كيف نعرف الكواكب الجديدة؟
في مقالٍ جديد من سلسلة “بريد العلم”، التي بدأتها صحيفة واشنطن بوست الأميركية منذ فترة، وهي سلسلة مقالاتٍ تنشرها الصحيفة من خلال الإجابة على التساؤلات العلمية التي يطرحها القراء، تساءل أحدهم قائلاً إنه اطّلع للتو على الأخبار المتعلقة بعثور علماء الفلك على كوكب محتمل يدور حول أقرب نجم للشمس، والمعروف باسم النجم “قنطور الأقرب” أو “بروكسيما سنتوري”.
لكنه طرح تساؤلاً عن الطريقة التي تُمكّن العلماء من إخبارنا بأن ثمة كوكباً، في الوقت الذي لا يمكنهم رؤية ذلك الكوكب من خلال التلسكوب.
كيف نعرف الكواكب الجديدة؟
تمتلئ السماء في الليل بكثير من الكواكب المحتملة، إذ إن كل نجم من النجوم التي يبلغ عددها مليار تريليون نجم، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، يُحتمل أن يكون كل منها شمساً لعالم آخر بعيد. ففي عام 1584، كتب الفيلسوف جوردانو برونو “إن الله ليس عظيماً لخلقه شمساً واحدة، بل شموساً لا تُحصى، وليس عظيماً لخلقه أرضاً واحدة وعالماً واحداً، بل لآلاف الآلاف من العوالم، بل إنني أقول عوالم لا نهائية”. وقد أعدمته الكنيسة الكاثوليكية حرقاً بسبب أفكاره، إلا أن العلماء يدركون في الوقت الحالي أن معظم النجوم تستضيف مجموعة من الكواكب.
وفي الحقيقة، يُعتقد أن معظم نجوم مجرتنا تستضيف حولها كواكب يحتمل أنها تتوفر المياه على سطحها.
بيد أن اكتشاف ذلك الكوكب الذي تنبأ برونو بوجوده لا يزال يمثل تحدياً كبيراً. يمكننا استيضاح عدم قدرة علماء الفلك أن يبصروا ببساطة من خلال التلسكوب لكي يحددوا موقع ذلك الكوكب. فالنجوم أكبر ملايين المرات من كواكبها وأكثر سطوعاً أيضاً، ومع ذلك فإن تلك النجوم لا تظهر لنا سوى بقاع بعيدة من الضوء، وحتى إن استخدمنا أفضل التلسكوبات على وجه الأرض. لذا فإن توهجها يعيق تماماً ظهور الكواكب الصغيرة الخافتة التي تدور حولها.
وقد استغرق الأمر حوالي 400 عام بعد وفاة برونو، لكي يطور العلماء طريقة لإثبات فرضياته. إذ إن أول اكتشاف مؤكد لكوكب من خارج المجموعة الشمسية نُشرت أخبار عنه في عام 1995، عندما استخدم علماء طريقة دوبلر، من خلال الكشف عن التمايل الخافت الذي يقوم به أي نجم من جراء وجود كوكب حوله.
وتعد تلك التقنية هي نفس التقنية التي استخدمها العلماء للكشف عن كوكب “بروكسيما بي”، وهو الكوكب الذي يحتمل أنه يدور حول أقرب نجم للشمس ويحتمل أن يكون صالحاً للحياة.
يقول بول بتلر، عالم الفلك بمعهد كارنيجي للعلوم الذي اشترك في الفريق العلمي الذي اكتشف الكوكب بروكسيما بي، “في واقع الأمر لا تدور الكواكب حول نجومها، بل إن الكوكب والنجم كلاهما يدوران حول مركز الكتلة المشترك بينهما”.
ويوضح بتلر الأمر قائلاً إن مركز الكتلة المشترك يعد أشبه بنقطة الارتكاز الموجودة بالأرجوحة ثنائية الأطراف. ففي تلك الأرجوحة، إن كان وزنا الطفلين المتأرجحين متساويين فيمكنهما أن يحافظا على توازن الأرجوحة، لأن نقطة الارتكاز تبقى في منتصف المسافة بينهما. أما إن كان وزن أحد الطفلين ضعف وزن الآخر، فإن نقطة الارتكاز تكون أقرب مرتين لصاحب الوزن الأكبر لكي تُبقي على توازن الأرجوحة. وعليه فإن مركز الكتلة المشترك بين الطفلين أو بين جرمين سماويين، هي النقطة التي تتساوى فيها قوى الجاذبية التي يبذلها كل جرم منهما على الآخر.
وتلك هي الحقيقة في أي نظام شمسي، بما فيها نظامنا. لكن ضخامة أحجام الشموس عند المقارنة مع كواكبها، يجعل مركز الكتلة المشترك أقرب للغاية من الشمس. لذا، فبدلاً من أن تبدو الشموس أنها تدور هي الأخرى مثلما تفعل الكواكب، فإن النجوم تُظهر تمايلاً خافتاً. ويمكن للعلماء أن يكشفوا عن ذلك التمايل من خلال التحول الطفيف في الضوء الذي ينبعث من النجوم، ثم استخدام ذلك التحول لحساب كتلة الكوكب ومسافته.
ومع تطور التلسكوبات التي يستخدمها علماء الفلك، استطاعوا أن يطوّروا طريقة أخرى لاكتشاف الكواكب، وهي تقنية العبور. وتتم تلك الطريقة من خلال الكشف عن الانخفاضات الطفيفة في الضوء الذي يبعثه النجم بسبب عبور الكوكب أو العبور أمامه، حسب ما يوضح التلسكوب الخاص بنا.
وتقل الانحرافات الناتجة عن تلك الطريقة، فحتى أكبر كوكب بنظامنا الشمسي، وهو كوكب المشتري، يبلغ حجمه 1% من حجم الشمس ويعوق 1% فقط من ضوء الشمس، والأرض يصغر حجمها عن حجم المشتري بألف مرة. فإن أرادت المخلوقات الفضائية البعيدة أن تجد دليلاً على وجودنا من خلال تقنية العبور، فهم في حاجة إلى أجهزة شديدة الحساسية وحظ وفير لكي يتمكنوا من التأكد من وجودنا بنجاح عندما نعبر أمام الشمس.
اكتشاف 1284 كوكباً
وبالمثل، يحتاج علماء الفلك على كوكب الأرض مزيداً من الحظ لكي يتمكنوا من اكتشاف الكوكب عند عبوره. إلا أن ثمة كثيراً من النجوم في الكون يمكنهم ملاحظتها، ففي مايو/أيار أعلن علماء ناسا الذين يعلمون على تلسكوب كيبلر الفضائي أنهم وصلوا لرقم قياسي بعد اكتشافهم 1284 كوكباً خارج المجموعة الشمسية باستخدام تقنية العبور.
وقد توصل العلماء إلى الأغلبية العظمى من تلك الكواكب المحتملة باستخدام إحدى تلك الطريقتين (يقول العلماء “كواكب محتملة” لأنهم لا يمكنهم التأكد بنسبة 100% إلا عندما يرونها مباشرة). كما اكتُشف عدد قليل من خلال قياس الطريقة التي تتسبب فيها جاذبية الكوكب من انحراف الضوء المنبعث من النجوم البعيدة، وهي الطريقة التي تسمى التصوير الصغير للجاذبية.
غير أن بتلر يقول “إن المطلب الأهم الذي يلوح في الأفق الخاص بذلك المجال يكمن في أن نتمكن من الكشف عن تلك الكواكب مباشرة”.
صوّر العلماء عشرات من تلك الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية مباشرة، من خلال حجب التوهج الذي تتسبب فيه النجوم لكي يتمكنوا من رؤية كواكبها ذات التوهج الخافت. إلا أن ذلك الأمر يصعب القيام به، كما أنه يتطلب تلسكوبات شديدة الحساسية يمكنها التقاط التغيرات الطفيفة في الضوء.
وفي الوقت الحالي، ثمة ثلاثة تلسكوبات أرضية تحت الإنشاء ستكون أكبر وأكثر حساسية، من أي شيء آخر على وجه الأرض. ويأمل بتلر أن تساعد تلك التلسكوبات على بداية عهد جديد من الكشف عن عن الكواكب الجديدة خارج المجموعة الشمسية، الذي سيكون بمقدور علماء الفلك خلاله رؤية الكواكب الجديدة مباشرة.
تعد تلك المهمة متطورة للغاية؛ والسبب في الحقيقة يكمن في أن التقاط الضوء الذي يصدره كوكب بعيد (حتى وإن ظهرت بضع نقاط على الشاشة)، سوف يسمح للعلماء بالتوصل لما تبدو عليه تلك الكواكب.
وكل ما نعرفه الآن عن كوكب بروكسيما بي، أن حجمه يساوي حجم الأرض ويتخذ موقعاً في المنطقة القابلة للحياة حول النجم.
ولكن إن تمكن علماء الفلك من رؤية الضوء القادم من ذلك الكوكب، فسوف يستخدمون تقنية تسمى التحليل الطيفي لكي يحللوا هذا الضوء من خلال مكوناته، ومن ثم يتوصلون إلى أنواع الجزيئات التي يحتويها الغلاف الجوي لهذا الكوكب. وبعد ذلك، يمكنهم أن يبدأوا في البحث عن أشياء مثل المياه والأكسجين والغازات التي تشير لحدوث العمليات الحيوية، وبتعبير آخر: هي عملية بحث عن أي إشارات لوجود حياة.
يقول بتلر “في الحالة الحالية لكوكب بروكسيما بي، ما لا نعرفه أكثر أهمية مما نعرفه”. إذ إن الحقيقة القائلة إنه يتخذ موقعاً بالمنطقة القابلة للحياة تطرح تساؤلاً يقول “هل يمكن أن يكون ثمة حياة عليه؟”، لكن العلماء لم يقتربوا على الإطلاق من الإجابة على ذلك التساؤل.
ويضيف بتلر “ولكن إن كان لديك إشارات طيفية على وجود أشياء كبخار الماء أو الأكسجين، فحينها يمكننا طرح السؤال. لأن الأمر لن يكون إثباتاً على وجود حياة هناك، بل إنه سيكون أقرب لإثبات عدم وجود حياة.
المصدر: هوفنغتن بوست