كتاب أكاديميا

بدر البحر يكتب: ‫رسب النواب في اختبار الآيلتس‬

هل تود أن تعيش في صحراء حارقة قاحلة غير ذات زرع تحت ظلال خَرِقَةٍ من الأقمشة البالية وحولك أفراد أسرتك عطشى، تضطر أن تمشي آلاف الأمتار كل يوم تحمل فوق كتفك سطلاً فارغاً لتأتي لهم بالماء، وتحفر الجحور لتجمع لهم الديدان والفتات لطعام الغداء، أم تعيش في إحدى الضواحي الجميلة المطلة على البحيرة، كلما أعدت لك الشغالة الفطور الساخن، بعد حمامك الدافئ كل صباح، وجلستَ بالشرفة تحتسي قهوتك المفضلة جاءت العصافير لتأكل من على الطاولة قطع الخبز الصغيرة، وأنت تسمع صرخات أطفالك يضحكون بينما تطاردهم المربية الأنيقة لتأخذهم الى المدرسة وأصوات أحذيتهم اللامعة ترتطم برخام الكلاكاتا الإيطالي الأبيض؟ ما القرار إن كانت كلتا الأسرتين ستعيش حتماً وتنجب أطفالاً، والأب والأم يصيران كهلَين ويمرضان ويموتان، لكن المؤكد أن الإجابة تستند إلى معيار واضح هو «الجودة» وما يسمى «كواتي أوف لايف»، بمعنى آخر الكل سيتعلم لكن هناك طالباً سيصبح مواطناً منتجاً ومخترعاً وناجحاً في دولة عظمى، وهناك طالب فاشل في دولة فاشلة.

إن إعادة اختراع العجلة هو قرار الأغبياء، وحتى لا نذهب بعيداً في ما يخص شروط الابتعاث وضوابطه، ومنها اختبار الآيلتس، فدول الخليج كالسعودية وقطر وعمان والإمارات تشترط حصول الطالب على درجة تصل الى 6 أحياناً وليس 5 ليكون مؤهلاً للابتعاث، وربما لا يعلم الكثيرون أنه حتى بعثات التخصص الى بريطانيا وأميركا لأطباء وزارة الصحة في الكويت تشترط هذا الاختبار وبدرجة تصل إلى 7.

وربما لا يعلم الكثيرون أيضاً أن القرار رقم 200 المؤرخ 3 اكتوبر 2017 الذي اشترط الحصول على الآيلتس بدرجة 5 للابتعاث، والذي أحدث كل هذه الضجة، هو قرار اتُخذ من قبل وزير التربية السابق د. محمد الفارس مشكوراً، ثم قام الوزير الحالي د. العازمي بتطبيقه، ولم يكن اتخاذ القرار فردياً أو عشوائياً بل بناءً على دراسة مستفيضة واحصاءات دقيقة من المكاتب الثقافية لمعدلات التعثُّر والتجميد والانسحاب من البعثات، وأن خزانة الدولة قد تكبَّدت خسائر بما يزيد على 61 مليون دينار كويتي للسنوات الست الأخيرة.

لن نتحدث عمن أثار موضوعاً جانبياً ليست له علاقة بالقضية والتحصيل العلمي، لكن تأجيج المشاعر الذي سعى له بعض النواب قد حاد عن الصواب بالقول إن الآيلتس يمس مبدأ العدالة والمساواة الذي أقره الدستور، بالمقارنة بين طلبة المدارس الخاصة والتعليم العام. لقد جاء رأي القضاء واضحاً في حكم تاريخي صدر بهذا الشأن، وثبت قانونية قرار الوزير، حيث إن المساواة في جوهرها تعني المساواة بين أصحاب المراكز القانونية، وهم الطلبة، وأن الجميع أمام القانون سواء، وأن قرار الحد الأدنى في اختبار الآيلتس لا ينطوي حظراً للحق بالتعليم بل في جوهره تنظيم لهذا الحق.

نحن نعتب على النواب الأفاضل الموقعين على وثيقة الاتحاد الوطني فرع الولايات المتحدة لإلغاء شرط اختبار الآيلتس، فهل يقبل النواب أن ينقادوا وراء شباب هم أحوج أن يكونوا بقيادة النخبة القادرة على وضع القوانين وفهم وتقدير العواقب لما فيه مصلحتهم؟ كيف يتجاهل النواب الأفاضل الإحصاءات ومعدلات التعثُّر والرسوب في البعثات وهدر المال العام وأحكام القضاء؟ هل ستبقى الأصوات والمصالح الانتخابية هي الهدف وراء الجلوس على كرسي البرلمان؟! نحن نعتقد أن من رسب مؤخراً في اختبار الآيلتس ليسوا الطلبة، بل في الحقيقة، رسب النواب في توجههم بشأن الغاء اختبار الآيلتس!

***

إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock