أخبار منوعة

طفلك قليل الكلام؟ ليس خجولاً.. قد يكون مصاباً بهذا المرض!

يلتزم بعض الأطفال بالصمت في الحضانة والمدرسة، ونادراً ما يتكلمون في المنزل، إلا أنهم يُظهرون ذكاءً وفهماً عميقاً للأمور عند تكلمهم.
فما الذي يدفعهم لهذا السلوك؟ وكيف يمكن لنا مساعدتهم؟
1) البحث عن تعريف لهذه الحالة
يعاني بعض الأطفال حالة “الخرس الانتقائي”، وهي حالة توتر عصبي واضطراب نفسي تجعل التواصل مع الناس في الأماكن العامة أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
وفي المقابل، يتحدث الأطفال الذين يعانون “الخرس الانتقائي” بشكل طبيعي مع الأشخاص الذين يثقون بهم، مثل الوالدين والإخوة، في حين يلوذون بالصمت في المناسبات الاجتماعية التي يفترض فيها أن يتكلموا ويتواصلوا مع الآخرين؛ مثل: أعياد الميلاد وفي عيادة الطبيب وبالمحلات التجارية وساحة المدرسة، وفي أغلب الأحيان بالحضانة أو في المدرسة.
عموماً، لا يعد هذا الصمت نوعاً من مشاكل النطق، رغم أن واحداً من كل 3 أطفال ممن يعانون حالة “الخرس الانتقائي” يعاني أيضاً مشاكل في النطق.

ويشير كتاب “إحصائيات وتشخيص الاضطرابات الذهنية” إلى أن الخرس الانتقائي يعرّف على أنه “حالة اضطراب وقلق، أو بمعنى أدق نوع من الفوبيا”.
ومع مرور الوقت، يدفع هذا الخوف الطفل لتحاشي أنواع معيّنة من السلوكيات؛ إذ إن الأشخاص الذين يخافون من الأماكن العالية لا يصعدون المباني الشاهقة، أما الأشخاص الذين يخافون من العناكب فيتجنبون النزول للأقبية والمخازن، في حين أن الأشخاص الذين يخافون من الكلام يختارون الصمت.\
وفي هذا الصدد، أوردت بعض البحوث أن نحو 75 في المائة من الأطفال الذين يعانون الخرس الانتقائي، يعانون أيضاً القلق المرضي، مثل الخوف من الانفصال عن الأب والأم أو التعرض للعنف.
وبينت إحدى الإحصائيات في الولايات المتحدة، أن 7 أطفال من بين كل 1000 طفل في سن الدراسة يعانون الخرس الانتقائي. وعند مقارنة هذه النسبة بنسب الإصابة بمرض التوحد، يمكن أن نلاحظ تقارباً في معدلات انتشار هاتين المشكلتين، حيث إن نسبة الإصابة بالتوحد تصل إلى نحو 1.1 بالمائة.
وحتى نتمكن من معرفة الحجم الحقيقي لتأثير هذه الظاهرة ، من المهم أن ندرك أن مشكلة الخرس الانتقائي لا تزال مجهولة ويتم الاستهانة بخطورتها.
والجدير بالذكر أن الأطفال الذين يعانون الخرس الانتقائي يُوصفون عادة بأنهم خجولون، ومن ثم لا يتلقون المساعدة العلاجية اللازمة إلا في وقت متأخر، بين سن الخامسة والثامنة، رغم أن أعراض هذه المشكلة تظهر مبكراً، تقريباً في عمر الثلاث سنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، 6 فقط من كل 10 أطفال يعانون الخرس الانتقائي يتلقون العلاج الملائم، فيما يخضع الآخرون لأساليب علاج خاطئة، حيث ينتظر منهم أولياؤهم أن يخرجوا فجأة من شرنقتهم ويبدأوا بالكلام، وهذا لا يحدث إلا نادراً ويكون عادة بسبب الإكراه والضغط النفسي الذي يتعرضون له.
2) فهم الخرس الانتقائي
في الواقع، إن الأطفال الخجولين يفقدون ثقتهم بأنفسهم ولا يتوقفون عن الكلام فترة طويلة، أما الأطفال الذين يعانون الخرس الانتقائي فإنهم يواصلون الصمت عدة سنوات.
وفي هذا الإطار، صرح الدكتور ستيفن كورتز، مؤسس برنامج التدخل العلاجي للأطفال بمعهد نيويورك لأمراض الأطفال الذهنية (مؤسسة عمومية متخصصة في مساعدة الأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية)، بأن “علامة التحذير التي تكشف معاناة الطفل من الخرس الانتقائي تتمثل في مواصلته الصمت حتى بعد 4 أسابيع من دخوله الحضانة أو المدرسة”.

ومن اللافت للنظر، أن الدكتور ستيفن، الخبير في الطب النفسي للأطفال، قد عاين أكثر من 500 طفل يعانون الخرس الانتقائي خلال الـ15 سنة الأخيرة، ونجح في مساعدة نحو 90 في المائة من هذه الحالات.
وحذر الدكتور من تبعات تجاهل العلامات التحذيرية المتعلقة بهذه المشكلة التي قد تهدد سلامة الطفل وقد تتحول هذه الحالة إلى مرض مزمن، من شأنه أن يتسبب في مشاكل نفسية أخرى على غرار القلق والاكتئاب.
وعموماً، يحمل مرض الخرس الانتقائي عدة أوجه، حيث إن بعض الأطفال لا يتواصلون بشكل مطلق أو يقومون بذلك من خلال بعض الحركات فقط مثل الإيماء بالرأس وهز الكتفين، وبعض الأطفال الآخرين يختارون التواصل بالهمس وبكلمات مختصرة، أو يقومون بإصدار أصوات غير مألوفة مثل أصوات الحيوانات، أو يفضلون التواصل من خلال الكلمات التي يستعملها الأطفال الأصغر منهم سناً عند بداية تعلمهم الكلام.
وفي بعض الحالات الخاصة، قد يجرؤ الطفل على قول بضع كلمات أو جمل، ولكن عند تواصله مع أشخاص محددين، قد يقبل أن يتكلم مع أقرانه من الأطفال ولكن ليس مع الكبار أو يكون العكس.
لا يختارون الصمت بشكل متعمد
في معظم الأحيان، يعتقد الكبار أن الأطفال يلتزمون الصمت؛ لأن لديهم شخصية ضعيفة أو لأنهم يريدون استفزاز الآخرين من خلال التزام الصمت، إلا أن الحقيقة ليست كذلك؛ إذ إن حالة القلق التي يعيشونها يمكن أن تظهر من خلال هذا البرود في التعامل، بمعنى أن هذا المرض لا يظهر نفسه من خلال تعابير الوجه؛ بل إنه يتوارى وراء صمت الأطفال وغرابة تصرفاتهم.
وفي بعض الحالات الأخرى، يعبر الجسد عن معاناته من خلال علامات واضحة تظهر الآلام الجسدية التي يتعرض لها الطفل، على غرار اضطراب في دقات القلب وبرودة اليدين وتعرق الجلد وتشنج العضلات والحركات المفاجئة.

والطفل الذي يختار الصمت يكون في الحقيقة بصدد المعاناة؛ خوفاً من بعض التجارب التي يخشى مواجهتها (مثل الدخول إلى الحضانة أو المدرسة أو الانتقال إلى منزل آخر)، هذه المخاوف يمكن أن تساهم العائلة في تفاقمها بشكل غير مقصود، من خلال تعاملها الخاطئ مع الطفل.
وفي هذا السياق، أظهرت العديد من الأبحاث أن نسبة 75 في المائة من هذه الحالات هي في الواقع حالة وراثية؛ إذ إن أحد الوالدين كان يعاني أيضاً مشاكل نفسية وحالة اضطراب وقلق انتقلت إلى الطفل.
ومن الضروري جداً إيلاء أهمية خاصة للبيئة المحيطة بالطفل، وبشكل خاص مسألة تعدد اللغات؛ إذ إن الطفل الذي يعيش في بيئة متعددة اللغات يواجه خطر الإصابة بالخرس الانتقائي 3 مرات أكثر من غيره من الأطفال الذين يعيشون في بيئتهم الأصلية فقط.
فضلاً عن ذلك، إن الأطفال الذين يجدون أنفسهم ضمن ثقافة جديدة، يتعرضون غالباً لصعوبات كثيرة وخلل في سلوكهم الاجتماعي، الذي يواجَه عادة بسوء فهم من قِبل الآخرين (الانتقال إلى مكان آخر وتعلم لغة أجنبية قد يدفعان الطفل للدخول في حالة من الصمت قد تتواصل إلى سنة كاملة).
استراتيجيات التدخل والعلاج
برنامج الأصدقاء الشجعان
كلما كان تشخيص حالة الإصابة بالخرس الانتقائي والتدخل مبكراً، زاد احتمال الشفاء.
وفي الواقع، أظهرت الأبحاث أن أغلب الأطفال المصابين بهذا المشكل يتلقون الرعاية الصحية في وقت متأخر وهذا يؤدي تبعاً إلى امتداد فترة الشفاء.
وفي محاولة لمساعدة هؤلاء الأطفال، طور الدكتور ستيفين كورتس برنامجاً علاجياً مكثفاً للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و8 سنوات سماه “الأصدقاء الشجعان”.
هذا البرنامج الذي أشرف على تنفيذه معهد الصحة النفسية للأطفال، يتمثل في جلسات علاجية أسبوعية متنقلة.

ويقوم برنامج “الأصدقاء الشجعان” بمحاكاة يوم دراسي عادي يعيشه أي طفل في مدرسة ابتدائية، انطلاقاً من استيقاظه في الصباح وذهابه إلى المدرسة، ثم مناداة الأطفال وتقديمهم لأنفسهم، ثم طرح أسئلة والإجابة نها، وتناول طعام الغداء، ووقت اللعب، والأنشطة الدراسية والخروج بعد نهاية الدروس.
وتهدف كل هذه العملية إلى جعل 24 طفلاً يشاركون في العديد من الوضعيات التواصلية المتنوعة؛ من أجل تحريرهم من حالة الصمت التي يقبعون فيها وتدريبهم على التواصل والكلام في الأماكن العامة.
وفي الوقت نفسه، لهذا البرنامج أهداف محددة تتمثل في تعميم الدروس والتجارب المستفادة حتى يتمكن الأطفال من تطبيقها في الحياة الواقعية.
ومن ناحية أخرى، كل طفل من هؤلاء “الأصدقاء الشجعان” يتمتع بمساندة طبيب نفسي متدرب قادر على تشخيص سير هذا البرنامج وتقييم إمكانيات نجاحه، من خلال قياس مدى اهتمام الطفل واستعداده للاستفادة من هذه المساعدة، من خلال مرافقته لنحو 4 أو 5 ساعات.
ومن أجل تنفيذ برنامج “الأصدقاء الشجعان”، يتم وضع الطفل بداية في وضعيات تواصلية؛ من أجل تسهيل تأقلمه مع ظروفه الطبيعية في المدرسة.
7 قواعد تسهل على الطفل الكلام

1) من المهم جداً ألا نطرح على الطفل أسئلة مباشرة حتّى لا نسلّط عليه ضغطاً ليتكلم.
2) يجب علينا وصف ما يقوم به والثناء على تصرفاته في الوقت الذي يكون فيه الطفل صامتاً.

وعوضاً عن قولك: “هل أنت متأكد أنك تريد أن تلعب بالسيارات؟”، يمكنك قول “يعجبني منظر هذه السيارات وهي مصطفة بعضها بجانب بعض”.
3) اطرح عليه أسئلة تتطلب منه الاختيار مثل “هل تريد اللعب بالسيارة الحمراء أم بالسيارة الزرقاء”؟ بهذه الطريقة، تكون الإجابة عملية وسهلة، وهذا يسهل على الطفل التكلم.
4) بعد أن يجيب الطفل عن سؤال الاختيار، يمكن حينها طرح أسئلة أخرى مثل “ما الذي تريد أن تلعبه بالإضافة إلى هذا؟”.
5) يجب أن ننتظر على الأقل 5 ثواني عند التكلم؛ إذ إن الأطفال الذين يعانون الخرس الانتقائي يتفاعلون بشكل متأخر جداً.
6) ردد ما يقوله طفلك ودائماً عبِّر عن إعجابك بشجاعته، فعندما يقول لك: “أريد أن ألعب بالسيارات”، يمكنك أن تقول له: “حسناً، لقد قلت لي إنك تريد أن تلعب بالسيارات، لقد قلت هذا بكل شجاعة وحزم”.
7) لا تطرح أبدا أسئلة تتطلب إجابة بـ”نعم” أو “لا”؛ إذ إن هذا يعني أن الطفل يمكنه أن يجيب من خلال الإيماء برأسه بالإيجاب أو السلب، وهذا سوف يسمح له بتجنب الكلام.
عملية الترديد والثناء توجه للطفل 3 رسائل مهمة:
1) أنك تستمع بينما هو يتكلم.
2) أن الطفل نجح في تجاوز مخاوفه وقلقه.
3) أنه شجاع وهذا أمر إيجابي.
تساعد هذه القواعد التواصلية، عند تطبيقها والالتزام بها بشكل مستمر على المدى الطويل، في تمكين الطفل من التعامل مع الضغوط النفسية والقلق، وتشجعه على فرض وجوده واكتساب الثقة بالنفس.
تساعد طرق العلاج التي وردت سابقاً الطفل على التعامل مع العوائق الصغيرة التي يواجهها في حياته اليومية، وخاصة بالمدرسة على غرار دعوته لطرح أسئلة أو الإجابة عن أسئلة، أو اللعب مع الأقران أو زيارة الأقارب، أو عند طلب الطعام في المطعم، بشكل ينم عن حضوره القوي وثقته بنفسه.
ورغم أهمية وجود الوالدين ورعايتهما طفلهما، فإنه لا بد من وجود شخص مدرب مع الطفل يستطيع متابعة الخطوات الصغيرة التي يقوم بها الطفل في أثناء خضوعه للعلاج.
ويستغرق الأمر يستغرق من 3 أشهر إلى سنتين من العمل المكثف والصبر من أجل تحقيق الأهداف السلوكية المطلوبة.
وفي هذا الصدد، أفاد الدكتور كورتس بأنه “ربما لا يتمكن الطفل في المرة الأولى من طلب نوع من المثلجات بمفرده، ولكنه سيكون قادراً على أن يهمس في أذن أبيه باسم نوع المثلجات المفضّلة لديه أمام البائع، وفي المرة المقبلة قد يتمكن الطفل من التحدث بصوت مرتفع ويطلب ما يريده من أبيه أمام بائع المثلجات”.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Medicitalia الإيطالية. 

المصدر:

هافينغتون بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock