الصروح الثقافية الجديدة ركيزة حضارية وأساسية لإثراء الحركة الثقافية الكويتية
لطالما كانت الكويت تحتل مكانة متقدمة على الخريطة الثقافية منذ ما قبل الاستقلال وعبر مسيرة نهضتها الشاملة بسواعد أبنائها حتى أصبحت أشبه بمركز ثقافي يشار إليه بالبنان في أوساط الثقافة العربية والإقليمية.
وهذه المكانة الثقافية وإن كانت تعرضت إلى محنة إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990 وشتى التحديات بعدها فإن الديوان الأميري كانت له رؤيته الثاقبة وجهده الحثيث لإعادتها إلى سابق عهدها من الريادة على المستويات الثقافية والعلمية والفنية بتأسيس وتطوير عدد من المنشآت الثقافية الفريدة باعتبارها ركيزة لإثراء الحركة الثقافية الكويتية.
وانطلقت هذه الرؤية بالعمل على تأسيس مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي التابع للديوان الأميري الذي افتتح في 31 أكتوبر 2016 بحضور حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في حفل تاريخي ضم مختلف أنواع الفنون والمبدعين ليكون أول صرح ثقافي من نوعه في الكويت بأربعة مبان تضم عددا من المسارح وقاعات للحفلات الموسيقية وقاعات سينما ومكتبات ومركزا للمؤتمرات.
أما حديقة الشهيد التابعة للديوان الأميري أيضا وهي نسخة مطورة من الحديقة المعروفة سابقا باسم (حديقة الحزام الأخضر) فقد جاءت برغبة أميرية سامية وبعمل دؤوب من قبل الديوان لا لتكون فحسب إحدى أكبر الحدائق العامة في قلب العاصمة الكويت ومتنفسا رائعا لكل الباحثين عن الجمال والسكينة في أحضان الطبيعة بل أيضا لتكون مركزا ثقافيا وتعليميا بشكل مغاير ومتفرد ومتميز خصوصا أنها تضم عددا من المنحوتات والأعمال الفنية الكويتية فضلا عن متحفين هما (مواطن الكويت) و(الذكرى).
وبهذه المناسبة قال مسؤول متحف (مواطن الكويت) محمد الخرافي اليوم السبت إن هذا المتحف الكائن في حديقة الشهيد افتتح في مارس 2017 ليكون الأول من نوعه في الكويت ويهتم بعرض الطبيعة الجغرافية والبيئة الكويتية بثرواتها النباتية والحيوانية عن طريق وسائل عرض تفاعلية بالصوت والصورة واللمس.
ولفت الخرافي إلى ما يتميز به المتحف من القدرات التكنولوجية العالية تمنح الزوار تجربة لا تنسى بهدف تشجيعهم للتعرف والارتباط بالبيئة المحلية وبذل الجهد للمحافظة عليها من التلوث والتدمير الذي يطالها جراء الممارسات العشوائية إضافة الى وجود قاعة للمحاضرات والندوات.
وأضاف أن المرحلة المقبلة ستشمل بناء قاعدة بحثية ومرجعية داخل المتحف للزوار الأكثر تخصصا والراغبين في معرفة المزيد من التفاصيل حول معروضات المتحف واستخدامها لأغراض البحث الأكاديمي.
وأوضح أن ذلك يتمثل في إنشاء قاعدة معلومات إلكترونية تخصصية في منصات العرض المنتشرة في المتحف تمكن الباحثين من استقاء المعلومات المنشودة أو الاكتفاء بالمعلومات العامة البسيطة المقدمة حاليا لتناسب كل الزوار إضافة الى العمل القائم حاليا على انشاء مكتبة في المتحف من أجل خدمة أكبر لجميع الشرائح الفكرية التي تزور المتحف.
من جانبها قالت مسؤولة متحف (الذكرى) التابع للديوان الأميري ويعرض مسيرة الكويت التاريخية منذ تأسيسها المهندسة بشاير العواد ل(كونا) إن المراكز الثقافية لطالما أدت دورا مهما في دعم وتشجيع الحراك الثقافي المجتمعي وتعزيز الهوية الوطنية وتاليا تأسيس جيل متعلم مثقف واع بقضايا وطنه ملم بماضيه ومهتم بتطويره.
وأضافت العواد أن الموروث الحضاري جزء لا يتجزأ من ثقافة أي مجتمع “وفي الكويت لدينا موروث زاخر يدعو للفخر ولابد أن يكون بارزا في ثقافتنا ومنشآتنا الثقافية”.
وأوضحت أن متحف (الذكرى) يعمل بدأب على إبراز الموروثات والتاريخ المشرف للكويت “والذي يمنحنا قوة وإلهاما من أجل التعامل مع المستقبل وتحدياته”.
وأكدت أن المنشآت الثقافية الجديدة ليست بمعزل عن أحدث التطورات العالمية في مجال عرض وإيصال المعلومة بشكل مبتكر خصوصا في المتاحف التاريخية مثل متحف الذكرى.
وذكرت أن استراتيجية العمل في أي مركز ثقافي يجب أن يكون من أهم بنودها استهداف الأطفال وإعداد البرامج والأنشطة لهم لأنهم الجيل القادم ويجب العمل على تأسيسهم وتربيتهم بما ينفع مجتمعاتهم.
ولفتت إلى أن المتحف يعمل حاليا على تنظيم فعالية خلال شهر أغسطس المقبل تتخللها ورش عمل للأطفال وبعض الأعمال الفنية التي تجسد تضحيات الكويتيين إبان محنة الغزو وتخليد ذكرى الشهداء الأبرار.
بدوره قال المدير التنفيذي للشركة المشغلة لحديقة الشهيد (أيه إي أيه AEA) الدكتور سامي المصري في تصريح مماثل إن نجاح أي مؤسسة ثقافية لا يكون إلا باستغلال قدرات محيطها المحلي خصوصا أن الكويت مفعمة بالقدرات الهائلة من الفنانين والمبدعين والمثقفين والعلماء المتخصصين في شتى المجالات العلمية والإنسانية.
وأضاف المصري أنه انطلاقا من ذلك كانت رؤية الديوان الأميري بتوفير منصات للعمل والبحث والعرض مرتبطة بمنصات مثيلة عالمية لها سمعتها وتاريخها في العالم الثقافي والعلمي.
وأوضح أن وظيفة المؤسسة الثقافية تتمثل في خلق هذا الترابط بين المنصات المحلية والعالمية وتوفير كل الإمكانيات للمبدعين الكويتيين ليصلوا إلى البيئة الثقافية والعلمية الكفيلة بمنحهم فرصة النقلة النوعية على المستوى الإقليمي والعالمي.
وأشار إلى ما حققه الكويتيون من النجاح التام على المستوى المحلي منذ زمن بعيد في وقت تعاصر المنطقة الخليجية حاليا نهضة كبيرة على المستوى الثقافي.
ولفت إلى أن مركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي سوف يفتح أبوابه للزوار قريبا وسيتضمن أربعة متاحف للعلوم والفضاء والتاريخ الطبيعي والفنون الجميلة والعلوم العربية والإسلامية إضافة الى مساحات خارجية سيتم استغلالها لتقديم برامج تناسب كافة شرائح الزوار العمرية والفكرية.
في السياق وعن أهمية مجمل هذه المنشآت الجديدة على صعيد إثراء الساحة الثقافية جنبا إلى جنب مع المنشآت التي سبقتها أعرب الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي عن سعادته بافتتاح مركز الشيخ جابر الثقافي الذي يعد منارة جميلة تضم مسرحا للأوبرا وغيرها من المراكز الثقافية الواقعة قيد الإنشاء حاليا.
وقال الرميضي إن مثل هذه المنشآت تساهم في إثراء الحراك الثقافي إذ ما تم استغلالها بالشكل المنظم الهادف لافتا إلى العمق الثقافي الرائع للكويت “فهي السباقة في هذا المجال ولها منجزات مميزة عبر سنوات طويلة”.
وأكد أهمية أن يواكب تأسيس وتطوير المباني فعاليات ثقافية وأدبية وفنية تنظم بذكاء وحرفية لجذب المتلقي من كل فئات المجتمع “وهو تحد كبير يجب التصدي له خلال الفترة المقبلة وألا تكون الفعاليات مقتصرة على فئات قليلة فقط وصولا إلى المساهمة في إضافة جديدة لتاريخنا الثقافي”.
وذكر أن الفعاليات التي أقيمت خلال الفترة السابقة كانت متميزة لكن الطموح أكبر من ذلك بما يتواكب مع هذه الصروح الجميلة مبينا أهمية تقديم أدباء الكويت والحرص على حضورهم الدائم لما لهم من دور كبير في خدمة المجتمع الكويتي. (كونا)