نورة الفرحان تكتب :مافيا الكتب
لطالما كانت القراءة في كويت الأمس نشاطاً فردياً. إذ لم تكن الجهات المعنية بالمجال الأدبي تلقي لها بالاً، وإن بُذِل في سبيلها جهداً فهو على الأغلب غير كافٍ. فتولدت لدى القراء وقتها نوعاً من الغربة إثر ذلك. بينما يختلف حالهم اليوم إذ بتنا نرى القراء كفئة متنامية. كجماعة تجمعها الحلقات النقاشية وورشات العمل ومجموعات القراءة وغيرها من الأنشطة الثقافية. هذا التوجه إلى القراءة هو مؤشر واضح على بداية ثورة فكرية في شبابنا الكويتي.
وكيف نقابل هذه الثورة؟ نقابلها بمنع أكثر من 4 آلاف كتاب أدبي عظيم (بنسبة كبيرة من الكلاسيكيات) تحت اسم الرقابة. نقابلها بطرد جلال الدين الرومي وماركيز من أرفف كتبنا. نقابلها بإكراه القراء على اللجوء إلى أساليب غير مشروعة والتواطؤ مع باعة الكتب للحصول على “مئة عام من العزلة” خلسة. وبعد فعلتنا الشنيعة نتساءل لِمَ شبابنا يقرأ الكتب الرديئة حينما لم نترك لهم سوى مجلات الموضة وكتب الطبخ في متاجر الكتب.
ممارسة هذا النوع من السلطة والتحكم بما هو مشروعٌ قراءته وما هو غير، مرفوض. حتى وإن كانت بعض الدوافع سياسية. على أي أساس تُعكِّز نظرياتك القائلة بما هو لائق وما هو لا؟ المعايير التي تحدد ذلك نسبية ومتغيرة حسب التغيرات الإجتماعية والسياسية، أو ببساطة، بتغير الوقت. لذا إن كانت هذه محاولة لاقتلاع الفساد (وأشك في ذلك) فقد فشلت بامتياز. إذ إن الفساد متجذر في أماكن أخرى أكثر جدية من حفنة من الكتب البريئة. وبالتالي أخذت فعلتنا بأيدينا إلى الرجعية بدلاً من التقدم بخلقنا لـ”أخٍ كبير” بنسخته الكويتية.
نحن كبشر نولد وتولد معنا الطبيعة الفضولية. الرغبة في المعرفة واكتشاف المجهول هي فطرة جبلنا عليها. لذا سيكون منعنا من تغذية هذا الفضول ضرباً من اللامنطقية لن نقبله فقط لأنك ورثت عقلاً ضيقاً بل سنحارب لحقوقنا وسنستعيد الرومي وماركيز وسيتألق جيلنا ويلمع في سماء المعرفة شئت أم أبيت. لنبقِ أنف السياسة خارج إطار الأدب.