علماء يعيدون ابتكار فيروس منقرض… تحذيرات بشأن البحوث الخطيرة!
تحذيرات من أن تقدم العلم الهائل ربما يؤدي إلى ابتكار أمراض قاتلة في المختبرات ونشرها في العالم
علت خلال السنوات الأخيرة تحذيرات تنبِّه من أن تقدّم العلم الهائل ربما يؤدي إلى ابتكار أمراض قاتلة في المختبرات ونشرها في العالم. وجاء نجاح علماء في جامعة ألبرتا بكندا في تطوير فيروس الجدري (من الصفر) ليذكّرنا بأن خطر الفيروسات المميتة التي يبتكرها الإنسان ليس نظرياً فحسب.
أُعلن القضاء على فيروس الجدري، الذي أدّى إلى موجات من الوبأ المميت طوال قرون، في عام 1980 بعد جهود عالمية ناجحة لإنهاء عصر الرعب الذي نشره الفيروس. لكن بعض العلماء يخشى إعادة إحيائه من خلال ما يُعرف بعلم الأحياء الاصطناعية (القدرة على تطوير فيروس بجمع أجزائه الواردة في الوصفة المحفوظة في شفرته الجينية).
فريق كندي ابتكر فيروس جدري الخيل أخيراً. لا يشكّل الأخير خطراً يهدِّد صحة الإنسان أو حتى صحة الخيل، في حال خرج من المختبر. ولا يُعتبر هذا أول فيروس يُطوَّر بجمع أجزاء من الحمض النووي معاً وفق الترتيب الصحيح.
رغم ذلك، تحوّلت الأخبار عن نجاح فريق بقيادة ديفيد إيفانز، بروفسور متخصص في علم الأحياء الصغرية الطبي وعلم المناعة، في هذه المهمة بكلفة منخفضة نسبياً وصلت إلى نحو 100 ألف دولار، فضلاً عن جهود المشاركين في البحث، إلى صيحة إنذار.
نُشر الخبر بادئ الأمر في مجلة «العلوم». الدكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني للأرجية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، يشير في هذا المجال: «يشكّل هذا الأمر مثالاً لما تستطيع التقنيات الحديثة إنجازه».
تكثر التحذيرات بشأن تداعيات علم الأحياء الاصطناعية منذ إعلان إيكارد ويمر من جامعة ولاية نيويورك في ستوني بروك عام 2002 أنه تمكّن هو وفريقه في إنتاج فيروس شلل الأطفال من الصفر.
قلق
تُعتبر فيروسات شلل الأطفال صغيرة مقارنةً بفيروسات الجدري وأقل منها تعقيداً. لكن العلماء الذين كانوا يراقبون هذا المجال عبّروا عن قلقهم لأنهم اعتقدوا أن العقبات التي تعترض سبيل تطوير فيروسات أخرى سرعان ما تتبدّد بمرور الوقت.
يذكر إيفانز، أحد أعضاء اللجنة الاستشارية في منظمة الصحة العالمية التي تراجع طلبات إجراء بحوث ترتبط بالجدري، أنه حذّر اللجنة من أن العلم بلغ هذه المرحلة. أخبر مجلة STAT: «لم يشكّل الخبر مفاجأة للعاملين في هذا المجال، فهذا ما كنا نؤكده لمنظمة الصحة العالمية منذ سنوات. هذه التكنولوجيا ممكنة بالتأكيد. وأعتقد أن علينا القبول بها بكل بساطة والمضي قدماً».
أراد إيفانز إثبات هذه النقطة. لكنه كان يسعى إلى هدف أكبر. يحاول الباحث تطوير لقاحات ضد السرطان وأراد استخدام فيروس الوقس (قريب آخر للجدري يُستعمل غالباً في البحوث) كوسيلة لإدخال مقاتلي السرطان إلى جهاز المناعة. ولا شك في أن اكتشاف كيفية إعداد هذا الفيروس اصطناعياً كان سيسرّع عمله.
في هذه الأثناء، أعربت شركة أدوية تُدعى Tonix عن اهتمامها بإنتاج لقاح جديد للجدري أكثر فاعلية باستخدام فيروس جدري الخيل كآلية إيصال. ووافق إيفانز وفريقه على إنتاج جدري الخيل، الذي اختفى على ما يبدو من الطبيعة، لهذه الشركة، فموّلت بحثه.
كذلك طلب إيفانز، نائب عميد قسم البحوث في جامعة ألبيرتا، موافقة الجامعة على عمله وحصل عليها.
لكن فوسي يشير إلى أن عمل إيفانز ما كان سيبصر النور على الأرجح، لو قرّر تنفيذه في الولايات المتحدة الأميركية لأن طلبه كان سيخضع بالتأكيد لعمليات دراسة أكثر تعمّقاً. ويؤكد أنه ليس واثقاً من أنه كان سيحظى بالضوء الأخضر.
جدل
تعود عمليات الموافقة المعقدة هذه في الولايات المتحدة إلى الجدل المطوّل والمحموم أحياناً حول بحوث يمكن اعتبارها خطراً أمنياً. تُعتبر هذه البحوث، التي تُدعى «بحوثاً مقلقة مزدوجة الاستعمال» والتي تستوفي كامل مواصفات البحث العلمي، أدوات ربما تستخدمها عناصر مارقة لتحويل الممرضات إلى أسلحة.
بدأ هذا الجدال عندما تلاعب عام 2011 عالم هولندي موّلته الحكومة الأميركية بفيروس إنفلونزا الطيور H7N9 إلى أن طوّر القدرة على الانتشار سريعاً بين القوارض. وتُعتبر الأخيرة بديلاً للبشر في بحوث الإنفلونزا لأن الفيروسات التي تصيبها تصيبهم أيضاً.
كان مارك ليبسيتش، بروفسور متخصص في علم الأوبئة في جامعة هارفارد، أحد أشد معارضي بحوث الإنفلونزا. ويشارك منذ ذلك الحين بفاعلية في الجدال الدائر حول المغالاة في فرض القيود على أعمال ربما تُستخدم لأغراض خطيرة.
عند سؤاله عن عمل إيفانز، لم يعبّر عن قلقه حيال البحث بحد ذاته بل حيال معرفة العالم بما أنجزه.
أضاف موضحاً: «لا شك في أن تحقيق خطوة مماثلة، سيحظى باهتمام أناس يودون استخدامها لأهداف خاطئة. وربما ما كانوا ليعلموا بها لولا كتابة مقالات في الصحف وفي مجلة العلوم عنها».
رفض النشر
لم يُنشر بحث جدري الخيل بعد، إذ رفضت مجلتان نشرَه حتى اليوم. ويُقر إيفانز نفسه بأنه يجهل مقدار التفاصيل التي سيضمنها تقريره عندما يقدّمه. يقول في هذا الشأن: «لا أود أن أذكر توجيهات مفصلة حول كيفية إنجاز ما توصلنا إليه. فإن كنتَ مطلعاً على هذا المجال، تحصل بذلك على معلومات كافية لتكرر التجربة. وإذا لم تكن ضليعاً في هذا الحقل، فمن المفترض ألا تجرب أمراً مماثلاً، أليس كذلك؟».
اعتبر ليبسيتش موقف إيفانز مطمئناً، إلا أنه بدا أقل تفاؤلاً حيال واقع أن هذا البحث يبرهن تراجع قدرة الحكومة على ضبط العلوم، فيما تزداد التفاصيل العلمية المعقدة سهولة.
تقتصر القواعد التي تفرضها معاهد الصحة الوطنية على الأعمال التي تُنفَّذ بتمويل منها. إلا أن إيفانز أجرى بحثه بتمويل خاص خارج الولايات المتحدة.
ختم ليبسيتش: «فيما تزداد الأعمال، التي ربما تكون خطرة، سهولة وتتراجع كلفتها، يصعب ضبطها لشتى الأسباب، من بينها واقع أن سلطة الحكومة القانونية تكون أكبر على الأعمال التي تموّلها، مقارنة بما لا تموله».
عام 2002 تمكّن باحثون من إنتاج فيروس شلل الأطفال من الصفر
الجريدة