كتاب أكاديميا

د. نورية العوضي تكتب: الكويت في مرمى التعليم الوهمي

تنشغل الصحف الكويتية ومواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام بكارثة الشهادات المزوّرة. بيد أن الشهادات المزوّرة هي الوجه الأكثر قبحاً للتعليم الوهمي، وهو التعليم الذي يفتقر للجدية الأكاديمية، ويُقدم هذا التعليم من قبل مؤسسات تعليمية هشة، وإن حملت ترخيصاً. وإنه لأمر مؤلم أن يكون لقطاع معادلة الشهادات العلمية في وزارة التعليم العالي اليد الطولى في إنجاح مخطط انتشار التعليم الوهمي وتهديد مستقبل الكويت.فلا يكفي أن نوجه نيران غضبنا إلى الوافد أو الوافدين من الموظفين في إدارة معادلة الشهادات، ففي هذا تَهرّب من مساءلات مستحقة، وتنصل من سوء الممارسات الإدارية والإجرائية في الوزارة.وقد سعى الجهاز الوطني للاعتماد الاكاديمي وضمان جودة التعليم سعياً حثيثاً ومخلصاً من خلال فرق العمل من المتخصصين الأكاديميين لتفادي الوضع الذي آل إليه التعليم العالي في الكويت الآن. وفي هذا الصدد، نجد لزاماً علينا أن نُطْلع الرأي العام المحلي على حقيقة أن وفداً من الأكاديميين الكويتيين الخبراء قام في أبريل 2017 بمهمة رسمية إلى جمهورية مصر العربية حَرَص خلالها على الاجتماع مع رؤساء وقياديي عدد من الجامعات والكليات التي يتكدس بها آلاف الطلبة الكويتيين، ليقف الوفد على حقيقة مستوى وفاعلية التعليم الذي يُعطى لهؤلاء الطلبة. وقدم أعضاء الوفد تقريراً مفصلاً عن أوجه التدني غير المقبول والتراخي الفادح إزاء مقومات الجدية الأكاديمية. وقدّم الوفد جملة من التوصيات المهمة حول منع التحاق الطلبة الكويتيين بمعظم برامج هذه الجامعات، وأهمها التوصية باعتماد قائمة الجامعات المصرية بعد أن تمت مراجعتها وتحديثها في ضوء نتائج هذه الزيارة وإحصائيات عديدة.ونقولها بأسف شديد إن هذه التوصيات لم تُفعّل حتى تاريخه، مع العلم أن الوزير الحالي كان آنذاك وكيل وزارة التعليم العالي، وكان عضواً في مجلس إدارة الجهاز الوطني بحكم منصبه، وهو الآن رئيس مجلسه. ونحن نستغرب عدم تجاوب الوزير مع هذه التوصيات رغم أهميتها ودورها الفعّال في محاربة التعليم الوهمي.إن مكافحة التحاق الطلبة الكويتيين بالجامعات التي تتاجر بسلعة التعليم الوهمي تصدر من روح وطنية تضع مصلحة الكويت فوق كل اعتبار. ومن دون شك، لن تعكر مثل هذه القرارات الوطنية صفو العلاقات مع الدول الشقيقة التي بها جامعات تتساهل مع التعليم الوهمي، لأنها دول تؤمن بذات الروح الوطنية وتباركها ولن ترضى أن تكون أي جهة أو مؤسسة أكاديمية فيها قناة تسهل التطاول على سمعة الكويت في مجال حماية منظومة التعليم العالي فيها.إن عدم تفعيل التوصيات التي قدمها وفد الخبراء الكويتي في أبريل 2017 يبرز حقيقة مؤلمة، وهي أن التقاعس عن حماية مصالح الكويت وأمنه التعليمي زرع بذور الكارثة التي تجني الكويت اليوم ثمارها المُرّة والمُدمرة.وأمام استمرار التحاق الطلبة بجامعات خارجية لا تعطي الطلبة الكويتيين سوى التعليم الوهمي، وكان آخرها إعلان وزارة التعليم العالي هذا الشهر عن السماح لمئات الطلبة التسجيل بجامعات عربية، حذّرنا مراراً من افتقارها للجودة وتضم حالياً الآلاف من الطلبة الكويتيين، إزاء ذلك نتساءل لم تصر وزارة التعليم العالي عبر قراراتها على الدوران في فلك التعليم الوهمي؟ ولمصلحة من؟ ندعو قياديي الوزارة لأن يتحلوا بالشجاعة وأن يشرحوا للمجتمع الكويتي بكل شفافية العوامل والجهات التي ترسم في الواقع قرارات الوزارة؟وفي خضم التطورات المتسارعة، نجد أنه من الضروري أن يقوم مجلس إدارة الجهاز الوطني بالدعوة لعقد اجتماع عاجل لاتخاذ قرار بشأن اعتماد قائمة الجامعات المصرية المقترحة، ومثل هذا القرار ينبع من حقه الرقابي ومسؤولياته القانونية.لكل هذه الأمور وغيرها كثير، نود التأكيد على مقترح كنا قد تقدمنا به وتشاركنا الرأى فيه الجمعية الكويتية لجودة التعليم العالي، مفاده أن يتحول الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي إلى هيئة مستقلة رقابية فنية تبني منظومة التعليم العالي الجودة لجميع المخرجات الكويتية، وتضم قطاع معادلة الشهادات العلمية كي تكون بمنأى عن تقلبات الوزارة السياسية وتضارب المصالح فيها، لا سيما أن وزارة التعليم العالي قد أخفقت في إدارة هذا القطاع.وعبر مقالنا هذا أناشد كل المسؤولين عن التخطيط لكويت 2035 مساندة العمل على تفعيل قرارات وتوصيات تصب في عملية حماية منظومة التعليم العالي من التعليم الوهمي وتحقيق مشروع استقلالية الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي.أ.د. نورية العوضي


займ на карту быстро

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock