كتاب أكاديميا

د. عصام الفليج يكتب: طبيب جديد.. مهندس جديد.. ثم..!

عندما يتخرج أي طبيب جديد فرحا بالشهادة، ينطلق إلى عمله وكله همة ونشاط لأداء دوره الإنساني المنشود، والالتزام بقسمه، فتجده يحضر قبل الدوام، ولا يأخذ قسط راحة ما دام المرضى موجودين، ويخرج بعد انتهاء الدوام وكله سعادة بعمله.

وخلال هذه الفترة يرى بعض زملائه القدامى أقل منه همة ونشاطا، وقد يأتون متأخرين، ويخرجون مبكرين، وكثيري الاستراحة والاستئذان، وتبدو عليهم مظاهر اللامبالاة مع المرضى، وقد ألفوا كل شيء، فلا تتحرك مشاعرهم ولا عواطفهم، وقد نسوا دورهم الإنساني في رفع الألم معنويا بالابتسامة والكلمة وبث الأمل في نفس المريض، بل نسوا القسم.

ومع مرور الأيام تنتقل إليه هذه العدوى، ويألف الواقع، ويعيش دورهم!

ويجري الأمر على المهندس الجديد عندما يتسلم عمله، فيحرص على دقة العمل، فأي خطأ قد يتسبب بوقوع كارثة، وينزل الميدان بسيارته الخاصة، ويلبس ملابس العمل، ويعود بملاحظاته إلى المسؤول، ويحاسب المقاول، ويعود إلى بيته رغم الحر والتعب وكله سعادة بعمله.

وخلال هذه الفترة رأى ما رآه الطبيب الجديد، فبعض زملائه القدامى أقل منه همة ونشاطا، ويأتون متأخرين، ويخرجون مبكرين، وكثيرو الاستراحة والاستئذان.. الخ، وتبدو عليهم مظاهر اللامبالاة مع أي مشروع، وقد ألفوا كل شيء.. التجاوزات والمخالفات والفساد..، فلا تتحرك مشاعرهم ولا عواطفهم.

ومع مرور الأيام تنتقل إليه هذه العدوى، ويألف الواقع، ويعيش دورهم!

وهكذا مع كل موظف مهني جديد، مهني وليس إداريا، ميداني وليس مكتبيا، سيبدأ فور تخرجه بهمة عالية، وطموح ونظرة تفاؤلية، ورغبة جامحة في العطاء، خصوصا الذين عاشوا قيم ونظم العمل في أوروبا وأميركا، إلا أنهم يصدمون بالواقع المرير في عالمنا الثالث، يواجهون ثقافة غريبة من اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية، ومع مرور الوقت.. وحتى لو كان خريج أرقى الجامعات العالمية، سيجد نفسه مضطرا للتعامل مع الواقع السلبي.

إن انتهاج مبدأ اللامبالاة مبعثه أمران، الأول: عدم تقدير المسؤولين الصادق لمن يعمل ومن لا يعمل، وبالتالي افتقاد معنى التحفيز والتقدير، وهذا جانب إداري، والثاني: الشعور المفتعل بالمظلومية (ما قدروني، أنا كفاءة.. الخ)، وكثرة السخط (التحلطم)، وهذا جانب نفسي أوجد ثقافة مجتمعية قلما تفتقدها أي إدارة، إضافة إلى استعجال المنصب والثراء.

هذا البعض القليل السلبي، يؤثر على أداء الكثير الإيجابي، نفسيا وعمليا، خصوصا إذا تم ارتقاء الأقل كفاءة ليكون مسؤولا عن الأكفاء، فيصاب الجميع بالإحباط.

وأذكر أنه في أحد المستشفيات اتفق أطباء القسم على عدم تكليف أحد الزملاء لإجراء أي عملية لضعف أدائه، وذلك باتفاق داخلي، دون تجريح له بقرار. وما هي إلا أيام.. ليجدوه رئيسا لأحد المراكز الطبية الحكومية المتميزة، ويشرف على عمليات كبرى!

دعوتي لكل هؤلاء الأكفاء المخلصين ألا يعيروا اهتماما لكل ذلك، لأنهم أصحاب مبادئ وقيم وأخلاق، فالنجاح هو القدرة على التعامل مع هذه المواقف لا الاستسلام لها، وألا يكون الإنسان هو الضحية، وألا يكون الوطن هو الخاسر، وأن تعطي الابتسامة وتقدم الأمل، خير لك من أن تبتئس وتنتكس، فالوطن يحتاجك بأخلاقك وحسن عطائك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock