كتاب أكاديميا

هاشمية الهاشمي تكتب: ألا تـطـغـوا فـي المـيـزان

 قال تعالى في سورة الرحمن : ” ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ”  صدق الله العظيماستوقفتني الآية الكريمة .. والمراد منها التوزين بالحق والعدل وهما أساسان لا يفترقان في التعامل ، فلا يبخس الإنسان حق إنسانا ، ومن لا يحب الظلم على نفسه فليمنع الظلم عن العباد .والميزان المقصود في الآية ( ميزان الأثقال ) أي أن الله عز وجل وضعه بين أيدي البشر كي يعدلوا ، ولا يبخسوا الناس أشياءهم .فالعدل شعاره الميزان الذي ينبع منه المساواة والطمأنينة بين الناس في الحق والجزاءففي الصيف الماضي كنت في رحلة في احدى دول آسيا الشرقية .. وكعادتي أحب زيارة الأماكن التاريخية القديمة للإطلاع على حضارات الدول ، شاهدت تلك الجدران الشاهقة التي قام ببناؤها القدماء قبل مئات السنين، ومازال البعض منها يرمم للمحافظة عليها، وقد قارب ارتفاع الأبنية تلك الجسور والكنائس التي تظهر خلفها، ففي البناء الحجري القديم حكايات وذكريات لا تنسى ..وما زلت أسير بين الأبنية الشاهقة حتى لمحت دكانا قديما وكأنني في زمن العصور الوسطى وبه ميزان كبير من الحديد ويرتكزعليه كفتان من النحاس، فاخترت قليلا من الفاكهة.. فأخذه البائع ووضعه في الميزان ، فإذا به يستعين بثقل يضعه مع الفاكهة لتتساوى الكفتان ..فقلت له : من الأجدر أن تتساوى الكفتان بالثقل من جهة والفاكهة من جهة أخرى أليس كذلك ؟؟فأجاب ضاحكا : نحن نتبع هذه الطريقة منذ آلاف السنين .. فقد تعلمت التوزين بهذه الطريقة من والدي ، وكما ورثه هو الآخر من أبيه .ولو كنا نتحدث عن ” الغش التجاري ” فهو وارد في جميع الأماكن والبلدان بتعدد الأسباب .. فكان البائع يزاول الغش  بإحتراف مدعيا بتوريثه من أبيه، كما زاوله الآباء بكل مهارة عن الأجداد ، ومن المؤكد بأن تلك الموازين تغيب عنها العدالة والرقابة فكلاهما في خبر كان . فالآية التي نحن بصددها ” ألا تطغوا ” فهي تتحدث عن جميع المعاملات بين الناس في المجتمع الذي يجمع بين الأغنياء وميسوري الحال، والدعوة خالصة للأغنياء على إعانة الغارمين والمحتاجين منهم، او المطالبة بقضاء ديونهم ومد يد العون بما استطاعوا لإعانتهم، فالإنسان البسيط ينتظر راتبه بكل صبر وعزيمة ، فالتحديات من أجل العيش بسلام وأمان كثيرة ، فلا تخلو الحياة من الصدمات .. ويبقى الخوف من الله نبراس الحياة وتاج الأقوياء إيمانا ونهجا ..ففي أغلب الدول التي تمارس بها حرية التجارة في الإستيراد والتصدير هناك قوانين تفرض على التجار بضرائب دعما للحكومة كما ان هناك أغنياء يقومون بدعم الحكومة في بناء المستشفيات والتخصصات التي بحاجة اليها الشعب .أما الذين إعتادوا مواجهة الناس ومتطلباتهم بإعتراض وغضب، سيكملون مسيرتهم في الحياة هكذا .. تلك هي الظواهر الغريبة والتي تثير القلق والتباعد بين الناس ، لجهلهم في بعض الأمور التي يسعون اليها ، علما بأن الترابط الأسري أساس المجتمع هداهم الله .فلا شك ولا ريب بأن لكل إنسان في حياته قدوة وأسوة يتأسى ويقتدي به ويستضيئ بنور علمه ، فلو سئل أحدهم من مقتدك؟ لقال أبي ، وأباه لا يعلم أساليب حديثه .. رحم الله الآباء والأجداد .. يقولون : المهم القلب الصافي ، كأنهم لا يعلمون بأن القلب مركز الأعمال ، والعمل ثمرة القلب السليم، والثمرة تنبئ عن الشجرة، فأين ثمرة قلبك الصافي؟؟يسعى الإنسان في حياته لتربية أبنائه تربية صالحة ليكونوا لبنات فعالة في مجتمعه ووطنه .. فأينما يولد الإنسان وعلى أية بقعة من الأرض يكون له وطنا وسكنا وحبا وولاء ، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالعمل الصالح .. وهنا جاء دور(الميزان) الذي يقاس به العقل والقوة والإرادة كما تقاس المواد العينية فلا كنز أنفع من العلم ولا جمال أفضل من العقل ، فالأرض موطأ الأقدام كما أنها مسقط الرأس .. فالرأفة أساس الحياة ولا حياة دون عدل .  بقلم  :  هاشمية الهاشمي  Twitter :  @H_ALHASHEMMIEmail  :  [email protected]


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock