أخبار منوعة

مترجم: وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة للعقل!

إدمانٌ مُضِر أم مُحفِّز للذاكرة؟ اختلفت الأقاويل والادعاءات بشأن أثر وسائل التواصل الاجتماعي على عقل الإنسان، وتتباين الآراء كما لو أن هناك صراعًا بين جيلين، جيل اعتمد على ذاكرته في تذكر التفاصيل في علاقاته الاجتماعية كتذكر أعياد الميلاد وجيل يعتمد على فيس بوك ليخبره بتلك التفاصيل فلم يعد بحاجة إلى تذكرها. فيظن الأول أن النتيجة هي جيل من الأغبياء والعقول المعطوبة.
ولعل المرء يتساءل ربما معهم حق فمواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد نشاط لملء أوقات الفراغ إنما اسلوب حياة للبعض.
نشر موقع «Hootsuite» مقالًا يتناول أثر وسائل التواصل الاجتماعية على العقل استنادا لمجموعة من الدراسات التي كشفت عن بعض آثارها السلبية والإيجابية. ولعل أفضل ما ختم به الكاتب تقريره هو التأكيد على مبدأ « الاعتدال».
يتميز عقل الإنسان بما يعرف بـ «المرونة العصبية» وهي  قدرته على تغيير سلوكه بناءً على التجارب الجديدة. يقول  الكاتب أن العقل البشري خلق بطبيعته ليتأقلم مع التغييرات على مر التاريخ، وبالأحرى تكيفه مع التطور السريع في عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. فبينما تقضي يومك في إبداء الإعجابات والمشاركات والتعليقات، ماذا يحدث داخل عقلك؟
المادة الرمادية
قد تكون الأبحاث بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الثقافية والاجتماعية كثيرة، لكنه ليس الحال مع الأثر النفسي لها على المخ وربما يعود السبب لحداثتها. ومع ذلك تستحق الأبحاث القليلة الموجودة الاطلاع عليها.
قام مجموعة من الباحثين بإجراء دراسة لمحاولة معرفة هل لعدد الأصدقاء على فيس بوك علاقة مباشرة بالمادة الرمادية في المخ. حسب تعريف ويكيبيديا « المادة الرمادية» هي أحد العناصر الأساسية في الجهاز العصبي المركزي، وتتكون من أجسام الخلايا العصبية وإسفنجيات العصبونات، وهي المسؤولة عن الذاكرة والمشاعر والكلام والمستقبلات الحسية والتحكم في العضلات. في دراستهم وجدوا أنه «كلما زاد عدد الأصدقاء زادت المادة الرمادية في أجزاء المخ».  وأضافت د. ريوتا كاناي، الباحث الرئيسي في الدراسة: «السؤال هنا: هل تتغير هذه البنية للمخ بمرور الزمن؟ وهو ما سيساعدنا في الوصول لإجابة على تساؤل آخر: هل يغير الإنترنت أدمغتنا؟».
يقول الكاتب إن الوضع أشبه بمعضلة «الدجاجة خلقت أولًا أم البيضة؟» بمعنى أننا لسنا متأكدين هل المشاركون ذوو المناطق الرمادية الكبيرة مبرمجون طبيعيًا للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي جيدًا، بمعنى أنها السبب؟ أم أن المادة الرمادية كانت نتيجة لزيادة عدد الأصدقاء على فيس بوك؟. وفي كلتا الحالتين يستحق الأمر الدراسة.

انعش ذاكرتك
استنادًا لحقيقة أن المادة الرمادية مسؤولة عن الذاكرة، فإن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على قدرتنا على استدعاء الأحداث صارت موضع تساؤل. فلماذا ترهق نفسك بتذكر رقم هاتف صديقك في حين يمكنك الاتصال به مباشرة عن طريق فيس بوك؟
يقول البعض إننا ندمر عقولنا بتلك الطريقة، بيد أن الأبحاث العلمية تثبت عكس ذلك.
يذكر الكاتب دراسة أجراها «ترايسي باكيام» و«روس جيفري» في 2010، تتناول أثر مواقع التواصل الاجتماعي على المهارات المعرفية كالانتباه وأثرها على الذاكرة العاملة ومستويات الترابط الاجتماعي. ووجدوا أن التواجد على المنصات المختلفة أثر إيجابيًّا على الذاكرة العاملة للمشاركين.
على سبيل المثال، جعلوا أحد المشاركين يتابع ما ينشره أصدقاؤه على فيس بوك، وكلما زادت متابعته، زادت مستويات الذاكرة إيجابيا. فعند التعرض للمزيد من المعلومات، تضطر عقولنا للعمل أكثر لمجاراة ما يتعرض له، مثله كمثل العضلة تنمو بالتدريب.
يقول الكاتب إن التعرض للمنشورات على فيس بوك لا يعني مجرد رؤيتها، إنما يعالج عقلك تلك البيانات ويحدث قاعدة بيانات الذكريات. وهنا يظهر أثر مواقع التواصل الاجتماعي على العقل وتحديدًا على «نظام الذاكرة التبادلية» وهي استخدام العقل العناصر في البيئة المحيطة لملء الفراغات في الذاكرة.
يقول « كلايف تومبسون» مؤلف كتاب «Smarter Than You Think» إن هذا النوع من قوة الذاكرة يسمح لنا بتحقيق مستويات أفضل في الأداء. فمواقع التواصل الاجتماعي صارت الآن بنك تخزين للمعلومات – كتواريخ الميلاد وبيانات الاتصال – فأصبح في العقل مساحة أكبر للتركيز على أشياء أكثر أهمية.
الجدير بالذكر أنه على الرغم من الأثر الإيجابي المنشور لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العقل، فإن الدراسة وجدت أن الأثر الإيجابي لها يتضاءل في حالة المشاركين المنخرطين في مهام متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي أو استخدام منصات متعددة في آن واحد، وهو بالتحديد ما نقوم به نحن عل مواقع التواصل الاجتماعي.
أشارت إحدى الدراسات أيضا للأثر السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي على المستخدمين من هذا النوع، إذ أنهم أكثر عرضة لتداخل المحفزات البيئية والتمثيلات غير المترابطة في الذاكرة. ومع ذلك، أشارت الدراسة الى أنه ربما يغير نمط الاستخدام هذا طريقة نمو المستخدمين الصغار وتكيفهم معها في استخدام الإنترنت عامة ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة، وربما يتغير بحيث يكون أداؤه أكثر كفاءة. وعلى كل، إذا تحقق ذلك فعلا ستكون تلك ظاهرة مذهلة تستحق الدراسة. 

برمجة العاطفة
كشفت الدراسة أيضًا عن تأثير آخر لوسائل التواصل الاجتماعي بخلاف المادة الرمادية السابق ذكرها، إذ وُجِد أن أثرها هو نفسه أثر العديد من التفاعلات في الحياة الواقعية.
وجدت مجموعة من الباحثين في جامعة طوكيو أن استخدام «الانفعالات» في الدردشة أو التعليقات المعروفة باسم «إيموجيز» تستحث نفس الأجزاء من الدماغ المسؤولة عن التواصل في الحياة الواقعية. يشرح ذلك «د. جاري سمول» مؤلف «iBrain» قائلا إنه عندما رأى المتطوعون للتجربة الإيموجيز أثناء مسح أشعة الرنين المغناطيسي، وجد أن الفص الأمامي الأدنى صار نشطًا.
يقول الكاتب إن هذا الأثر يرتبط بـ« الاقتصاد العصبي»، وهو مزيج من علوم الأحياء والأعصاب وعلم النفس، يحاول فهم العلاقة الكيميائية بين ما يفعله شخص ما في وقت معين – وبالتحديد أثناء تواجده على شبكة الإنترنت – والإفرازات الكيميائية التي يفرزها المخ. ويضيف الكاتب أن « بول زاك» – عالم متخصص في علم الاقتصاد العصبي – أجرى بعض التجارب هو الآخر على المشاركين في الدراسة، ووجد أن المخ يفهم التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي بنفس الطريقة التي يفهم بها ويستقبل التفاعلات في العالم الحقيقي، وذلك من خلال إفراز مادة كيميائية تدعى أوكسيتوسين. وهي نفسها المادة التي  يفرزها المخ أثناء ترابط الأم مع رضيعها عقب الولادة، أو تناول أطعمتنا المفضلة، أو أي شيء آخر يمدنا بشعور الرضا والسرور.
هل تعلم أن لحظة وصول إشعار إعجاب أحدهم بالسيلفي الأخير لك أو تعليق إيجابي هي عظيمة؟ ولماذا؟ يقول الكاتب أن السبب يرجع إلى أن كل مرة تتلقى فيها إشعارًا فإن منطقة في دماغك تدعى نواة المخيخ تنشط، فتمدنا  باحساس الرضا والبهجة. إلا أن ذلك نفسه قد يخلق ضغوطًا على المستخدمين إذا ما تحول للإدمان، ولاسيما لدى الشخصيات ذات الميول الإدمانية.
يذكر الكاتب أن لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيرًا على إفراز الدوبامين، وهو أحد المواد الكيميائية التي يفرزها العقل، والمسؤول عن مكافأة السلوكيات، وله دور رئيسي في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان، ويتم تحفيزه من خلال التوقع والمكافأة كما في تجربة بافلوف والكلب. فعندما تكون بانتظار سيل من الإعجاب بصورتك السيلفي الأخيرة المدهشة، أثناء ذلك يتم تدريبك على انتظار المكافأة وإفراز عقلك للدوبامين. مع العلم أن نفس المناطق في المخ تنشط عند تناول الهيروين وغيرة من المخدرات المسببة للإدمان.
لذا ربما الحل هو الاعتدال. وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون لها فوائد، لكن علينا إدراك حدودنا جيدًا فنُعَظِّم من قيمتها ولا ننجرف لإدمانها.
المصدر:

ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »

Thumbnails managed by ThumbPress

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock