حمد الدرباس يكتب : «الأوفستد» البريطاني وسلعة وزير التربية
يصدر مكتب معايير التعليم البريطاني (أوفستد) تقارير سنوية مفصلة عن كل مدرسة، وعن أدائها بناءً على معايير واضحة ومحددة، وتكون هذه التقارير دليل ولي الأمر لأفضل مدرسة لأبنائه، بالإضافة إلى أنها ترشد كل مدرسة وتوضح ما عليها من مثالب بشكل مفصل، مما يؤدي إلى سعي المدرسة في العام التالي لمعالجة أي ملاحظات سلبية ترد في التقرير، كما أن التقرير يعزز من سمعة إدارة المدرسة والمعلمين في حال رصد تقدم سنوي بالنسبة إلى أداء المدرسة والطلبة والعكس كذلك.
تقارير “الأوفستد” هذه تصدر لكل مدرسة سواء كانت حكومية أو خاصة، ولا سلطان على هذه الجهة الرقابية الصارمة التي تستقي معلوماتها من التفتيش المفاجئ والزيارات المنظمة، ومن أداء الطلبة في كل سنة وآراء أولياء الأمور، ومن الاجتماع مع الطلبة من كل المراحل الدراسية، وتقدم إثر ذلك للبرلمان مباشرة تقييما مفصلا عن كفاءة التدريس وسلامة الطلبة وسلوكهم وأداء الإدارة.
هذا ما أدى إلى اشتداد المنافسة بين المدارس الحكومية والخاصة إلى درجة تفوق المدارس الحكومية على الخاصة في الكثير من الأحيان من ناحية التعليم أو وسائل التعامل مع الطلبة أو في مواجهة أشكال العنف المدرسي، ولا تتفوق المدارس الخاصة كثيراً على المدارس الحكومية إلا في تقديم بعض الخدمات الإضافية كالاستقبال المبكر وإلى وقت متأخر للطلبة، وإشغالهم في الأندية المتنوعة في المدرسة، وتقديم خدمة المواصلات، وهذه المسائل لا علاقة لها بمعايير الأوفستد، إنما هي إضافات قد تكون دافعاً للكثيرين لتسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة.
أما في الكويت فالأمر مختلف تماماً، حيث لا وجود لجهة رقابية مستقلة عن الحكومة تعنى بشؤون الطفل وتعليمه، وبالتالي لا وجود للشفافية في قياس مدى كفاءة كل من التعليم العام والخاص، إلى أن أضحت الهوة واسعة بينهما، مما أدى إلى زيادة الطلب على التعليم الخاص لدرجة ظهور وزير التربية على الإعلام مسوّقا “سلعَنة” التعليم من أجل فتح الباب على مصراعيه أمام زيادة الرسوم، مكتفياً بالتعلل بارتفاع أجور المعلمين، متجاهلاً مسألة تأثير العرض والطلب، حيث ارتفاع الطلب على المدارس الخاصة بسبب رداءة الخدمة العامة التي تقدمها الدولة.
المدارس الخاصة في بريطانيا غالباً ما تتوافر فيها المقاعد الشاغرة على مدار العام، أما المدارس الحكومية المتقدمة بحسب تقرير الأوفستد الخاص فيها فتكون هنالك صعوبة في إيجاد مقعد فيها قبل بدء الدراسة بتسعة أشهر، وهذا معاكس تماماً لما هو حاصل في الكويت، مما يعكس تردي الإدارة الحكومية للتعليم مقابل تقدمها في بريطانيا. وبما أن الإدارة الحكومية من الممكن أن تتقدم على الإدارة الخاصة كما تثبته التجربة في بريطانيا كمثال، فإن المشكلة المثبتة هنا تتمثل بسوء الإدارة في الكويت وفشلها في تطوير التعليم العام ليكون قادراً على منافسة التعليم الخاص، وبالتالي استقطاب الطلاب وخفض نسبة الطلب على المقاعد المعروضة للمدارس الخاصة، مما سيقود إلى اشتداد المنافسة بين كل المدارس لتنتج عن ذلك عملية تطوير مستدامة من جانب التعليم أو من جانب الخدمات الإضافية، أما بقاء الوضع على ما هو عليه فلن يؤدي إلا إلى استمرار التردي في التعليم الحكومي واشتداد الطلب أكثر على التعليم الخاص الذي سيتباطأ في عملية التطوير المستمر. أما رفع سقف الرسوم فسيتسبب في المزيد من الانقسام من جهة إلى طبقة قادرة على دفع رسوم عالية لتتحصل على تعليم جيد، أو على الأقل على شهادة ذات اعتبار أكبر في المستقبل، ومن جهة أخرى إلى طبقة لا تجد خيارا سوى التعليم الحكومي المتردي غير الخاضع للرقابة الجادة مما سيقلل من حظوظ أبناء غير المقتدرين بعد تخرجهم.
التعليم خدمة عامة لا سلعة، وهو أهم ما يمكن لأي مجتمع الاستثمار والادخار فيه، ففيه الحل لكل مشكلة طبيعية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية قد تواجه المجتمع وأجياله القادمة، وهذا ما يتطلب إدارة واعية للمعنى الحقيقي للتعليم.
المصدر : الجريدة