبة أثناء الدراسة بل بعد عمله بالتدريس من خلال كوادر كبيرة نوعا ما إذا ما قورنت بأعمال أخرى
بما تفسرين النقص الحاد في عـدد المعلمين الكويتيين في التخصصات العلمية مثل الرياضيات والفيزياء؟
نعم لدينا نقص يفي المعلمين الكويتيين في التخصصات العلمية الن الطلبة انفسهم
ايام المدرسية قبل ان يصبحوا معلمين في يوم من الايام ينأون بأنفسهم عن التخصصات العلمية ويميلون الى الدراسات الاقل صعوبة وصولا الى الوظيفة السهلة لاحقا اضافة الى ذلك الاتجاهات السلبية تجاه المواد والتخصصات العلمية
التي نجدها لدى هؤلاء الطلبة لم تدرسن بشكل صحيح حتى نضع المجهر على اسباب عدم رغبتهم بالمواد العلمية ونحاول تشجيعهم وترغيبهم بها.
ما تقييمك للمناهج الدراسية في المراحل المختلفة؟
في رأيي ليس لدينا مشكلة في مناهجنا فهي مناهج قوية وموضوعة على خطط مدروسة وإنما المشكلة تكمن في كيفية التعامل مع هذه المناهج وكيفية تبسيط المعلومة للطلبة وعدم تكثيف المعلومات بشكل يسبب الضغط للطلبة أثناء استيعابها واسترجاعها أثناء الاختبارات والاعتماد على توصيل المعلومة تطبيقيا وليس نظريا فقط ودراســة طرق ترغيب الطلبة في المدارس في هـذه المناهج والمعلومات التي تحتويها بشتى الطرق الحديثة والاستماع لآراء الطلبة ومقترحاتهم في كيفية توصيل هذه المناهج فالأجيال الحالية والمقبلة من طلبة المدارس تختلف في احتياجاتها عن الأجيال الماضية لذا فإن أي دراسة لإصلاح التعليم وتطويره يجب ان تأخذ بعين الاعتبار.
لماذا عـجزنا عــن توفير احتياجات المدارس من الكوادر التعليمية رغم وجود كليتين للتربية؟
لأنه لا يوجد تخطيط للاحتياجات فيتم تكديس الخريجين من تخصصات متوفرة في المدارس وعدم تخريج معلمين في تخصصات تحتاجها المدارس بالفعل وهذا يدل على الضعف في التنسيق والتعاون بين وزارة التربية وكليتي التربية والتربية الأساسية فأحيانا نجد ادارات الكليات توقف القبول في تخصص معين بسبب تكدس سوق العمل من هؤلاء وما تلبث ان تفتح باب القبول بنفس الـعام الذي اتخذت به قرار ايقاف القبول وأضف الى ذلك هروب المعلمات والمعلمين من خلال الانتقال من العمل التدريسيي الى الاداري خاصة بعد الاصابة بالاحباط عند مواجهة العمل في الواقع مع تشرد الموجهين الفنيين ومـدراء المـدارس مع المعلمين والمعلمات والتركيز على اشراكهم بأعمال إدارية لا دخل لهم بها وتكثيف مطالبتهم لهم بالأنشطة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع وتستنزف طاقاتهم وقدراتهم ووقتهم الذي هم من المفروض ان يمنحوه للطالب اساسا وأمام هذا الاحباط وأحيانا عدم التقدير من بعض الادارات المدرسية المريضة المسلطة والمتخصصة بإحباط الطلبة نرى عـزوف المعلم واتجاهه للعمل الإداري وهذه ظاهرة خطيرة جدا لم يسلط المسئولون في قطاع التعليم الضوء عليها وهي خسارة كبيرة فالطالب الذي تصرف عليه ميزانيات ضخمة للتعليم في كليات التربية يعزف عن العمل التدريسي بعد فترة قصيرة جدا فهذا اهدار للمال الـعـام واستنزاف للميزانية العامة للتعليم وهذه ظاهرة تستحق الدراسة.
بالرغم من الحديث المكرر لمسئولي وزارة التربية عن مواجهة الدروس الخصوصية نجد الاعتماد عليها يزداد عاما بعد عام لماذا؟
لعل تنامي اعتماد الأسر في الكويت على الدروس الخصوصية ينبع بالدرجة الاولى من عزوف الابناء عن المثابرة وبذل الجهد اضافة الى تقصير بعض المعلمين في الفصل داخـل المـدرســة في تدريس المقرر وإيصال المعلومة للطالب ومن المعروف ان كل أسرة ترغب بأن يكون ابناء ها من الناجحين فهي امور تتحكم بها الاعتبارات النفسية والشخصية والاجتماعية وأمام هذه الرغبة فإنه من السهل للأسرة ان تدفع للدروس الخصوصية من ان يكون طفلها فاشل دراسيا فالأسرة موقفها ضعيف في هذه القضية ومجبورة على الاعتماد على هذه النوعية من الدروس خاصة انها لا تملك موقع القوة بتغيير القرارات في وزارة التربية من حيث المطالبة بمستوى تعليمي عالي لابنائها من خلال كوادر تدريسية مخلصة في عملها ومراقبة وتقيم على الدوام على عطائها من خلال نتائج طلبته ولعل احد أسباب الاعتماد على الدروس الخصوصية التراجع في الدور التربوي والرعائي للاسرة الكويتية المنغمسة في الحياة الاستهلاكية السهلة والمجاملات الاجتماعية وتخلى معظم الأسر عـن واجبها في غرس القيم الايجابية في نفس تجاه المدرسة وتنشيط الدافعية للتعلم لديهم وفي مقابل ذلك يتنامى دور العاملات الاجنبيات في تربية الصغار ورعايتهم وأحيانا تدريس الابناء والاباء لا يوفرون الوقت لتدريس ابناءهم.
ما تقييمك لوضع التعليم في الكويت بشكل عام؟
في الحقيقة لا توجد استراتيجية واضحة التعليم في الكويت يستطيع المواطن ان يلمسها ويأمن بها على مستقبل ابنائه بالتعليم رغم المليارات التي تصرف على قطاع التعليم في الكويت فهناك غياب للرؤية والمنطلقات أو الفلسفة التربوية التي تستند إليها وزارة التربية في سعيها لتطوير التعليم في الكويت فلا تطوير من دون رؤية واضحة وثابتة في الحقيقة بعيدا عن مخرجات المؤتمرات التربوية وتوصياتها التي نكون حبر على الورق ولا تنفذ على ارض الواقع فعدم وجود الرؤية قد يؤدي للتخبط وهدر الجهود لانه من المفروض ان عملية التطوير يجب ان تتم من خلال تضافر الجهود والتعاون بين الوزارة والمشاركة المجتمعية مع كل الوزارات وسوق العمل ووفقا للتوجهات الخاصة لوزارة التربية وليس وفقا لتوجيهات وزراء التربية ومعاونيهم ونكون توجهات ومبادئ راسخة ومستدامة وليس كل ما يأتي وزير يلغي مشروعات ورؤى من قبله ويغيرها من غير ان يتابعها ويعدل عليها ويسعى لتنفيذها فهذا هو الاهدار الحقيقي.
هل تتوافر الميزانيات اللازمة للقيام بأبحاث علمية على مستوى عالي من الكفاءة؟
ميزانيات الابحاث العلمية جيدة واعتقد انها مرصودة بشكل مدروس ولكن ما نحتاجه هو تشجيع روح وقيمة البحث العلمي لدى الباحثين وليس زيادة ميزانية الابحاث ونشجع الباحثين على اختيار مواضيع بحثية جيدة وتناول ظواهر مجتمعية خطيرة بالدراسة والخروج بنتائج من الامكان الاستفادة منها في علاج المشكلات وليس فقط توصيات منسوجة في الخيال بدون امكانية تحقيق ذلك على ارض الواقع.
ما أسباب ظاهرة العنف التي تتزايد بشكل كبير في الاونة الاخيرة؟
بالفعل هناك تفاقم ظاهرة العنف في المجتمع في الاونة الاخــيرة والتي انتقلت الي المدارس ونشاهدها بشكل كبير بين الطلبة وأيضا الطالبات والمتمثلة في ضرب الطلبة لطلبة آخرين وقلة الانضباط والهروب من المدرسـة وضـرب الطلبة للمعلمين واعتداءات المعلمين على الطلبة ولعل الامر الادهى ان يستغل هؤلاء الطلبة في التطرف والإرهاب بعد فشلهم الدراسي والفصل من المدارس نتيجة السلوكيات العنيفة المتكررة في المدارس فيتم طردهم ويكونوا فريسة سهلة لعصابات الارهاب والمتطرفين وظاهرة العنف والارهــاب والتطرف ظاهرة ملموسة ومتفشية بشكل ملفت للنظر وانتقلت من المجتمع للمدارس باعتبار الطلبة جزء من المجتمع ولعل ظاهرة التطرف والعنف والارهاب يجب ان تقرأ من كل ابعادها ومنها البعد السياسي والبعد الاجتماعي للعنف والبعد الثقافي والبعد الفقهي ثم البعد المستقبلي .
الشاهد