د. حسن عباس يكتب: حصة الرياضة… إلزامية!
تعبير وزير التربية عن الرياضة في المدارس، بـ «الإلزامية»، خطأ، لأنها تتعارض مع ما يُفترض أنه منهج تعليمي للمدارس وللتربية في وقتنا الحاضر. دعوني ألخص ما أريده كالتالي:
العيب الأساسي في أسلوبنا في التدريس والمناهج التعليمية، أنها تستبطن معاني الزمن القديم، معاني وكلمات الماضي السحيق، كلمات ظننا قد عفى عليها الزمن ورماها في عمق كتب التراث وقصص الأقوام السابقة. مع الأسف لا تزال المؤسسات التعليمية والتربوية تستخدم مفردات على شاكلة: إجباري، إلزامي، قررت اللجنة العُليا، تعليمات المدير، وغيرها من المفردات التي تشير كلها إلى المركزية والسلطوية والأبوية. في هذا الزمان، علينا أن نستبدل هذه القائمة بمجموعة أخرى من القاموس الإنساني والأخلاقي، كأن نقول: استبيان، تصويت، رأي الغالبية، أصحاب الشأن، تحليل ونقد، دراسة علمية ومنهج علمي مُعتمد.
ما أعنيه أن على المؤسسات العلمية والأكاديمية أن تُدرك بأن «إجبار» الطلبة وإلزامهم بحصة تربية بدنية، لن يقلل من نسب السكري في المجتمع، ولن يقضي على السرطان، ولن يقلل من السمنة، ولن يدفع أمراض الكسل، ولن يُخفض الكوليسترول، ولن يسيطر على ضغط الدم، إن كانت هذه هي الأهداف من الحصة «الإلزامية». كل ما فعلته الوزارة بهذا القرار، أنها خصصت ميزانية جديدة للمادة الإضافية، التي يُعدها الطالب كأي مادة «مُلزم» و«مُجبر» أن يأخذها من دون أن يستوعب ويُدرك لماذا وما الهدف.
فالناس، بحسب هذه المفردات السلطوية، عادة ما يتصفون بالطاعة العمياء، مجتمع روبوتي يتماثلون ويشبهون بعضهم بعضاً في كل شيء. فكلهم يذهبون للدوام وينامون ويضحكون ويحزنون ويفعلون الشيء نفسه، كما يفعله غيرهم، وتقليداً لما فعله الأجداد والآباء بتنسيق موحد كزي المدرسة، السلطة تُديرهم كيفما تُريد وتشاء ويسيرون بنهج مُخطط له، لا قيمة للإبداع والتطوير والتحسين والاختلاف والتنوع والتمايز.
المطلوب غير ذلك تماماً. المطلوب يا وزارة التربية أن تؤسسوا وتبنوا مجتمعاً إنسانياً بشرياً يحترم العقل والإرادة والإبداع. المطلوب من عندكم وبدلاً من أن تُجبروه على الرياضة «الإلزامية»، أن «تُقنعوه» بأهمية الرياضة وتُعلموه بمضار والآثار المميتة لعدم ممارسة الرياضة، أن تحترموا عقله وتُخيّروه بين مرض السكري والضغط والكوليسترول، وبين الصحة والعافية وتخفيض نسب الدهون والابتعاد عن الوجبات السريعة والانتظام بالأكل واختيار الأغذية السليمة وضرورة الرياضة الدورية للمحافظة على أجهزة البدن في شكل صحيح.
بهذا الشكل، نحترم عقل الطالب ونجعله يبني لنفسه خطة عمل مبنية على عمل فكري ليبدأ هو بنفسه بالعمل على تجنب المخاطر والتوجه إلى اختيار الأطعمة المفيدة وممارسة الرياضة، سواء أكان في المدرسة أو المنزل، وسواء كان طالباً أو رب أسرة. فالتربية الحقيقية تنمية العقل لا الخوف والطاعة، والإرادة لا العاطفة، والإبداع لا الاتباع!
حسن عبدالله عباس