إشادة بدور السلطة القضائية بالرقابة على القرارات الإدارية
ضمن الموسم الثقافي لكلية القانون الكويتية العالمية، تم تنظيم ندوة بعنوان “السلطة التقديرية أمام القضاء الإداري الكويتي انطلاقاً من قرار جريء صادر عن الدائرة الإدارية الكويتية”. شارك فيها عضواهيئة التدريس في الكلية د. جورج سعد، الذي أعد بحثا حول هذا القرار، والمستشار جاسم الراشد وهو من بين القضاة الذين أصدروه، وحضرها عدد من اعضاء هيئة التدريس، والطلبة.
وتركزت مداخلتا د. سعد ود. الراشد على التأكيد على صحة ما ذهب إليه القضاء الكويتي حيث وضع في هذا القرار دعامة أساسية لتوجه اجتهادي ديمقراطي يصب في اطار صون حقوق المواطنين والأفراد من تعسف تصرفات الإدارة. وذلك عندما أبطل القضاء قرار الإدارة بوضع علامة 40 % على المقابلة الشخصية لاختيار مرشحين لوظيفة باحث قانوني مبتدئ، لما يعتمل هذا السلوك من احتمال محاباة وظلم يلحق بمرشحين لديهم الكفاءة.
بداية تم عرض ملخص لوقائع هذا القرار الذي صدر عن الدائرة الإدارية الخامسة في القضاء في 11-12-2017. عندما تقدم أحد المواطنين لمحكمة الاستئناف مطالباً بإبطال قرار متعلق برفض تعيينه بوظيفة باحث مبتدئ وقانوني، كما طالب بالتعويض المناسب عن الأضرار المادية والأدبية التي مسته جراء ذلك، وشرح للمحكمة بأنه حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة الكويت بتقدير عام جيد جداً بمعدل ,6882. وكان قد تقدم لشغل وظيفة باحث قانوني في وزارة العدل، نتيجة لإعلان الوزارة عن حاجتها لمؤهلين يشغلون وظيفة وكيل نيابة. بعد اجتيازه الامتحانات بنجاح صُدِم بعدم قبوله مع العلم أن بعض المقبولين لا يتمتعون بالمؤهل العلمي الكافي. رأىالمستأنف أن في هذا إخلالاً بمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور الكويتي وبمبدأ تكافؤ الفرص فضلاً عن أن القرار مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف بها عن غايتها.
واتفق المحاضران على القول إن القضاء من خلال الحكم لصالح هذا المواطن ذهب مباشرة إلى بيت القصيد ليقول إن القضاء يراقب الإدارة عندما تتجاوز حدود المنطق والمعقول. ويتعارض قرارها الإداري مع العدل والإنصاف وحتى ضمن ممارستها للسلطة الاستنسابية.
وهذا الحكم يؤسس لنمط جديد من التعامل القضائي مع الإدارة ليشكل خطوة جديدة إضافية على طريق الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، هو قضم لجزء لا يستهان به من مساحة الغطرسة الإدارية، للحد من الواسطة والرشى المرتكبة في مباريات الوظائف الأساسية في كل الدول العربية بما فيها الكويت، ووظيفة باحث قانوني مبتدئ في الكويت هي من الوظائف المرغوبة لأنها تؤهل لشغل وظيفة “وكيل نيابة ج”. ولقد علمنا بأن هذه المسألة شغلت وتشغل مجلس الأمة الكويتي بدليل تقدم رئيس لجنة العرائض والشكاوى حمدان العازمي باقتراح قانون لتحديد معايير وشروط تعيينات الباحثين القانونيين ووكلاء النيابة. يهدف هذا الاقتراحالنيابي لإرساء قواعد قانونية ثابتة لا تتغير “بتغير المتقدمين”، من أجل منع الغبن في التعيينات وهضم الحقوق. لذلك فإن هذا القرار القضائي يساهم في بلورة نصوص جديدة تتفادى الوقوع في الغبن الذي يلحق ببعض المتقدمين لشغل وظائف في الدولة حيث إنالمقترح الجديد يشترط أن لا يزيد معدل المقابلة الشخصية للمتقدمين على 10% من المجموع العام لدرجات المسابقة بدلا من 40%.
وختمت الندوة بنقاش مفتوح بين د. سعد والمستشار د. الراشدوالحضور حول الآفاق المستقبلية لرقابة القضاء على القرارات الإدارية التي تساهم في تعزيز مفهوم الجدارة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وتحد من الاستنسابية التي كانت وتبقى أحد أهم أسباب تخلف الإدارة والخدمات العامة في البلاد.
شرح صورة: