التأثير الساحر لتعلم الموسيقى في عقل طفلك
يتميز العقل البشري بالمقارنة بعقول المخلوقات الأخرى بقدرته على تمييز أصوات ذات مستوى هائل من التعقيد، ويقول الموسيقي والباحث تشارلز ليمب إن الموسيقى هي أكثر الأصوات التي يعالجها الدماغ تعقيدًا، وأكثر ما يتطلب نشاطًا من الدماغ لمعالجتها.
ولا يتعلق هذا بسماعها فقط، إذ يقول علماء الأعصاب إن تعلم العزف على آلة موسيقية يحفّز مناطق الدماغ المختلفة وينميها، ويحفّز الصلة بينها، ويحسن الذاكرة، وهو أثر أكبر من أثر الألعاب والتطبيقات التي تُروّج لها الشركات على أنها تحسن القدرات العقلية، وفي السطور التالية نستعرض هذه الفوائد من خلال الدراسات المختلفة التي أُجريت على موسيقيين، وعلى أطفال تعلموا العزف.
العزف على آلة موسيقية هو أحد أكثر التمارين العقلية اكتمالاً، إذ يتطلب نشاطًا من كل أجزاء المخ، حين تُمسك بالآلة يكون عليك في الوقت نفسه أن تقوم بعدة أنشطة مثل: قراءة النوتة الموسيقية، والإحساس بقطع الآلة ومفاتيحها، وتحريك أناملك عليها، وأحيانًا قدميك أيضًا في بعض الآلات، والاستماع أثناء ذلك إلى ما تعزفه، وأضِف إلى ذلك كله ما تُثيره الموسيقى في النفس من عواطف.
كيف تعمل مناطق المخ؟
لهذه الأسباب يقول علماءٌ إننا في عزف الموسيقى لا نسأل عن المناطق التي تعمل في المخ، وإنما نسأل عن المناطق التي لا تعمل، لما للموسيقى من قدرة على تحفيز نشاط الدماغ لدى الكبار والصغار، وعلى معالجة المرضى المُصابين بإصابات في المخ، ويكمن السر كما توضح عالمة الأعصاب بجامعة وستمنستر كاثرين لفداي في «العلاقة العاطفية التي تربطنا بها، فضلاً عن نشاط الدماغ في معالجتها».
وقد كشف الموسيقي وعالم الأعصاب جولتفرايد تشالاو في دراسة له عن مناطق المخ التي يستثيرها العزف على آلة موسيقية، وكان أبرزها المخيخ، وجسم ثفني، وهي مناطق تصبح أكبر لدى من يعزفون الموسيقى، مقارنةً بالآخرين.
ويشير عالم النفس الأمريكي والأستاذ بجامعة هارفارد، هوارد جاردنر، إلى أن تعلّم الموسيقى ينمي ثمانية أنواع من الذكاء هي: الذكاء اللفظي، والمنطقي، والمكاني، والموسيقي، والاجتماعي، والبدني، والحركي، والطبيعي.
وتتعدد الدراسات التي تؤكد قدرة عزف آلة موسيقية على تطوير مناطق معينة في المخ، وتحسين المهارات الرياضية، ورفع درجة الذكاء بشكل عام.
تأثير تعلّم الموسيقى في الأطفال
أكدت دراسة نشرتها مجلة علم النفس التأثير الإيجابي للموسيقى في ذكاء الأطفال، في هذه الدراسة أُجريت تجربة على مجموعتين من الأطفال في سن العامين، تعلّم أطفال إحدى المجموعتين الموسيقى، وبمقارنة تحصيلهم الدراسي لاحقًا تبين أن المجموعة التي درست الموسيقى حققت تحصيلاً أكبر، وأن الموسيقى أثّرت في الذكاء العام للأطفال.
يشير المختصون إلى أنه في مرحلة الطفولة، يغني الأطفال ويثرثرون، ويكون بإمكانهم إخراج أصوات متناغمة في مناسبات معينة بشكل يدفعنا للتفكير بأنها ليست مجرد صدفة. منذ الشهر الثاني من عمره يصبح لدى الطفل قدرة على إدراك نغمة ومستوى ألحان الأغاني التي تغنيها له أمه، وفي الشهر الرابع يكون لدى الطفل قدرة على إدراك البنية الإيقاعية لها. وهذه الحساسية لدى الطفل تجاه الجوانب الموسيقية تفوق حساسيته للجوانب اللغوية.
وينبه المختصون إلى أنه هذه السن نفسها يكون فيها نمو الذكاء الموسيقي لدى الطفل في أقصاه، بينما يبدأ أغلب الآباء في إيلاء انتباههم لجوانب أخرى هي الذكاء اللغوي والحركي، دون أن يدركوا أن إهمال تنمية الذكاء الموسيقي له تأثير كبير في تنمية الذكاء العام للطفل.
كما أكدت دراسة أُجريت في جامعة هارفارد حدوث نشاط في الخلايا العصبية للأطفال الذين يشاركون في فصول الموسيقى أكثر من غيرهم، وأشارت إلى تحسن القدرة على تمييز الأصوات، وتطور المهام الحركية لديهم.
هل حقًّا تنمو مناطق الدماغ بسبب العزف أم أننا نجيد العزف بسبب تطور الدماغ؟
مع ذلك فقد أثارت النتائج المتشابهة للدراسات حول تشريح الدماغ لدى الموسيقيين، تساؤل العلماء حول ما إذا كان هذا الاختلاف في تشريح المخ يكون قائمًا بالفعل، وهو الذي يؤدي بالبعض إلى التفوق في مجال الموسيقى، أم أنه ينشأ بسبب تعلمهم الموسيقى والعزف، وبالمتابعة الطويلة -من خلال إحدى الدراسات- لمدة 14 شهرًا تقريبًا لمجموعة من الأطفال بدأوا في تعلم عزف الموسيقى، تبين تأثير الموسيقى في وظائف المخ لديهم، وليس العكس، إذ تحسّن الأداء البصري واللفظي والرياضي للأطفال.
ولا تتوقف هذه التأثيرات على وجود نشاط أكبر في المناطق المختلفة من الدماغ، بل يمتد التأثير على الاتصال بين هذه المناطق، والذي يُحسن قدرات الذاكرة اللفظية، والتحصيل الأكاديمي.
وتتناسب هذه التأثيرات مع السن الذي يبدأ فيه الفرد في تعلم الموسيقى، فكلما كان أصغر سنًّا، كانت التأثيرات في الدماغ أكبر.
تعلّم البيانو يجعلنا أكثر ذكاءً
العزف على البيانو بشكل خاص يتطلب نشاطاً كبيرًا للذهن حيث تعمل كلتا اليدين، بينما تقرأ العينان في النوتة الموسيقية درجتين على السلم الموسيقي، الأولى هي (صول) وتعزفها اليد اليمنى، والثانية هي (فا) وتعزفها اليد اليسرى، وهذا النشاط يُنشئ وصلات عصبية بين مناطق الدماغ المختلفة، ويزيد القدرات الدماغية بشكل فائق.
التخلص من القلق والذاكرة القوية
يعتمد عزف الموسيقى على ثلاثة جوانب أساسية: الذاكرة البصرية، والذاكرة السمعية، وذاكرة العضلات، وهي تتفاعل في عملية فكرية معقدة، ومع التدريب اليومي، ينعكس هذا التطور في قدرات الذاكرة على كل مجالات الحياة، ويصبح لدى الفرد قدرة أكبر على الملاحظة واكتشاف الأخطاء، وعلى طرح حلول أكثر إبداعًا للمشكلات.
وأثناء العزف يفرز المخ أيضًا هرمون الإندروفين، وهو ما يدعم شعور الفرد بالاسترخاء والسعادة، لذلك يصفه الأطباء النفسيين كأحد طرق التخلص من القلق.
المصدر:
ساسة بوست