نصائح للكتابة الروائية ج(2) كيفية صناعة الأفكار
هذا المقال هو الثاني في ثلاثية عن بعض النصائح في الكتابة الروائية، وإن لم تقرأ المقال السابق فلا بأس، فالمواضيع التي نطرحها رغم ترابطها وتسلسلها إلا أنه يمكن استساغتها كل منها على حدة.
وبداية أود أن أنوه أني لا أرى هذه النصائح هي قواعد ثابتة مطلقة النفع لجميع الناس، ولا أُحب أسلوب اتبع هذا وهذا وستصبح كاتبًا عظيمًا خلال هذا القرن، هذه النصائح نابعة من خبرتي البسيطة في الكتابة والنشر فهي تنفعني بالفعل وأرجو أن تنفع كل قارئيها ولو بقدر قليل.
وقبل الدخول في كيفية صنع الأفكار يجب أن نعي ما يعيقها أولًا
الفكرة قبل رغبة النشر
مشكلة أغلب الكتاب الشباب اليوم، يُريد أن يكون كاتبًا قبل أن يصنع رواية جيدة أو مقبولة على الأقل، وأنا نفسي قد وقعت بها في البداية وكتبت أسوأ مجموعة قصصية مُهلهلة والحمدلله أني لم أنشرها، لكن المشكلة هنا ليست البداية بكتابة سيئة بالعكس هذا طبيعي جدًا في بداية أي كاتب، وما يميز كاتبًا عن آخر هو المدة التي يحتاجها لتخطي تلك الفترة، فالمشكلة تكمن في رغبة النشر قبل إنتاج شيء يستحق النشر.
وهناك من حدثوني كي أقول لهم فكرة رواية وأحداثها وبالمرة – كأنها كماليات – طريقة كتابتها، هنا تسألت مع نفسي مستنكرًا «لِمَ لا أكتبها أنا؟!».
باختصار أن ترغب في الكتابة قبل معرفة أن لديك موهبة أم لا شيء طبيعي وتجربة شخصية على كل حال فالكتابة حق للجميع، لكن النشر ليس حق إلا لذوي الموهبة وللأسف كثير من دور النشر لا تفهم ذلك ويُهمها المال وفقط، فأنت من سيخسر في النهاية بتعجُل النشر تجعل فكرتك مُهلهلة غير ناضجة تندم عليها طوال عمرك مع كل درجة نضوج تطأها في سُلم الكتابة.
لا تذهب للأفكار
لم أقرأ قط في أي رواية عن كاتب ذهب لمكان لجذب الأفكار ونجح في ذلك، أتذكر قصة لـ د. تامر إبراهيم الذي أجّر فيها البطل غرفة في المقابر لمدة شهور وجلب الأقلام والأوراق وحضر مشروب الكاكو الساخن بجانبه انتظارًا لهبوط الوحي واستحضار الأفكار، ولكنه في النهاية لم يجد شيئًا!
إن الأفكار لا تأتيك وأنت تُعد لها الأقلام والأوراق ومشوربك المفضل، لا إن ذلك يخيفها وينفرها منك، حتى الذين جاءتهم الفكرة في مكان ما ثم ذهبوا إليه مرة أخرى بغرض جذب المكان للأفكار فذلك لا يجدي نفعًا.
إن الأفكار في عقلك أنت، بالطبع يُمكن للمكان أن يوحي لك بشيء ما، لكن بدون عقل مُحضر مسبقا لهذا لا يجدي، إن الأمر أشبه بحبر سريّ والمادة التي تتفاعل معه لتظهره، فإن كان الحبر غير موجود فما جدوى المادة؟!
يمكن اختصار هذه الفقرة في التالي: لا تذهب إلى الأفكار دعها تأتي إليك، فالنوم إذا انتظرته لن يأتيك إلا بغتة حين تغفل.
تساءل وافترض وتخيل
كما ذكرنا في المقال السابق أن من أهمية القراءة أو أي اطلاع يُدخل في عقلك الباطن بذرة الخيال والمعرفة لكي يحصدها عقلك فيما بعد، فإن التفاعل اللحظي مع ما يدخل لك سواء من قراءات أو مشاهدات لأعمال فنية يجعل العمل يأخذ طابعك الخاص في قالب جديد.
تساءل لماذا وكيف وافترض ماذا لو حدث كذا بدلًا من كذا، وتخيلها تأخذخط سير جديد.
فمثلا في مرة كنت أستمع لقصة مسموعة كان المشهد – المُتخيل – يحكي عن فتاة يؤذونها بعض زميلاتها بأعمال سحرية حتى تأذت عيناها ثم انقطع النور، لم أكُن يقظًا في تلك اللحظة فربطت أن عين هذه الفتاة اجتذبت النور فأغرقت المكان في الظلام، ثم اكتشتفت أن هذا التصور خاطئ في القصة، لكني افترضت لو أن فتاة تملك قدرة على سحب الضوء مثل الثقب الأسود، وتساءلت كيف كان ذلك ومن أين حصلت عليه وما سيكون استغلالها لقوتها؟! وبدأت أتخيل الأحداث والرغبات والدوافع لتتفجر القصة فأصبحت روايتي المنشورة الثانية «ثقب أسود».
وهنا أشير في مثال على جانب من التفاعل لنقطة قد تكون مُبهمة للبعض، فأنواع التفاعل كثيرة ولحظية ولكن ابق عقلك يقظًا خلاقًا للإبداع والتخيل والتساؤل.
فرّق بين القصص الروائية الطويلة والقصيرة
ذات مرة سألت صديقي الكاتب محمد رجب – صاحب رواية إمضاء ميت – «لمَ لا تكتب مجموعة قصصية ؟!»
فقال لي «إنها محرقة للأفكار».
قد تكون هذه أهم النقاط لدينا، لأنها تعنى بكيفية قولبة الفكرة ووضعها الصحيح، هناك أفكار من السهل رؤية قولبتها ووضعها أكانت روائية طويلة أم قصيرة، لكن هناك أفكارًا مُبهمة، فليس كل فكرة بالضرورة تصلح لأن تكون قصة روائية طويلة فقد تستخرج فكرة لا تحتمل أن يُمط في أحداثها ولا مساحات كافية لوجود أحداث كثيرة، وأيضًا ليس ضمانًا أن نحول كل فكرة قصة قصيرة فقد تترهل وتتكدس وتحرق دون أي معنى أو داع.
جرّب أن تكتب فكرتك في قصة روائية قصيرة، فإن رأيت أنها ما زالت تحتمل إضافة الأحداث والأفكار أيضًا ودمجها معا بطريقة سوية متوازنة فضع الفكرة في خانة الأفكار الروائية الطويلة، وإن رأيت أنها لا تحتمل أكثر من قولبتها الروائية القصيرة فاتركها كما هي، فقد كتبت قصة قصيرة جيدة متماسكة.
دوِّن أي فكرة
ستأتي فترات يكون فيها العقل مصنعا للأفكار، يُنتج في السنة عشرات الأفكار الكاملة، وأيضًا فترات يكون فيها فقيرًا شحيحًا، من خلال تحدثي مع كُتاب مُختلفين اكتشفت أن هذه الحالة عامة، يجب على الجيمع أن يقع بها باختلاف طول الفترات، لكن ما يجعل كاتبًا مُستمرًا في الإنتاج الإبداعي هو تنظيم عجلة الأفكار في وقت الذروة واستغلالها في وقت الفقر، خذ النمل مثالا يُخزن ما يستطيع تخزينه طوال فصل الصيف ثم يقتات على ما خزّن في فصل الشتاء، فاكتب كُل شيء يخطر ببالك وتستكثر وقت الذروة وتظن أنك قادر دائمًا
شراذم الأفكار
«الأفكار كالكائن الحي، لديها غريزة البقاء»
بعدما يتعود عقلك على استخراج الأفكار بكثرة وفي أي شيء تراه أو تتفاعل معه ويجذب أفكارًا قد تكون أقل أهمية أو غير مُكتملة لصنع شيء ما به، ولكنها قد تكون مُلحة عليك، فالحل أن تدونها وتتناولها بأي شكل وتناقشه.
مثلا إذا رأيت شيئا ما اجتماعيًا أو سياسيًا… إلخ، ناقشه في مقال، في تدوينة، في قصة قصيرة رمزية بسيطة، في خاطرة، هناك بعض الذين لديهم الكاريزما لعرض أي شيء أمام كاميرا، وأمثلة كثيرة وأنت أعلم بنفسك وما تُحب.
وهكذا لا تضيع الفكرة ويهدأ إلحاحها عليك ويمكن أن تستفيد منها كجزء من كل (رواية) تريد أن تنتجها وتطعمها بالحكمة أو التساؤل منها، والمناسبة شرط أساسي لها.
انتهى الجزء الثاني من هذه الثلاثية أتمنى أن يكون قد أفادكم، ومقالنا القادم المقال الأخير في هذه الثلاثية وسنتناول فيه كيفية الكتابة والأخطاء الشائعة في البداية، أتمنى أن يكون لكم فيها فائدة.
المصدر : بوست بوست