جامعة الكويت

علم الجغرافيا .. نمطية النظرة المجتمعية تمحوها تقنية حيويّة

  • وليد المنيس: نحرص كل 5 سنوات على تنويع المقررات تماشيا مع الحراك العالمي
  • محمد المطر: وظيفة الخريج من مساق الـ «GIS» قد تكون أفضل من المهندس في بعض الأماكن
  • أحمد الحصم: تخصص مهم لتطبيق المشاريع التنموية لتوفيره أدوات حديثة تسهل التوثيق الدقيق
  • محمد النصرالله: الجغرافيا الطبية تمكننا من معرفة تأثير المكان على صحة الإنسان

لم تعد العلوم التقليدية، ولاسيما النظرية منها، تتخذ دور المتفرج على واقع التطور الهائل الذي تشهده العلوم التقنية، إذ إنها بدأت تدريجياً تستفيد من هذا التقدم التقني وتندمج معه، لتواكب واقع الحياة ومتطلباتها. ومن بين هذه العلوم يبرز علم الجغرافيا الذي اتخذ سبيله الخاص في الاستفادة من التقنية لينتج على إثر ذلك علم متطور قادر على أن يتغلغل في واقع الحياة وفي تحديد اختياراتنا.
ورغم هذا التقدم الذي يشهده العلم، فإن الصورة النمطية التي كونها العديد من الناس عن الجغرافيا لم تزل مسيطرة على العقول، إذ لا يزال الكثيرون في مجتمعنا يرون أن علم الجغرافيا لا يعدو كونه مجالا يختص في رسم الخرائط وسرد بعض المعلومات والنظريات، إلا أن واقع العلم اليوم يكشف غير ذلك، وهو الأمر الذي يحتاج إلى توعية جادة لأفراد المجتمع وحتى للمسؤولين في الدولة، كما يرى العديد من الأكاديميين الجغرافيين.
وتحتضن جامعة الكويت قسم علم الجغرافيا الذي يعد واحداً من أقدم الأقسام فيها، والذي نشأ مع تأسيسها في عام 1966، ويقدم القسم في هذا العلم 3 مسارات علمية هي: المسار الطبيعي، والمسار البشري، ومسار الـGIS (الاستشعار عن بعد) والمسار الأخير يعد من بين أهم المسارات التي يشهد إقبالاً طلابياً.
وبسبب طبيعة سوق العمل الكويتي لا يجد العديد من خريجي هذا القسم الأماكن المناسبة التي تتوافق مع تخصصهم، وربما كان ذلك نتيجة عدم وعي سوق العمل بطبيعة هذا العلم وإمكانية الاستفادة منه.
«الراي» انتقلت في أروقة قسم الجغرافيا لتسلط الضوء على أهمية هذا القسم في سوق العمل، وأي مدى بلغه حتى الآن من تطور تقني بالإضافة إلى التطرق للعديد من القضايا المتعلقة بالقسم، فكانت البداية مع رئيس قسم الجغرافيا الدكتور وليد المنيس الذي قال إن القسم نشأ مع تأسيس الجامعة عام 1966 في الموقع الجامعي في الخالدية تحت مظلة كلية الآداب، واستمر القسم لفترة لا بأس بها ثم انتقل إلى الموقع الجامعي في الشويخ، وواصل أداء مهمته بشكل كبير، وبدءاً من عام 1998 جاء مقترح بعمل كلية جديدة هي كلية العلوم الاجتماعية وتم على إثر ذلك نقل القسم لهذه الكلية.
وتماشياً مع النظام المعمول به في الجامعة فإن القسم يحرص في كل 5 سنوات على تجديد صحائف التخرج والتنويع في المقررات المطروحة ليتماشى مع الحراك العلمي العالمي ويجدد معلوماته ولا يكون متأخرا خاصة ان الجامعة تنتهج نظام الابتعاث الخارجي لطلبتها المتفوقين وبالتالي من المناسب أن تكون المقررات التي يأخذها الطالب هنا تماثل ما يأخذه هناك.
ولفت المنيس إلى أن هناك مسارين لقسم الجغرافيا، وهما: الطبيعي، والبشري، ومسار آخر يتعلق بالاستشعار عن بعد GIS، مبيناً أن القسم اطلق في العام الأكاديمي 2005 / 2006 درجتي الماجستير في الجغرافيا، وبرنامجا آخر مشتركا مع كلية العلوم تحت مسمى علوم الأرض.
وأشار إلى أن القسم يعاني من بعض المشاكل وهي مشاكل تشمل الجامعة كلها بمختلف أقسامها، حيث يواجه القسم ازدحاماً طلابياً كبيراً خصوصاً وأن الإقبال عليه كبير، علاوة على أنه يقدم مواد عامة لطلبة التخصصات الأخرى، لاسيما في تخصص الاجتماعات لكلية التربية، مبيناً أن هذا الازدحام في المواد يفرض على بعض أخذ مواد متقدمة من دون وجود تراتب زمني للمقررات التي يأخذونها كأن يختار مواد للسنة الأخيرة وهو وبالفعل لم يتجاوز منتصف الطريق في تخصصة وبالتالي يسبب له إرباكا في فهم المقررات بالصورة المطلوبة.
وفي ما يتعلق بسوق العمل وخريجي القسم، أوضح المنيس أن الناظر إلى واقع السوق يجد أن العديد من خريجي القسم يعملون في مناصب كبيرة في مجال تخصصهم وفي غير مجال تخصصهم، كون أن الجغرافيا تتميز بارتباطها بمختلف العلوم في الاقتصاد والسياسة والمناخ وتخطيط المدن وتنظيمها، وبالتالي نجد أن خريج الجغرافيا لا يعاني في مسألة التوظيف، مبيناً أن هناك توجها لدى الطالبات الخريجيات في التوظيف في سلك التعليم في مدارس وزارة التربية، وهناك من الخريجين من يتوظف في معهد الأبحاث أو المؤسسات ذات الطابع المالي.
ولفت المنيس إلى أن التقدم التقني الذي وصل إليه تخصص الجغرافيا على مستوى عمل الخرائط أثار إعجاب العديد من المختصين في الهندسة نظراً لقدرة المستخدم على رسم الخرائط بصورة دقيقة وتطعيمها بالمتغيرات.
من جانبه، أوضح عضو هيئة التدريس في قسم الجغرافيا الدكتور محمد المطر أنه مع التقدم التقني تطور علم الجغرافيا، وظهر ما يسمى بنظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد «GIS» والذي يتيح لنا إمكانية تحويل الكرة الأرضية إلى نظام ديجيتال في العالم الإلكتروني، فعلى سبيل المثال في حال أردت أن تختار أفضل موقع كي تنشئ فيه فندقاً فإنك لا تحتاج أن تنزل إلى الحقل وتجمع معلومات وتجلب شركة ما لدراسة المنطقة، فاليوم المعلومات باتت موجودة، ومن خلال استخدام تقنية GIS بالإمكان الحصول على المعلومات التي تمكننا من اتخاذ القرار المناسب.
وأضاف المطر قائلاً «نجد في وزارات الدولة إحصائيات كثيرة يمكن الاستفادة منها من عدة أوجه، ذلك أننا نستطيع من خلال علم الـ GIS تحويل هذه الاحصائيات إلى خرائط، نتمكن من خلالها تخطيط المكان، ونستطيع على سبيل المثال أن نتجنب الأماكن التي يزداد فيها حدوث مرض السرطان خصوصاً تلك التي يكثر فيها وجود مولدات الكهرباء أو أن تكون منطقة صناعية». وكمثال مشهور على الاستفادة من نظام الـ GIS نجد أن خريطة جوجل تعتمد بشكل كبير على هذا العلم حيث تمثل جوجل خريطة إلكترونية تحوي بيانات بالإضافة إلى وجود خاصية الاستشعار عن بعد من خلال استخدام التكنولوجيا لدراسة الأرض دون لمسها.
وأضاف «في الواقع أن أي مشروع أو شركة إذا أراد المستثمر تأسيسها لابد أن يأخذ بعين الاعتبار الاستفادة من نظام الـ GIS، مشيراً إلى أن وظيفة الخريج من هذا المساق قد تكون أفضل من المهندس في بعض الأماكن لأنه يوفر الوقت بدلاً من جلب شركة ما لعمل المسح على الموقع».
وتابع المطر «في واقع سوق العمل في الكويت نجد أن الاستفادة من هذا النظام بدأ يظهر في الميدان الوظيفي، قد نجد الاستفادة منه في توزيع بعض المناطق لكن لا يوجد تطبيق كامل لهذه التقنية المهمة، في المقابل نجد أن بعض الوزارات تعمل مخططات مدن من دون استخدام الـ GIS، في حين نجد أن بعض الوزارات الأخرى تحاول استخدامه في ظاهرة محددة كالمخيمات وتحديد مواقعها من خلال الاحداثيات، بالإضافة إلى بعض الإدارات في الهيئة العامة للبيئة وغيرها».
وبين أن قسم الجغرافيا يغذي الكثير من الأماكن في وزارة المالية، وفي إدارة نزع الملكية والبلدية ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع، بالإضافة إلى مجلس الوزراء، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، والهيئة العامة للبيئة، إلا أن المشكلة تكمن في أن عدد الخريجين أكثر من حاجة سوق العمل، وهي مشكلة ليست مقتصرة على خريجي قسم الجغرافيا، وبالنسبة لخريجي الـ GIS من الصعب توظيفه في مكان لا يناسب تخصصه.
من جهته، قال الأستاذ في قسم الجغرافيا الدكتور أحمد الحصم «قد نجد لدى الكثيرين أن مفهوم وفكرة علم الجغرافيا مقتصرة فقط على رسم الخرائط وهو فهم بحاجة إلى أن نزيله من أذهان الناس ليتعرفوا على حقيقة هذا الحقل العلمي المهم والذي نجده يهتم بالعديد من المجالات في واقع حياتنا، كالتخطيط والبيئة، وهو تخصص مهم لتطبيق المشاريع التنموية كونه يوفر لنا أدوات حديثة تسهل علينا التوثيق بشكل دقيق، لافتاً إلى أن علم الجغرافيا خلال 30 سنة الماضية تطور بشكل كبير لاسيما مع استفادته من التكنولوجيا والأقمار الصناعية واستحداث علم الـ GIS، كما تطورت المناهج بشكل كبير وتفرعت إلى مجالات تطبيقية ولم تتوقف على الجانب النظري فقط».
وأشار الحصم إلى أن الضغط الكبير على القاعات الدراسية التي قد تصل أحياناً إلى أكثر من 90 طالبا في محاضرة واحدة، وهي حالة لاشك بأن لها أثرا سلبيا على الأداء التعليمي.
ويضم القسم تنوعاً مميزاً في التخصصات العلمية الدقيقة ومن بينها ما يسمى بالجغرافيا الطبية، وهو تخصص حديث يستهدف الربط ما بين الجغرافيا والجانب الطبي، وتوضيحاً لفكرة هذا التخصص أشار عضو هيئة التدريس في قسم الجغرافيا (تخصص دقيق: جغرافيا طبية) الدكتور محمد النصرالله أن تخصص الجغرافيا الطبية يهتم بدراسة المكان وتأثير الجغرافيا على صحة الإنسان، مبيناً أن هناك أمراضا معينة من الممكن أن يكون توزيعها الجغرافي في أماكن ما نتيجة التأثير المناخي أو بسبب بعض المتغيرات البشرية وثقافة الناس، فعندما نتحدث عن السمنة نجد أنها مختلفة من مكان لآخر وإذا أردنا أن نربطها بالجغرافيا نرى أنها تتأثر بقرب وبعد الإنسان عن مطاعم الوجبات السريعة.
إضاءات جغرافية

قسم الجغرافيا… تطور مستمر

أوضح رئيس قسم الجغرافيا في جامعة الكويت الدكتور وليد المنيس أن القسم في حالة تطور مستمر في المقررات التخصصية التي يطرحها، لاسيما مع قدوم المبتعثين من الخارج الذين درسوا الجغرافيا على صورتها الحديثة.
تفهم رسمي لقيمة الـ GIS

ذكر عضو هيئة التدريس في قسم الجغرافيا الدكتور محمد المطر أن صناع القرار في الكويت يتفهمون قيمة الـ GIS بدليل أن مجلس الوزراء أقر قانوناً ينص على أنه لا توزع الأراضي إلا باستخدام نظم المعلومات الجغرافية.
إمكانات غير مكتشفة

انتقد الأستاذ في قسم الجغرافيا الدكتور أحمد الحصم عدم معرفة كل من ديوان الخدمة المدنية والوزارات بشكل عام إمكانات خريج الجغرافيا والاستفادة من قدراته بالشكل الصحيح»، مؤكداً أن خريجي الجامعة يتمتعون بطاقات هائلة بالإمكان استغلالها لخدمة البلاد بدلاً من أن تتحول إلى بطالة مقنعة.
الجغرافيا وصحة الإنسان

أشار عضو هيئة التدريس في قسم الجغرافيا الدكتور محمد النصرالله إلى أن هذا التخصص يهتم بتوزيع الخدمات الصحية ومدى مناسبتها لكل طبقات المجتمع، وطبيعة موقعها وقربها من السكان، مبينا أن ترابط العلوم المختلفة مع بعضها يقدم لنا فائدة كبيرة في حياتنا اليومية ويساهم في حل العديد من المشاكل، ولاسيما الصحية منها.

الراي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock