الشهادة الجامعية … غاية أم وسيلة؟!
هوازن السلايطة: من يعمل في غير مجال شهادته يعتبرها تحصيل حاصل
أسامة شناعة: معظم الحاصلين على الشهادات يأخذونها لمواكبة المجتمع
سالي أبو الرب: الشهادة تؤهلني لأن أحصل على وظيفة… إنها سلاح للزمن
براءة الطحيمر: عندما يجتمع الطموح والتخصص الذي نحبه تصبح للشهادة قيمة
محمد كمال: الشهادة مطلب إجباري… والله لا يُعبد إلا بالعلم
من منا لم يسمع بقصص النجاح المدوية التي غيرت العالم لأشخاص لا يملكون أي مؤهل جامعي مثل ستيف جوبز مثلا، أو أديسون؟ هل عليك أن تفوت فرصة الدراسة الجامعية فقط لأنك قرأت عن مثل هذه الشخصيات؟
تكمن أكبر مشكلة نواجهها في عالمنا العربي تحديدا بتعريف النجاح، فالبعض يعرف النجاح على أنه الوظيفة والزوجة وامتلاك المنزل والسيارة، ولو قيست الأمور بهذا المعيار فلا حاجة إلى الشهادة الجامعية لتحقيق النجاح.
وهناك آخرون يرون أن الشهادة الجامعية مفتاح لعديد من الأبواب، ويعتبرونها تحقيقا لحد من الوعي والإدراك لا يتحقق لغير حاملها، حتى إن لم يعمل بها، فإنها تبقى كخطة بديلة في حال فشل مشروعه.
وهنا نقول إنه ليس بالضرورة أن يكون الحاصل على المؤهل الجامعي مثقفاً، فالثقافة بحد ذاتها مهارة يكتسبها الشخص بقدرته على تحصيل أكبر قدر من المعلومات وتحليلها واستنتاج ما وراءها ومتابعة كل جديد في كل مجالات الحياة، فـ«كم أُميّ يعد بألف مثقف… وكم مثقف يمر بلا عداد».
بيد أن كل من يقوم بالابتكارات والاكتشافات العلمية حاليا، هم باحثون و أصحاب شهادات عليا، لذلك من وجهة نظر الكثيرين، التحصيل و الإنتاج العلمي هما العصب الرئيسي في نهضة و تطور الأمم، فحامل البكالوريوس بالأمس كان يشار إليه بالبنان، واليوم أصبح مؤهلا حتميا، وبالتالي أصبحنا نرى الإقبال يزداد على الدراسات العليا، وهنا نستطيع القول إن قيمة الشهادة أولا وأخيرا تكمن لدى الشخص نفسه بالأساس.
وفي هذا الإطار تبرز عدة أسئلة، أهمها، لماذا بتنا نحرص على أرفع الدرجات العلمية؟ وهل بات السعي منصبا على نيل الشهادات من أجل تأمين وضع وظيفي أفضل وبالتالي راتب ومخصصات أعلى؟ وهل ما زال فينا من يطلب العلم ويسعى خلفه من أجله فقط؟ وهل تعتبر الشهادة الجامعية من مقاييس النجاح أم من متطلبات الزواج حتى؟
وفي هذا، تقول هوازن السلايطة، وهي خريجة صحافة وإعلام «من منظوري الشخصي من المفترض أن تكون الشهادة الجامعية طموحا وسبيلا لتحقيق الذات وهدفا رئيسيا، لكن إن أتيت للمجتمع فالمعظم يعتبرها مظهرا اجتماعيا، كأن يقال بأن فلانة جامعية، مع عدم اهتمامهم بالتخصصات طبعاً، وهنا يكون الهدف قد تحول لإرضاء الناس خوفاً من نظرة المجتمع، وشخصيا أعرف عدداً لا يستهان به من الناس يعملون في مجالات أخرى تختلف عن تخصصاتهم الجامعية، وهذا يدل على أن الشهادة بالنسبة لهم تحصيل حاصل».
أما أسامة شناعة، طالب إعلام أيضا، فيقول «عندما يقال إن أسامة لديه شهادة في مجال الإعلام، فهذا يعني بأن أسامة لديه خلفية عن تاريخ الإعلام العربي ودرس 4 سنوات في هذا المجال فهو على دراية وعلم بمصطلحات الإعلام، في هذه الحالة إذا طلبت مؤسسة إعلامية أشخاصاً لإعداد تقارير فهم يبحثون عن أصحاب الخلفية والمعلومات و تصبح الشهادة هنا مهمة ولها مجال».
وأضاف: «الشهادة وجدت لأصحاب الطموح والأهداف، الذين يريدون أن يصبحوا أكاديميين أو أطباء مثلا، فبالتالي يتخصصون بالدراسة الجامعية، أما حاليا برأيي الشهادة لا تفيد أبدا إذا كنت تستطيع اختيار تخصصك ومجالك و تدريب نفسك بالدورات والخبرة و ما شابه ذلك، دون الحاجة لإضاعة 4 سنوات في البكالورويوس، خصوصاً أن معظم الأشخاص يأخذون الشهادة ليكون كما زميله وابن عمه، وحتى لا يشعر بأنه شاذ في المجتمع، لا ليحقق عبرها طموحا أو اختصاصا أبداً».
كما أكدت سالي أبو الرب، خريجة علاقات عامة وإعلان، أن «قبل أن أرتبط بخطيبي كانت فكرتي عن الشهادة الجامعية أنها تؤهلني لأن أحصل على وظيفة واستقل ماديا عن أهلي بواسطة مرتبي، أما الآن بعد الارتباط فلا أشعر أن عليّ أن أعمل البتة، وأعد الشهادة مجرد سلاح للزمن، فأنا لا أعرف ماذا يخبئ لي، وربما احد عوامل انطفاء شغفي عن العمل بشهادتي، أنني جلست في البيت فترة طويلة عقب التخرج وأصبحت لا أتخيل الآن أن أخرج للعمل».
وتقول براءة الطحيمر «أنا أدرس لأن مجتمعي يتطلب مني أن أكون احدى حملة الشهادات، خصوصا مع الاحداث والتطورات التي تحدث من حولنا، فلا مضمون هنا سوى شهادتي وعلمي، ولأنني من خلال شهادتي أستطيع أن أصنع شخصية ومكانة خاصة بي في مجتمعي، لذلك الشهادة ضرورة و ضرورة ملحة جدا، وتتكامل مع الطموح خصوصاً عندما يجتمع الطموح مع التخصص الذي أحبه و اخترته لنفسي، يصبح للشهادة معنى وقيمة تستحق التعب و الجهد».
ويؤكد أيضا طالب الطب، محمد كمال، أهمية الشهادة الجامعية نسبة لتخصصه، قائلا «تخصصي يتطلب الشهادة الجامعية و من دونها لا أستطيع أن أصبح طبيبا، تخصصي يعتبر من أدق التخصصات وأكثرها حساسية، فأرواح الناس أمانة في يدي، وإذا لم أكن على علم ودراية كافية بما أقوم به فالنتيجة ستكون مفجعة، هذا عدا عن كون الشهادة الجامعية بكافة التخصصات مطلبا إجباريا في أيامنا هذه، علينا أن نتعلم لأن الله لا يُعبد إلا بالعلم و المعرفة، وعلينا أن نطلب العلم ما استطعنا إليه سبيلا، وفرصة الدراسة الجامعية عدا عن كونها للشهادة، فهي تجربة فريدة تصقل شخصية الطالب و تزيده جرأة وفصاحة وشجاعة».
وذكرت روان داوود، متخصصة في الإعلام الإسلامي، أن أهمية الشهادة متلعقة بأهمية مجال العمل، قائلة «مثلا لو أردت أن تصبح مهندسا من الضروري أن تحصل على الشهادة الجامعية، لكن في مجالات أخرى لا نحتاج إلى الشهادة الجامعية بقدر المهارة والشغف والإبداع، وهذا من الممكن أن يتحقق بتدريب الإنسان نفسه و بالدورات وليس بالشهادة، وغالبا يأخذ الناس الشهادة كمظهر اجتماعي، لكن لا أستطيع إنكار أنه بين اثنين يملكان المهارة، سيتقدم صاحب الشهادة الجامعية، بالتالي هي تعتبر إيجابية، ومفتاحا لدخول سوق العمل».
نهال أنور، خريجة تكنولوجيا المعلومات، وتعمل في غير تخصصها، وتقول «الشهادة الجامعية ضرورية جدا في حياة أي إنسان، أولا هي مظهر اجتماعي، فعندما يعرف الناس أنك تحملين شهادة جامعية يحترمونك بالتأكيد، ويتأكدون من كونك إنسانا يفهم، بغض النظر عن الكثير مِمن لديهم شهادات ولا يفهمون شيئا، ولكن التربية و الشهادة مجتمعين يؤثران على سلوك الإنسان ونظرته للناس من حوله».
وسمر حب الله، طالبة وزوجة وأم، فتقول «درست لعدة أسباب، أولها أني لازمت البيت دون دراسة جامعية لمدة عامين بعد التخرج من المدرسة، ورأيت كل من حولي يدرس إلا أنا، هذا عدا عن أنني كنت راغبة في إكمال دراستي غير أن الفرصة لم تكن قد أتت بعد، ورغم أن زوجي يرى ألا داعي لعملي أصررت فنحن لا نعلم ما قد يواجهنا من ظروف معاكسة، فالشهادة هي الثقة والأمان لعائلتي وأبنائي مستقبلا».
وفي ما يخص ربط المخرجات العلمية بسوق العمل، يقول المدرب والصحافي والناشط المجتمعي والسياسي محمد الزواهرة «أنا أرى أن الموضوع انتقل من مرحلة المظهر الاجتماعي وأصبح جزء من الدراسة مرتبطا بالسلسلة الحياتية للفرد، وهذا مؤشر واضح على أن الشباب أصبحوا يهتمون بالمجتمع الوظيفي».
وأردف «مجتمعاتنا أصبحت (تحشرنا) بزاوية أنه لزاما علينا أن نكون من أصحاب الشهادة الجامعية، أنا لم أر للآن أي مدير مؤسسة كبرى أصبح مديراً لأنه كفؤ ويستحق، وإنما لأنه يملك الشهادات، ولذلك نرى أن الكثير من الشباب أصبحوا يدرسون تخصصات لا يحبونها فقط لأنها توفر لهم فرصة العمل، مثالا على ذلك، عوضا عن أن يدرس أحدهم التمريض لأنه مهنة ذات حس إنساني ولأنه يحب السهر على راحة الناس، بات يدرسه ليعمل به كوظيفة فقط».
وعن التنافس الاجتماعي يقول الزواهرة «المجتمعات العشائرية والقبلية يكون لديها نوع من التنافس الاجتماعي في ما بينها، في ما يخص تدريس أبنائها، أي كما درس ابن فلان يجب أيضا على ابني أن يدرس، وأنا شخصيا أعرف أسرة باعت كل ما تملك من أجل تدريس ولدها، الذي لا يتعدى راتبه الآن 1 في المئة من قيمة ما باعوه».
ويقول أستاذ الإذاعة والتلفزيون، سليمان العواودة «الشهادة من وجهة نظري تعطي ثقة بالنفس، فهي طريق للتمييز وشعلة تنير الدرب، وتفتح الأبواب المغلقة، والشهادة ضرورة لأخذ العلم فالعلم نور لمن يستغله، وتحث أيضا على الالتزام والتنظيم، كما هي ضرورة لسوق العمل والمكانة الاجتماعية، ومثال على ذلك الآن، عندما يريد شاب الزواج نراه غالبا يسأل إذا كانت من سيطلبها جامعية، وكذلك أهل الفتاة يسألون الشاب عن محصله الجامعي».
شهد المحاميد
المصدر: الراي