لقاءات أكاديمياقسم السلايدشو

مقال: طلبتنا والأخلاق الأكاديمية. بقلم| أ. د. لطيفة حسين الكندري 

أكاديميا| 

لا قيمة للشهادات الدراسية مهما سمت وعلت منزلتها إذا لم تُثمر خلقا كريما، وسلوكا مستقيما. التحلي بالأخلاق الحميدة جزء لا يتجزأ من الحياة الأكاديمية المجيدة التي تتناغم مع الآداب القويمة وتتوافق مع أهداف المؤسسة التعليمية. وسلوكياتنا – أفرادا وجماعات – يجب أن تنتظم استنادا إلى اشتراطات ومسارات المنظومة الأخلاقية التي تحقق العدالة للجميع. ثمة علاقة وثيقة ومتبادلة بين التفوق الدراسي وبين الالتزام بالأخلاق الفاضلة ويبدو ذلك جليا على مستوى الأفراد، ومصائر الأمم. إن الدول التي تحصد المراكز الأولى وتقتطف المراكز المتقدمة في الاختبارات العالمية المقامة لقياس أداء الطلبة تقل فيها المشكلات الأخلاقية وبذلك تشكل بيئة حاضنة للإبداع والنمو. وفي المقابل فإن أخطر سيناريو مستقبلي يمكن تصوره في حياة الأوطان هو انحراف جيل المتعلمين واعراضهم عن المنظومة الأخلاقية مما يسبب تفشي الغش والكذب والكسل وعدم احترام الوقت وفي ذلك انهيار لأخلاقيات المجتمعات. 

الأخلاق مبادئ أساسية تشكل رؤية واتجاه الفرد أو المجتمع إزاء قضية أو قضايا معينة وتحدد مدى حسنها أو قبحها، والتربية الأخلاقية تتجه نحو ترسيخ مفاهيم محددة محمودة لضبط السلوك عن طريق الترغيب بالفضائل والتحذير من كل أمر مضر. يتعرض الطالب المخل بالآداب والمستهتر باللوائح لعقوبات صارمة إذا صدر منه سلوكا مضرا يعيق سير العمل في المؤسسة من مثل أعمال الشغب أو الاعتداء اللفظي والبدني. ومن المخالفات القيام بالتسجيل الصوتي أو المرئي للعاملين أو الطلبة في الهيئة دون إذن مسبق، والحزم هنا وفق النظام التأديبي في لائحة السلوك الطلابي مطلوب صيانة للحقوق ورعاية للقوانين. وفي هذا المجال تشكل المشاجرات بين الطلبة أو مع أعضاء هيئة التدريس، وممارسة الغش، والاستهتار باللوائح، والتغيب المستمر، والاستهتار بالتدريب الميداني مشكلات حقيقية تعيق نمو الطلبة، وتهدر أموال الدولة، وتشوه سمعة ومسيرة المؤسسة.

إن الجهل بالقوانين وعدم الالتزام بأخلاقيات الطالب أساس لمشاكل لا حصر لها مما يسبب تراجعا في مجال التحصيل الدراسي، وتأخرا في التخرج، واضاعة للجهود مما يكبد المؤسسة التعليمية خسائر معنوية ومادية لا حدود لها. الطالب القادر على تطبيق الأخلاق الحميدة هو شخص ناضح يتحمل مسئولية سلوكياته وعاقبة تصرفاته وهذا الطالب فعلا مؤهل لخدمة بلدة عبر بوابة الشراكة المجتمعية وضمن اطار التنمية المستدامة. ومن هنا فإن الطالبة القادرة على الالتزام بقيم الأمانة، والتحلي بالموضوعية، والتمسك بالضبط العلمي في انجاز أبحاثها وأداء مهامها هي شخصية ناضجة تجد في الجد والاجتهاد متعتها ومقصدها لأنها تتحمل مسئولية سلوكياتها العملية، وتدرك عاقبة تصرفاتها العلمية.

ومن الأمور ذات الصلة بالنزاهة الأكاديمية على الطالب أن يبتعد عن المراوغة في أداء واجباته واختباراته فالأمانة تقتضي الاجتهاد والحرص على الصدق والمصداقية والشفافية. ومن جهة أخرى فإن المحافظة على نظافة المنشآت والمرافق دلالة عملية على المحافظة على الأموال العامة ومن علامات الاستقامة الحرص على التقيد بمواعيد المحاضرات والالتزام بارتداء الملابس المناسبة بما يتفق مع الذوق العام.

والجدير بالذكر أن كل مؤسسة تعليمية تنص على جملة أخلاقيات يتم تدوينها ويطلق عليها لائحة السلوك الطلابي ويتعين على الطلبة الالتزام بها لأنها تصون مكانة العلم، وترتقي بالطالب، وتحفظ حق المؤسسة، وتحقق مقاصد الدين. التمسك بالأخلاقيات الفاضلة ومراعاة لائحة السلوك الطلابي أمر غاية في الأهمية ولا يستغني عن معرفتها الطالب واستحضارها ويتعين عليه أن يضعها نصب عينه فيترجمها في سلوكياته. القيم أولا وأخيرا، والمؤشرات السلوكية تكشف مصداقية الإنسان.

الهدف من الأخلاقيات المهنية للطلبة بناء علاقة متينة بين المتعلم وبين المعلم والطلبة وسائر العاملين في المؤسسة بناء على قاعدة احترام السن، وتوقير الكبير، ومعرفة مكانة أهل العلم والفضل. ويترتب على ما سبق الامتناع عن تجريح الأساتذة، وعدم الانتقاص منهم وفي حال وجود أي مشكلة يجب اللجوء للقنوات القانونية داخل أسوار المؤسسة التعليمية. إن احياء التمسك بحب الدراسة وقيم الاختلاف وأخلاقيات التعاون والتعايش واللباس من أساسيات رقي المجتمعات فالسلوك الاجتماعي يصيغ صفات الفرد الذاتية وينير ضميره الذي يحترم المعايير والضوابط ولا يخضع لسلطان العادات الجائرة، والأكاذيب الزائفة.

إن المطلع على النظام الأخلاقي في الإسلام وروعة منهجه الضارب في القدم يدرك بسهولة أن فلسفة التربية الإسلامية تقدم الأخلاق على تحصيل المعرفة فالمعرفة ثمرة للخلق السامي. إن السلوك القويم هو الذي ينظم العلاقات بين الناس ويراعي تنمية الشخص وتحقيق مآربه المشروعة ثقافة وتطبيقا. ولا قيمة لمؤسسات اعداد المعلم ولا قيمة لجميع برامجها إذا لم تركز على غرس أخلاقيات المعلم والمتعلم. إن الشباب اليوم لهم حاجة كبرى إلى القيم الوطنية والمبادئ الدينية التي تربي الفرد على معالي الأمور ونبذ السفاسف. لا بد من صياغة الشخصية في ضوء هذه المقاصد السنية لإيجاد معلم الناس الخير.

وغني عن البيان أن الهدف من دليل أخلاقيات المهنة للطلبة في كليات اعداد المعلم على وجه الخصوص إيجاد شخص يكون مثالاً طيبا يُحتذى به في رقي سيرته، وحسن سلوكه، وسماحة تعامله، وانفتاح فكره بما يخدم الوطن، ويرتقي بالمجتمع. وفي هذا السياق الكريم على الطالب أن يراعي آداب وسائل التواصل فلا يحق له أبدا تجاوز القانون والتعدي على الآخرين فالاحترام والتعاون والحوار المهذب أسلم طريق للتكافل، واكتساب المعارف والعلوم والفنون والآداب وبناء مجتمع حضاري.

من شروط حسن الاتصال والتواصل التقيد بالأخلاق الأكاديمية، ومراعاة الآداب العالية، والسلوكيات السامية وذلك كله ضرورة لزيادة رصيدنا الثقافي، وانماء الشخصية الوطنية التي تحرص على مصالح البلد وتتسلح بالأخلاق الفاضلة. الشاب المؤدب ثروة عظيمة من ثروات البلد وأمثاله هم عماد المستقبل. نهدف في المؤسسات التعليمية إلى الاسهام في صناعة الطالب الذي يتمتع بشخصية قويمة، ويستمع إلى النصيحة وينتفع بها، ويطلب العلم بنهم ولا يتوقف، ويتحلى بالأخلاق الكريمة، ويستشير أساتذته، ويقبل بجد على الدراسة والتعلم مهما كانت الموانع والشواغل. نعم ..نعم .. لا قيمة للشهادات الدراسية مهما سمت وعلت منزلتها إذا لم تُثمر خلقا كريما، وسلوكا مستقيما. 

أ. د. لطيفة حسين الكندري 

العميد المساعد للشئون الطلابية في كلية التربية الأساسية


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock