كتاب أكاديميا

أ.معالي الحربي تكتب: “4” طرق جديدة لتبريد الشرائح والرقاقات الحاسوبية

يبدو أن الأمور قد أصبحت أكثر “سخونة” في مجال المعالجات والرقاقات الحاسوبية.
في حين يركز العديد من الباحثين تركيزهم على إيجاد طرق وبدائل تقنية جديدة من أجل ضمان الاستمرار في تصاعد أداء المعالجات، وذلك عبر إيجاد طرق تصنيع تسمح بتصغير الترانزستورات (اللبنة الأساسية في صناعة المعالجات والرقاقات الحاسوبية) وتضمين المزيد من الترانزستورات على الشريحة الواحدة، تركز مجموعة أخرى من الباحثين على كيفية إيجاد طرق للتخفيض من الاستهلاك الحراري للشرائح والرقاقات الحاسوبية متصاعدة الأداء. زيادة عدد الترانزستورات على الشريحة يعني زيادة قوة وأداء الشريحة نفسها، ولكنه أيضاً يعني زيادة الاستطاعة الحرارية التي تصرفها الشريحة.
لطالما كانت مشكلة استهلاك الطاقة Power Consumption أحد المشاكل التي تواجه العاملين بمجال التصنيع التقني، سواء كانوا باحثين أو مصممين. الاستهلاك المرتفع للطاقة والإشعاع الحراري المرتفع للرقاقات الحاسوبية يؤثر بشكلٍ كبير على أدائها مع مرور الوقت، وهو يشكل أحد العوامل ذات الدور السلبي في إنقاص عمر النظام الحاسوبي ككل. من هنا كان العمل على تأمين وسائل تقنية لتبريد الشرائح والرقاقات أثناء عملها أمراً هام.
اليوم، يمكن لبعض الشرائح الحاسوبية أن تولد بقعاً ساخنة Hot Spots ذات كثافة تصل إلى 1 كيلو واط لكل سنتيمتر مربع. ما الذي يعنيه هذا الرقم؟ هذا يعني أنه يمكن لمعالجٍ حاسوبيّ أن يولد كثافة حرارية بكل سنتيمتر مربع بشكلٍ أكبر من الكثافة الحرارية المولد في فوهة صاروخ! تنعكس هذه الأزمة على الشرائح فيما يعرف بالبقع السليكونية السوداء Dark Silicon Fraction. ويشير الباحثين بهذا المصطلح إلى مناطق من الشريحة لا تستطيع أن تعمل عندها الترانزستورات بسبب الحرارة العالية، ويمكن أن تصل نسبة هذه البقع السليكونية السوداء إلى حوالي 10-20% من إجمالي الشريحة، أي أننا سنخسر ما يعادل 20% من قوة وأداء الشريحة بسبب الحرارة التي تولدها!
تعتمد الطرق التقليدية في تبديد الحرارة على وصل الشرائح السليكونية بقضبان من النحاس أو الألمنيوم (موصلات جيدة للحرارة) والتي تمتلك نهايات شبيه بالزعانف. تقوم مروحة بلاستيكية بتدوير الهواء من أجل تبديد الحرارة بعيداً عن القضيب النحاسي، وبالتالي بعيداً عن الشريحة الحاسوبية ككل. السلبية الأساسية بنظام التبريد هذا أنه كبير الحجم، مزعج حيث أنه ذو ضجيج مرتفع نسبياً، فضلاً عن كونه يستهلك طاقة مرتفعة. فضلاً عن ذلك، ومع تزايد قوة وأداء الشرائح الحاسوبية وزيادة استطاعتها الحرارية وكمية الحرارة الصادرة عنها، فإن مثل هكذا نظام لن يكون فعالاً كما يجب من أجل ضمان عمل الشرائح بالأداء المطلوب منها. بعض التصاميم المتعلقة بالشرائح الحاسوبية المستقبلية تتضمن بنى ثلاثية الأبعاد للدارات المتكاملة، أي توضع عدة طبقات فوق بعضها البعض لتكوين شريحة المعالج ككل. مثل هكذا تصميم ثلاثي الأبعاد للشريحة قد يؤدي إلى احتجاز الحرارة بين طبقات المعالج، مما يجعل عملية التبديد الحراري مهمة أكثر صعوبة.
تظهر الصورة نظام التبريد التقليدي المستخدم في معظم اللوحات الأم الخاصة بالأجهزة الحاسوبية. النظام بسيط وهو يتكون من قضبان نحاسية ناقلة للحرارة تتصل بسطح الشرائح الحاسوبية، وتتصل من جهةٍ أخرى بمروحة التبديد الحراري. تعمل القضبان على توصيل الحرارة الصادرة من المعالجات إلى مروحة التبديد، والتي بدورها تبدد الحرارة لخارج النظام الحاسوبي.
ما هو الحل؟ يبدو أننا سنكون بحاجة لحلولٍ جذرية، وليس مجرد تطويرات بسيطة لنظام التبريد التقليدي المستخدم حالياً. فيما يلي، سنقوم بسرد أربعة من أهم الطرق الحالية التي يتم بحثها وتجريبها في المختبرات من أجل إيجاد حل لمشكلة الاستطاعة الحرارية المتزايدة.
1. أنابيب مائية صغيرة Tiny Water Pipes
بدلاً من تبديد الحرارة عبر مادةٍ ذات ناقلية حرارية جيدة ومن ثم تبديدها إلى الهواء، فإن أحد الاقتراحات هي وضع مادة باردة على بعد بضعة ميكرومترات من الشريحة الحاسوبية. يمكن لهذا الاقتراح أن يتم عبر توجيه قنوات ناقلة للسائل نحو الشريحة (أو ركيزة ما توضع عليها) ومن ثم ضخ سائل بارد عبر القنوات الناقلة.
في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2015، قام مجموعة من المهندسين في معهد جيورجيا للتقانة بإظهار أول نظام تبريد للشرائح يعتمد على قنوات ناقلة للسائل البارد، وذلك على شريحةٍ لبوابةٍ منطقية قابلة للبرمجة FPGA. قام الباحثون باستخدام تقنيات التصنيع الصغري Microfabrication Techniques من أجل تشكيل قنوات بطول 200 ميكرومتر، حيث تتصل هذه القنوات بالسليكون على الوجه الخلفي للشريحة وهي تتصل أيضاً بأنابيب مياه. بالنسبة للمضخة المسؤولة عن ضخ السائل بالإضافة لخزان السائل، فإنها ستكون مدمجة مع تغليف الشريحة. تمكن هذا التصميم بتخفيض درجة حرارة تشغيل الشريحة بمعدلٍ أفضل من النظم التقليدية بحوالي 60%. وفقاً للباحثين، فإن هذه الطريقة متوافقة مع أي نمط من أنماط تغليف الشرائح السليكونية.
أحد أهم ميزات الأخرى المتعلقة بالتبريد السائل أنه يمكن استخدامها بشكلٍ فعال مع التصاميم ثلاثية الأبعاد الخاصة بالشرائح الحاسوبية المستقبلية.
2. الثلاجة The Fridge
إذا لم يكن الماء البارد قادراً على أداء المهمة لوحده كما يجب، فإنه بعض الباحثين يستكشفون إمكانية استخدام مواداً أكثر برودة (مثلجات Refrigerants) وضمن ذلك القنوات الميكروية الناقلة للسائل Microfluidic Channels. تتم عملية التبريد كما يلي: عندما تصل هذه السوائل عالية البرودة عبر القنوات الناقلة إلى سطح الشريحة (أو بقربها) فإنها ستمتص الحرارة الصادرة من الشريحة وسترتفع درجة حرارتها وتتبخر، حيث تستطيع هذه المواد امتصاص كمية حرارة أكبر من السوائل الدوارة. يعود البخار إلى حالته السائلة مرة أخرى ضمن جهاز تكثيف Condenser يتوضع خارج الشريحة، ومن ثم يتم إعادة العملية مرة أخرى.
وفقاً للباحثين، فإن مثل هكذا نظام حراري ثنائي الطور (والذي يستخدم الضغط المنخفض لتعزيز كفاءة التبخير) من المفترض أن يسمح لهم بالوصول للهدف الذي حددته وكالة أبحاث الدفاع المتقدمة DARPA، والمتمثل بالقدرة على تبريد البقع الساخنة في الشرائح والتي تصل كثافتها الحرارية لـ 1 كيلوواط لكل سنتيمتر مربع. التحدي الأبرز في مثل هكذا نظام هو بكيفية تنظيم الضغط حتى لا تتبخر المادة المبردة بشكلٍ كامل.
بدأت بعض النماذج لمثل هكذا أنظمة تبريد ثنائية الطور بإيجاد تطبيقاتٍ تجارية لها، خصوصاً بمجال الهواتف الذكية. في شهر آذار/مارس الماضي، أعلنت شركة فوجيتسو Fujitsu عن تمكنها من تطوير نظام تبريد ثنائي الطور بسماكةٍ أقل من ميللي متر واحد.
3. مروحة المراوح Fan of the Fans
بعيداً عن الحلول الجذرية التي تتجه لتغيير طرق تبريد شرائح المعالجات واستبدالها بطرقٍ جديدة كلياً، قامت شركة CoolChip بتقديم نموذجٍ جديد لمروحة تبريد، يعتمد على تطوير النماذج القديمة. شركة CoolChip عبارة عن شركة ناشئة من معهد ماساتشوستس للتقانة MIT. يعتمد التصميم الجديد لنظام التبريد المقدم من قبل شركة CoolChip على صفيحةٍ معدنية مصنوعة من الألمنيوم، ويوضع فوقها صفيحة أخرى ذات حواف مشابهة للريش. تقوم الصفيحة العلوية بالدوران بعد أن تمتص لتبدد الحرارة الممتصة من قبل الصفيحة السفلية. أطلقت الشركة على هذه التقنية الجديدة اسم “التبريد الحركي Kinetic Cooling”. وفقاً للشركة، فإن نظام التبريد الجديد الخاص بهم ذو ضجيجٍ أقل بكثير من أنظمة التبريد التقليدية، كما أنه أفضل منها بحوالي 50% فيما يتعلق بنسبة تبديد الحرارة.
قامت شركة مايكروسوفت مؤخراً بالتعاقد مع شركة CoolChip من أجل تطوير أنظمة التبريد الخاصة بمنصات ألعاب XBox القادمة. بحلول عام 2016، من المفترض أن تكون أنظمة التبريد المطورة من قبل شركة CoolChip قد أصبحت موجودة في آلاف منصات الالعاب.

4. أنابيب الكربون النانوية Carbon Nanotubes
يتم حالياً استخدام الزيوت الحرارية والمواد البوليمرية كمواد ربط من أجل نقل الحرارة من المواد السليكونية إلى الماصات الحرارية. من الممكن أن تكون أنابيب الكربون النانوية بدائل مثالية عن هذه المواد.
تمتلك أنابيب الكربون النانوية قيمة عالية جداً للتوصيل الحراري، فضلاً عن كونها مواد مرنة. الميزة التي تقدمها خاصية المرونة الموجودة في أنابيب الكربون النانوية، هي أن المواد الصلبة تتمدد تحت تأثير الحرارة، وهو الأمر الذي قد يؤثر بشكلٍ سلبي على الشرائح، فعملية تمدد المواد الصلبة الناقلة للحرارة قد تؤدي إلى أذية في الشريحة الحاسوبية أو حتى تدميرها.
المشكلة الأساسية المتعلقة بأنابيب الكربون النانوية هي أنها مواد مستقرة جداً ومن الصعب معالجتها لتشكيل روابط كيميائية تربطها مع العناصر الأخرى المكونة للشريحة. يشير الباحث فرانك اولغيتري إلى أن الصعوبة الأساسية بتشكيل أنابيب الكربون النانوية هي بصعوبة تأمين وسط تبادل حراري بينها وبين المصادر الحرارية من جهة، وبين الماصات الحرارية من جهةٍ أخرى. بلغة الأرقام، ووفقاً للأبحاث التي أجراها الدكتور فرانك اولغيتري، فإن 5% فقط من الأنابيب الكربونية المستخدمة تمكنت من التمدد عمودياً ضمن السليكون وملامسة سطح المادة المعدنية الماصة للحرارة. هذه نسبة قليلة جداً وغير كافية للحصول على تبريد حراري جيد للشريحة.

إعداد| أ. معالي الحربي

عضو هيئة تدريب

المعهد العالي للخدمات الإدارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock