هل ستحصل الروبوتات على وظائفنا في المستقبل؟
بينما أشارت دراسة جديدة صادرة عن منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، إلى أن التغيرات المربكة في سوق العمل، بما في ذلك ظهور الروبوت والذكاء الاصطناعي، ستؤدي إلى فقدان 55 ملايين وظيفة على مدار السنوات الخمس القادمة، تساءل المنتدى في تقرير نشره مؤخرًا على موقعه الإلكتروني عما إذا كانت الروبوتات ستحصل بالفعل على وظائفنا في المستقبل.
وقال التقرير: «تزايدت وتيرة التشغيل الآلي أو الأتمتة، مدفوعًا بالتقدم التكنولوجي، بلا هوادة خلال العقود الماضية. وقد انخرطت مدرستان في التفكير الاقتصادي لسنوات في نقاش حول الآثار المحتملة للتشغيل الآلي على الوظائف وفرص العمل والنشاط البشري: هل ستفرخ التكنولوجيا بطالة جديدة، حيث تأخذ الروبوتات الوظائف بعيدًا عن البشر؟ أم هل ستطلق الروبوتات، أو تخلق أو تكشف الوظائف التي ستقوم بها الروبوتات، النقاب عن الطلب على وظائف بشرية جديدة؟».
جدل بشأن الإنجازات التكنولوجية
تقرير المنتدى الاقتصادي أشار إلى أن هذا الجدل اشتعل من جديد في الآونة الأخيرة بسبب الإنجازات التكنولوجية.
وكان «التعلم العميق» من بين تلك التكنولوجيات التي استدل بها التقرير، والتي تمكن من خلالها فريق «ألفا جو» في شركة «جوجل» المسئول عن الذكاء الاصطناعي، من عقد مباراة بين الحاسوب الذي طوره الفريق والكوري «لي سيدول» في لعبة تُدعى «جو»، وهي لعبة تُشبه الشطرنج إلى حد كبير خاصةً وأنها تعتمد على التفكير الإستراتيجي.
وعلى عكس المتوقع، اكتسح الحاسوب «لي» في جولتهما الأولى معًا من أصل خمس جولات.
وتساءل التقرير حول ما إذا كانت الابتكارات التكنولوجية الحديثة التي نشهدها اليوم، تماثل تلك التي تم التوصل إليها في الماضي، والتي أدت إلى اندثار وظيفة صانع العربات التي تجرها الدواب، ولكنها خلقت وظيفة صناعة السيارات؟ أم أن هناك شيئًا اليوم يختلف بشكل ملحوظ؟
ونقل التقرير ما كتبه «مالكولم جلادويل» في كتابه الذي صدر في عام 2006 وجاء تحت عنوان: «نقطة تحول»، وأبرز فيه ما وصفه بـ«تلك اللحظة السحرية عندما تعبر فكرة، أو اتجاه، أو سلوك اجتماعي عتبة التأثير، وتنتشر كالنار في الهشيم».
المخاوف القديمة حول التكنولوجيا الجديدة
وأوضح التقرير أن القلق بشأن التأثيرات المحتملة للتكنولوجيا على الوظائف البشرية ليس بالأمر الجديد، حيث شهد القرن التاسع عشر في بريطانيا احتجاجات خشية التغييرات الحتمية التي تجلبها التكنولوجيات الجديدة.
ومع انطلاق الثورة الصناعية، قام عمال الغزل والنسيج في إنجلترا بتنظيم ثورة عفوية، فحطموا الآلات وأحرقوا المصانع. واستمد المتمردون إلهامهم من شخصية «ند لود» المثيرة للشكوك والذي يفترض أنه كان نساجًا متدربًا قام بتحطيم اثنين من أنوال النسيج في 1779 في نوبة من الانفعال.
ووفقًا للتقرير، فربما يبدو من السهل رفض المخاوف اليوم باعتبار أنه لا أساس لها في الواقع. ولكن خبيري الاقتصاد؛ جيفري ساكس من جامعة كولومبيا، ولورانس كوتليكوف من جامعة بوسطن، يقولان: «ماذا لو باتت الآلات ذكية جدًا، وذلك بفضل العقول المعالجة، ولم تعد بحاجة لعمالة غير ماهرة للقيام بعملية التشغيل؟».
واستعرض التقرير بعضًا مما تقوم به الأجهزة الذكية في حياتنا اليومية في الوقت الحاضر بحسب ما نقله عن ساكس كوتليكوف، بما في ذلك استخدام الأجهزة الذكية في مجالات التجارة والأغراض الطبية والتكنولوجيا والاتصالات والتعليم والاستخدامات العسكرية.
النظر إلى البيانات الاقتصادية
بحسب التقرير، هناك أدلة كثيرة على أن هذا القلق قد يكون له ما يبرره. إريك برينجيفلسون وأندرو مكافي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كتبا مؤخرًا:
«لعدة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، ارتفعت الإحصاءات الاقتصادية التي نهتم بها. نمَّى الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك فعلت الإنتاجية، قدرتنا على الحصول على المزيد من الإنتاج من كل عامل. وفي الوقت نفسه، أنشأنا الملايين من فرص العمل ونتمتع بمستوى معيشي عال. ولكن، بدأ نمو الإنتاجية ونمو العمالة ينفصلان عن بعضهما البعض».
الأتمتة (التشغيل الآلي) والمساواة الاجتماعية
في الاقتصاد، يعد الاتفاق على البيانات أسهل من الاتفاق على الأسباب. وقد تساهم عوامل أخرى عديدة في المسألة أيضًا، مثل العولمة، ورفع القيود، وتفكك الاتحادات، وغيرها من المشاكل المشابهة.
مع ذلك، أظهر استطلاع للرأي – بحسب التقرير – أجرته مجموعة من كبار الاقتصاديين في عام 2014 ونظمته «مبادرة شيكاغو حول الأسواق العالمية» وتمحور حول تأثير التكنولوجيا على التوظيف والأرباح، أظهر أن 43% من الذين شاركوا في الاستطلاع اتفقوا على أن تكنولوجيا المعلومات والأتمتة (التشغيل الآلي) هما السببان الرئيسيان لثبات متوسط الأجور في الولايات المتحدة خلال هذا القرن، رغم ارتفاع معدل الإنتاج، بينما لم تتجاوز أعداد من رفضوا هذه الفكرة نسبة 28%.
بشكل مشابه، توصلت دراسة أشار إليها التقرير وكان قد أجراها صندوق النقد الدولي في عام 2015، إلى أن التطور التكنولوجي هو عامل هام في زيادة عدم المساواة خلال العقود الماضية.
الفكرة الرئيسية هنا هي أنه رغم أن الأتمتة تلغي العديد من فرص العمل في الاقتصاد، ونعني تلك التي كانت تدار من قبل البشر في الماضي، إلا أنه لا توجد إشارة واضحة إلى أن توظيف التكنولوجيا في السنوات الأخيرة يخلق عددًا مساويًا من الوظائف ذات الرواتب الجيدة لتعويض تلك الخسائر.
ووفق المقال، فقد وجدت دراسة قامت بها جامعة أكسفورد في عام 2014 أن عدد العمال الأمريكيين الذين يتحولون للعمل في صناعات أخرى صغير جدًا؛ ففي عام 2010، كانت نسبة القوى العالمة التي تم توظيفها في صناعات لم توجد قبل عام 2000 لا تتجاوز 0.5%.
واختتم التقرير بقوله إن النقاش حول البشر والآلات والعمل يتحول إلى نقاش حول نقاط غير محددة متعلقة بالمستقبل البعيد. ولكن: حان الوقت لمواجهة الحقيقة، فالمستقبل هو الآن.
المصدر : ساسة بوست